صناعة البتروكيماويات الكويتية «تحتضر».. ولا أحد يحرك ساكنا

صناعة البتروكيماويات26كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
لم تمضِ فترة طويلة على ما حذرت منه «الطليعة» من تدهور مستقبل صناعة البتروكيماويات في الكويت، بسبب التخبط وسوء الإدارة، الذي يسيطر على القطاع النفطي بشكل عام، وقطاع صناعة البتروكيماويات بشكل خاص، منذ سنوات، وتعطل مشروعات هذا القطاع، لأسباب نعلمها، وأخرى لا نعلمها، فلم يمر سوى ما يقرب من ستة أشهر فقط على تحذيرنا الذي أطلقناه، لنجد أنفسنا أمام خيبة أمل جديدة، بصدور تقارير جديدة الأسبوع الماضي، تفيد بتراجع مساهمة الكويت في صناعة البتروكيماويات من نسبة 8 في المائة، التي كانت تحتل بها المرتبة الرابعة خليجيا، إلى نسبة لا تلبي الطموح مطلقا، وصلت إلى 5 في المائة تقريبا.

وتأتي هذه التقارير، لتزيد خيبة الأمل الاقتصادية التي تعيشها الكويت ذات التاريخ العريق في صناعة البتروكيماويات، والذي يزيد على نصف قرن في هذه الصناعة المهمة.. فبعد أن كنا نطمح إلى أن تكون الكويت مركز الثقل لهذه الصناعة، انطلاقاً من قاعدة السبق في التأسيس، وتوافر مقومات هذه الصناعة محليا، إلا أنه ومع مرور السنين، تراجعت صناعات البتروكيماويات الكويتية بشكل كبير، حتى وصلت إلى المرتبة الرابعة خليجياً، بعد المملكة العربية السعودية، التي تستحوذ على النصيب الأكبر من هذه الصناعة بنسبة 68 في المائة، ثم قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من الآمال التي كانت تحدونا أن تقود صناعة البتروكيماويات الاقتصاد الكويتي وتنتشله من أحادية الدخل، المعتمد على العائدات النفطية، والبُعد عن خطورة تذبذب أسعار النفط، في ظل التهديدات المستمرة من أكثر من مصدر آخر للطاقة، على رأسها النفط الصخري، جاءت هذه الأرقام لتصيبنا جميعا بالإحباط.

تحديات وعقبات

ووفق ما ذكره الرئيس التنفيذي في شركة إيكويت للبتروكيماويات محمد حسين، فإن صناعة البتروكيماويات في الكويت تواجه تحديات جمة، وهذه التحديات قلصت نسبة الكويت من انتاج البتروكيماويات التي كانت عند 8 في المائة، لتنخفض إلى ما دون 5 في المائة في الوقت الراهن، مبيناً أن هناك ثلاثة تحديات تواجه صناعة البتروكيماويات في الكويت، التحدي الأول يتمثل في ندرة الأراضي ونقص اللقيم اللازم لهذه الصناعة – الغاز – حيث إن الجزء الأكبر من الغاز، سواء المستخرج، أو المستورد من الخارج، يذهب إلى محطات توليد الكهرباء والماء، والتحدي الثاني يتمثل في ضعف الاستثمارات الأجنبية الناجم عن عقبات جمة تواجه المستثمر الأجنبي، وهو ما يجعله يعزف عن الاستثمار في الكويت.. أما التحدي الثالث، فيتمثل في القدرة على المنافسة في الأسواق خلال المستقبل، فكافة الأسواق العالمية تنظر إلى السعر التنافسي، في حين نجد أن الكويت أعلى دول الخليج تكلفة في إنتاج البتروكيماويات، إذ تصل التكلفة إلى 5 أضعاف مثيلاتها في بعض الدول الخليجية، ومن هنا، فإن الجزء التنافسي لا تتمتع به الكويت، وكثير من الشركات الكبرى في الخليج أصبحت تركز على أسواق جنوب شرق آسيا، ووضعت مركزا لتخزين وتصدير المواد البتروكيماوية في الصين، في حين أن الشركات الكويتية لا تستطيع فعل ذلك.

المصفاة الرابعة ومشروع الأوليفينات

ووفقا لتقارير سابقة، فإن الفترة الطويلة جدا التي استغرقها الحديث عن المصفاة الرابعة، ومشروع الأوليفينات الثالث، الذي بدأ التفكير فيه منذ أكثر من ثلاثة أعوام مضت، ويعد أحد المشروعات الموضوعة ضمن استراتيجية شركة صناعة الكيماويات البترولية للعام 2030، وكان من المقرر إنجازه في العام 2016، ولكن لمروره ببعض العراقيل أصبح من المتوقع إنجازه في الربع الثاني من العام المالي 2019-2020.. ونظراً لتعطل هذين المشروعين، فقد أثر ذلك في تقييم قطاع البتروكيماويات على المدى الطويل، ولم يشفع للكويت امتلاكها مقومات نجاح هذه الصناعة، وعلى رأسها توافر مصادر النفط التي تجعلها تتمتع بأفضلية، مقارنة بمعظم المنتجين الآسيويين، وفشلت الكويت حتى الآن في استغلال كل طاقاتها لتحقيق تقدم ملموس في صناعة البتروكيماويات، ومن غير المرجح أن ترتفع قدرة الكويت الإنتاجية في مجال البتروكيماويات قبل عام 2019، وذلك حتى يتم الانتهاء من مشاريع بعض التوسعات الحالية، والانتهاء من مشروع الأوليفينات الثالث.

خلط سياسي اقتصادي

ويرى الخبير النفطي حجاج بوخضور، أن «تراجع نسبة الكويت في صناعة البتروكيماويات يرجع إلى جملة من المعوقات، على رأسها إقحام السياسة في المشروعات الاقتصادية، ومنها المشروعات النفطية ومشروعات البتروكيماويات، فكثير من المشروعات النفطية تعطلت، بسبب التدخل السياسي فيها، والمزايدات السياسية، سواء بحق أو من دون حق، وأصبحنا يوما بعد يوم نتأخر عن الركب الخليجي، والإقليمي والعالمي، حتى أن الكثير من الدول التي لا تملك نفس الإمكانيات المتوافرة في الكويت تفوقت علينا بمراحل كثيرة» .

ويضيف بوخضور، أنه «انطلاقا من هذا التناحر السياسي، تراجعت الكويت في صناعة البتروكيماويات، وظلت قابعة في مكانها منذ عقود، ووصلنا إلى هذه الحالة المتردية التي نعيشها الآن»، مبينا أن إلقاء اللوم كله في تراجع الكويت في صناعات البتروكيماويات على نقص الغاز الطبيعي أمر خاطئ وغير صحيح، فكثير من الدول لا تملك أياً من مقومات صناعة البتروكيماويات، ولا تملك مواد أولية من أي نوع، سواء نفط أو غاز طبيعي، ومع ذلك حققت نجاحات كبيرة في هذه الصناعة، وتفوَّقت على الكويت، مؤكدا أن ما يتواجد في الكويت من غاز طبيعي، مدعم بالاستيراد الخارجي، يكفي لأن تنافس الكويت في هذه الصناعة وبقوة، ولكن مشكلتنا تكمن في النهج الذي نسير عليه منذ سنوات.

وشدد بوخضور على أهمية الاستثمار في صناعة البتروكيماويات داخل الكويت، من أجل توطين هذه الصناعة داخل البلاد، ونقل الخبرات الخارجية المتطورة إلى داخل الكويت، والاستفادة منها في صقل الخبرات المحلية، وخلق مزيد من فرص العمل للشباب الكويتي، وتنشيط الاقتصاد المحلي، فهذه الصناعة قادرة على تنشيط العديد من القطاعات الأخرى، مثل قطاع النقل والموانئ، وقطاع الصناعات الصغيرة المرتبطة بصناعة البتروكيماويات.

عشوائية.. ومحسوبية

من جانبه، أكد قيادي سابق في إحدى الشركات النفطية – رفض ذكر اسمه – أن «كل الدولة المصنعة للبتروكيماويات تتقدَّم للأمام، ونحن في الكويت نتراجع للخلف، وهذا مرده إلى أن هذه الدول تطور صناعتها بصفة مستمرة، وبصفة دائمة تضيف وحدات إنتاج جديدة، أو مصانع جديدة تزيد من الإنتاج»، مشيرا إلى أن الكويت لم تواكب التطور المستمر لصناعة البتروكيماويات، وتوقفت عند زمن معيَّن لم تتحرَّك بعده، وحتى التحرُّك الذي كان يحدث في فترات زمنية كان بطيئا، ولا يتناسب مع التطور المتلاحق الذي تحققه الدول الأخرى، يضاف إلى ذلك الواسطة التي سيطرت على القطاع النفطي، والتي أفقدت القطاع الكثير من الكفاءات التي تملك القدرة على التطوير، فخلال نشأة القطاع النفطي كان يتمتع بالكفاءات، ولم يكن هناك مجال للمحسوبية والمجاملات.. لذلك، كانت لنا الريادة والتفوق في هذا القطاع خليجيا».

ويضيف أن «هناك سببا جوهريا لتراجع مساهمة الكويت في هذه الصناعة، وهو عدم وجود خطط واضحة للنهوض بهذه الصناعة وتطويرها، فالكويت لا تملك أي خطط استراتيجية لتطوير هذه الصناعة، وتسير في هذه الصناعة بشكل عشوائي، وهذا ما أوصلنا إلى حالة الفشل التي نعيشها الآن، مستبعدا أن تحقق الكويت مراتب متقدمة في هذه الصناعة في السنوات المقبلة، بل من الممكن أن تتراجع إلى مراتب أكثر تدنٍ من ذلك، وقد تجد الكويت نفسها خارج هذه الصناعة تماما، وحينها لا نملك إلا التغني بالماضي، وأننا كنا أصحاب الريادة والسبق في هذه الصناعة، والكثير من هذه الشعارات الرنانة، فنحن في الوقت الحالي لا نملك إلا الكلام والعيش على الذكريات والأطلال، في حين دول المنطقة ودول الجوار تقفز بخطوات واسعة إلى المستقبل، والتطور في كافة المجالات، وليس صناعة البتروكيماويات فقط».

وتوقع القيادي عزوف غالبية شركات البتروكيماويات العالمية عن الاستثمار في الكويت، وخصوصا بعد إخلالها في عقد الشراكة مع شركة «داو كيميكال» الأميركية، في مشروع «كي داو»، حيث إن هذا المشروع كان من أضخم المشروعات التي ستنفذ في الكويت.. وعلى الرغم من حصول الشركة الأميركية على تعويض كبير من الكويت، فإن هذه القضية خلفت سمعة سيئة عن الكويت عند كثير من الشركات العالمية، وكثير من الشركات العالمية ستفكر ألف مرة قبل التقدُّم لتنفيذ أي مشروع في الكويت»، مؤكدا أن «ما آلت إليه صناعة البتروكيماويات الكويتية خلال السنوات الماضية يشي بأن المستقبل سيكون ضبابيا، وإذ لم نتحرَّك من الغفلة التي نحن عليها الآن، ونبدأ بالاستثمار الجاد في تطوير هذه الصناعة، فإننا خلال سنوات قليلة سنجد أنفسنا خارج منظومة هذه الصناعة».

عدم القدرة على المنافسة

من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة شركة الصناعات الكويتية القابضة، محمد النقي، إن الكويت تراجعت في صناعة البتروكيماويات، لأن الشركات المحلية العاملة في صناعات البتروكيماويات عددها قليل وصغيرة الحجم، باستثناء شركة أو شركتين، ومن ثم لم تستطع المنافسة في ظل المتغيرات الكبيرة المتلاحقة في أسواق الطاقة، يُضاف إلى ذلك عزوف الكثير من الشركات العالمية عن الاستثمار في هذه الصناعة في الكويت، بسبب البيروقراطية التي تسيطر على الإدارة في الكويت، بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تطور إلى هجرة بعض الشركات من الكويت، هربا من المناخ الذي لا يشجع على إقامة صناعة في الكويت، بحثاً عن مناخ أفضل ودعم أفضل للصناعة.

وأوضح النقي أنه ضمن أسباب تراجع الكويت في صناعة البتروكيماويات أيضا، هو تعطل مشروعات كبيرة ومهمة في هذه الصناعة، فتعطل الكثير من هذه المشروعات أثر في مستوى إنتاج الكويت من المواد البتروكيماوية، وأثر في ترتيبها خليجيا. «فكثير من المشروعات لم تخطُ خطوات جادة في تنفيذها، وتعطلت وتوقفت، وبالتالي خسرنا فرصا إضافية لتعزيز هذه الصناعة، في حين أن دول الخليج سارعت إلى تنفيذ هذه المشاريع، لذلك سبقتنا في هذه الصناعة». وبيَّن أن هناك كثيرا من المشاريع المهمة في هذه الصناعة حبيسة الأدراج حتى الآن، على الرغم من أن الكويت تعد أفضل مكان لتوطين هذه الصناعة، فالكويت تمتلك رؤوس الأموال، وتمتلك الفكر المتميز، ولكن عدم اتخاذ القرار المناسب يحول دون تقدم الصناعة بشكل عام. وأضاف «على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي تملكها الكويت، والتي يمكن من خلالها النهوض مجددا بهذه الصناعة، لكنها لم تسعَ إلى توظيف هذه الإمكانيات بالشكل الصحيح، الذي يعيد إليها مكانتها في هذه الصناعة».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.