كتب ياسر أبوالريش:
تعد قضية الأمن الغذائي من القضايا الحساسة والمهمة التي تلامس حياة الناس.. وربما يمر هذا التعبير على أسماعنا من دون أن ننتبه إلى حقيقة ما يعنيه، ففي كثير من الأحيان يكون كفيلا بإثارة الفزع في أي مكان عندما يأتي مرتبطا بالخطر أو التهديد.
والأمن الغذائي، هو إما أن تنتج البلد كل احتياجاتها من الغذاء الأساسي، أو أن يكون في استطاعتها شراؤه من الخارج، تحت أي ظرف من ظروف ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.
ووفقا للمفهوم السابق، فإن الأمن الغذائي الكويتي يأتي ضمن المستويات المطمئنة، لكن هذا الاطمئنان لا يعني عدم اتخاذ سياسات جديدة نحو مزيد من الاستقرار والتأمين في هذا الجانب، وخصوصاً في ظل أوضاع إقليمية وعالمية متغيرة، ومستقبل يبدو أنه سيكون مشحوناً بالصراعات والتغيرات.
خطوات واثقة
ولعل أهم ما يتعلق بالأمن الغذائي، هو المياه، باعتبارها أهم ركيزة من ركائز التنمية والاستقرار، بل والحياة، ولاسيما أن الكويت تعد ضمن الدول التي تعاني ندرة في المياه، بسبب قلة مواردها الطبيعية.. ولعل إشادة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) بإنجاز الكويت في الاستفادة من المياه المعالجة الذي وصفته بالريادي، يشير إلى أن الكويت تخطو خطوات جيدة في هذا الجانب.
لكن هذا أيضا ليس كافيا، فالدول الخليجية تعيش في البيئة نفسها، وتحيا في الظروف ذاتها، ولديها من الإمكانات والخطط ما يجعل وجود تعاون بينها في قضية ندرة المياه أمراً حتمياً يجب أن يتم في أسرع وقت، إلى جانب إشراك القطاع الخاص وشركاته وتشجيعه على الاستثمار والعمل على تنمية القطاع المائي بشكل خاص والغذائي بشكل عام.
تغليظ العقوبات
وفي الآونة الأخيرة كثرت حالات اكتشاف أغذية فاسدة ومنتهية الصلاحية ومخزنة بطريقة غير سليمة وغير صالحة للاستهلاك البشري.. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يثير القلق بشكل كبير، فإن العقوبات التي توقع على المخالفين في تلك القضايا ضئيلة جداً، مقارنة بهذا الجرم الكبير، وهو ما استدعى المطالبة بضرورة تغليظ العقوبة، والإعلان عن أسماء الشركات المخالفة على الرأي العام، وإنشاء مخازن خاصة ومختبرات مجهزة حديثة لفحص سلامة وصحة الأغذية المستوردة في البلدية قبل توزيعها على الأسواق والجمعيات التعاونية.
وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين في البلدية بأن الأجهزة الرقابية مستمرة بتكثيف إجراءاتها الرقابية على كل المؤسسات والمخازن الغذائية العاملة من خلال تطبيق برنامج عمل رقابي شامل يستهدف التصدي للمخالفين والمتجاوزين لقوانين البلدية، وخصوصاً المتعلق منها بالجانب الغذائي، فإن مراقبين يرون أن تلك الإجراءات غير كافية، وفقا لحجم وكمية الكميات المضبوطة من الأغذية الفاسدة.
نفوذ التجار
وكانت وزارة التجارة والصناعة قد أصدرت في أواخر عام 2013 قراراً وزارياً، يقضي بتشكيل فريق عمل للبحث والتحري عن صحة ما نشر في وسائل الإعلام بشأن خسارة الوزارة ما نسبته 80 في المائة من القضايا، وخاصة جنح التجارة، والمتعلقة بالأغذية الفاسدة، وهو ما يطرح تساؤلات وتخوفات حقيقية من مدى نفوذ وقوة التجار الذين يتجاوزون الوزارة وقوانينها وقراراتها، ما دفع المراقبين إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، والقول بوجود حماية رسمية وغريبة لتجار الأغذية الفاسدة في السنوات الأخيرة بشكل لا يمكن تصديقه، مطالبين بتركيز الجهود الحكومية والنيابية لإغلاق هذا الملف المهلهل، وإجراء تحقيقات على أعلى مستوى، لمعرفة من يسعى إلى تحقيق الربح على حساب صحة المستهلكين.
من المسؤول؟
ولأن الأمن الغذائي هو أحد أهم مظاهر الاستقرار والتطور وخط أحمر، فإن اختراق هذا الخط يسبب اضطرابات اقتصادية واجتماعية كثيرة، كما أن عواقبه وآثاره غير محمودة على المديين القريب والبعيد.. وقد أصبحت الآن الأصوات المطالبة بمعرفة المسؤول عن هذا الخلل الجسيم في الخط الغذائي من بدايته إلى نهايته أعلى من الأصوات التي تشغلها القضية بحد ذاتها.. وفي كل الأحوال لا مناص من تفعيل القوانين والأحكام بشكل أكثر صرامة، لأن صحة المواطنين والمستهلكين ليست محلاً للمساومة.