
كتب محمد جاد:
ضمن أنشطة «استديو الأربعاء»، التابع لـ«نادي الكويت للسينما»، عُرض أخيراً الفيلم الحائز جائزة الأوسكار «12 عاما من العبودية»، الذي حصد جائزة أفضل فيلم، وأفضل سيناريو وأفضل ممثلة مساعدة.
الفيلم بطولة شويتيل أجيفور، لوبيتا نيونغو، براد بيت، ومن إخراج البريطاني ستيف ماكوين، ويحكي قصة حقيقية لرجل يدعى سولومان نورثوب، وهو رجل أسود حرّ من شمال نيويورك، اختُطِف وتمّ بيعه في سوق العبيد عام 1841، ودامت معاناته 12 عاماً، حتى نجح أخيراً في إثبات حريته، وبعدها قام بنشر مذكراته عام 1853 التي تحمل اسم «12عاما في العبودية».
الحكاية
ولد نورثوب في 10 يوليو 1807(أميركي من أصل أفريقي) في جبال آديرونداك، الواقعة في الشمال الشرقي من نيويورك، تزوج نورثوب من آن هامبتون في نهاية عام 1820، وعمل في مزرعة والده، ثم انتقل الزوجان إلى ساراتوجا، وعمل كموسيقي، وفي عام 1841 وعده اثنان من الرجال البيض بمستقبل مشرق في مقاطعة كولومبيا بواشنطن، فوافق على الذهاب، فتحايل الرجلان، ووضعا مخدراً في شرابه، ليستفيق في اليوم التالي، ليجد نفسه مقيداً في مركز للعبيد، وبعد إحراق كل أوراقه، تم بيعه كعبد، فنُقل إلى نيو أورليانز، حيث بيع في مزاد للعبيد هناك، ورحّل بعد ذلك إلى لويزيانا، ليعيش 12 عاماً في مجتمع العبيد، سارداً الحياة القاسية، وكاشفاً عالما آخر لم يسطره إلا قليلون، تاريخاً آخر لأميركا قبل الحرب الأهلية، حتى حصل على حريته في النهاية، بمساعدة رجل أبيض كندي من دعاة إلغاء العبودية.
القسوة والتعذيب
نقل الفيلم صراحة العار الأميركي، من خلال مشاهد القسوة والتعذيب لهؤلاء العبيد، بداية من خطف رجل حر وبيعه، ونزع أم عن أطفالها، وجلدها، وصولاً إلى انتهاكها جسدياً (اغتصابها) من قِبل سيدها كلما أراد، فلا سلطة لديها حتى على جسدها، ما أثار غيرة زوجته، فتمادت في تعذيبها بدورها، ما جعل المرأة ترجو صاحب المذكرات أن يقتلها، حتى تتخلص من محنتها، لكنه رفض أن يقوم بفعل القتل هذا، فالأمر لا يعدو استعراض تاريخ اجتماعي لأميركا، أكثر منه حالة أشخاص، هذا ما حاولت المذكرات نقله، ونجح الفيلم في روايته.
حكاية أميركا
ويُشير الفيلم من بعيد إلى أن العبودية لم تكن قاصرة على الجنوب الأميركي فقط، فتجارة القطن التي كانت تستنزف المزيد والمزيد من العبيد أدَّت إلى تجمُّع عدد كبير من تجارهم بشمال شرق أميركا، ما كان عاملاً مؤثراً في ازدهار تجارة القطن، وبالتالي تحوَّلت نيويورك عن طريق هذه التجارة إلى مركز تجاري ومالي كبير، وهي رمز الولايات المتحدة الآن، فحكاية العبودية وتاريخها هي نفسها حكاية أميركا.
الجرأة في تناول التاريخ
هناك العديد من الأعمال الأميركية التي ناقشت ظاهرة الرق في الأدب أو السينما، أشهرها رواية «الجذور» لألدوس هكسلي، والتي تحوَّلت إلى مسلسل شهير، وأعمال سينمائية كان آخرها فيلم كوينتن تارانتينو «دانجو طليقاً»، وهو تناول شعبي لظاهرة العبودية، والانتصار الملحمي كبطل أميركي أسود استطاع القضاء على كل الأعداء والفوز بحريته، فانتصار تارانتينو السينمائي لم يمح قسوة التفرقة في الواقع. بخلاف جريفيث العنصري، الذي صورهم في فيلمه «مولد أمة» عام 1915 على أنهم سيؤون وعديمي الأخلاق، إلا أن الفيلم الحائز أوسكار هذا العام فنّد الوضع الاجتماعي والاقتصادي لنشأة أميركا التي نعرفها اليوم، من خلال حكاية حقيقية كتبها صاحبها، وهو الأمر الذي أعطى للفيلم القوة والمصداقية بخلاف الأعمال السابقة.
فهل نمتلك مثل هذه الجرأة في تناول التاريخ العربي مثلاً، الذي يتحاكى البعض عن مجده الغابر ليل نهار، ويحلم بعودته؟ هل سنتحدث عن تجارة الرقيق ومآسيها، في ظل عظمة الدولة العربية، أو الإسلامية بمعنى أدق، من خلال منظور الجنس الأعلى، أو حتى الأقرب إلى الله ــ من وجهة نظر مَن يمثلونه؟
سؤال متروك لضمير القارئ.