تقرير شيخة البهاويد:
أعدَّت وزارة العدل المصرية، في ظل حكومة الببلاوي الانتقالية، قانونا ينظم حق التظاهر، وينتظر إصدار مرسوم به من رئيس جمهورية مصر المؤقت المستشار عدلي منصور.
ويهدف القانون، وفق التصريحات الحكومية، إلى تنظيم هذا الحق كأي دولة ديمقراطية، ومن أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، وخاصة في الوضع الأمني الحالي المنفلت، والذي اتسم بعدم الانضباط منذ ثورة يناير، واشتد بعد إزاحة حكم الإخوان في 3 يوليو، كما وصفته التصريحات الحكومية وبعض القضاة، بأنه قانون يضمن حرية التعبير عن الرأي بشكل سلمي، كما يضمن سلامة المتظاهرين والمواطنين ممن لا شأن لهم بالتظاهر، ويضع ارتكاب الجرائم او تعطيل مصالح المواطنين تحت طائلة التأثيم والعقاب.
وبررت بعض الجهات بأن التشديد في العقوبات الواردة في القانون جاء لحاجة ماسة، من أجل حماية الاقتصاد القومي من التدمير، لأن حق التظاهر، كما تم وصفه، استعمل بالفوضى وتعطيل الحياة الاقتصادية والمرور ومصالح المواطنين والتأثير في مصادر الدخل.
أهم النصوص المثيرة للجدل
يأتي القانون في 21 مادة تحت مسمى «الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية في الأماكن العامة»، وبينما تتالت المواد في تعريف الاجتماعات والمواكب وحظر الأسلحة والأقنعة والمواد المدمرة، كانت المادة السادسة نظمت التجمُّعات بإخطار مركز الشرطة كتابيا قبل 24 ساعة من التجمُّع، كما نظم القانون في مواده تأمين المتظاهرين، والتعامل معهم في حال خروجهم عن السلمية.
ما يُثير الجدل في القانون هو مواد حظرت الاعتصام نهائيا، ومنعت الاقتراب 50 أو 100 متر من مقار الرئاسة والبرلمان والحكومة والشرطة.
كما أجاز القانون لـ«الداخلية» إلغاء التظاهرة، مع إمكانية التظلم من ذلك، بالإضافة لمنح مساحة محددة العدد للتظاهر من دون اخطار بكل محافظة، بالإضافة إلى انه سنّ على ان الهراوات هي أقصى اساليب فض التظاهرة، الا في حالة الدفاع عن النفس والممتلكات العامة فيجيز استخدام القوة.
وكانت العقوبات بالحبس تصل لـ15 عاما والغرامة إلى 300 ألف جنيه للمخالفين.
قبول ورفض سياسي
انبرت بعض القوى السياسية الثورية والشبابية لهذا القانون، رافضة العقوبات التي يفرضها، وطالبوا بإلغاء الحبس والاكتفاء بالغرامة، ورأت هذه القوى أن قانون الطوارئ المفروض الآن كاف لتهدئة الأمور في الدولة من دون اللجوء لفرض قانون معيب وفق رأيها يقيد الحريات ويمنع الاعتصامات، كما وصفه رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاء الدين شعبان بالمعيب، لمشابهته للقانون الذي كانت ستقره جماعة الإخوان قبل حل مجلس الشعب، ورفض شعبان هذا القانون، لمساواته بين المخربين والثوار الحقيقيين، ومصادرته لحق الشعب في التظاهر السلمي المكتسب من ثورتي 25 يناير و30 يونيو.
أما التيارات الاسلامية، فبعضها ذهب إلى انه قرار منفرد لم يطرح للحوار، وهذا سبب رفضها له، فيما بررت جماعة الإخوان المسلمين رفضها للقانون بأنه صادر عن حكومة انقلابية لا شرعية لها، فلا يعترفون بقوانينها.
هذا، وذهب بعض السياسيين للمطالبة بإنهاء حالة الطوارئ في الدولة، واستبدالها بهذا القانون، مع تخفيض العقوبة، وإضافة بند يكون ضامنا للأخطار، بحيث لا يتم الامتناع عن تسلمه من جانب «الداخلية»، ويكون ذريعة يتم من خلالها منع التظاهرات، واقترحت جبهة الانقاذ الوطني ان يتم إخطار رئيس الوزراء بدلا من وزير الداخلية.
بينما راح بعض السياسيين يشيدون بحزم القانون، ويطالبون بتطبيقه، امثال رئيس وزراء مصر الاسبق د.عبدالعزيز حجازي.
احتجاجات في الشارع
شعبيا، نزلت بعض القوى السياسية والشبابية والاسلامية ايضا، بالاضافة إلى جماعة الاخوان المسلمين، إلى الشوارع، في احتجاجات بأماكن وأوقات متفرقة، رافضين من خلالها قانون التظاهر، الذي وصفوه بالقامع والسالب لحق التظاهر السلمي المكتسب من بعد ثورة يناير.
رأي «حقوق الانسان»
من جهتها، أعربت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على موقعها الإلكتروني بالشبكة العنكبوتية عن بالغ قلقها من قانون التظاهر المثير للجدل، الذي سيتم إصدارة بمصر، ووصفته بالقانون الذي يرجع الأمور إلى ما قبل ثورة يناير. وأكدت أنه يهدف إلى تقييد الحق في التظاهر، ويصل إلى حد المصادرة، وخاصة أنه لم يضع شروطا وأسبابا لا تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لتقييد هذا الحق، طالما أنه كان تعبيرا عن الرأي، وبشكل سلمي، ومن دون استخدام عنف أو اعتداء على الممتلكات. وشددت على أن الحق في التظاهر كفلتة القوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كما فرضت حماية على حرية الرأي و التعبير، واعتبرتها مصونة ومحمية.
وقد عكف الباحثون بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان على دراسة مشروع القانون المقدمة من الحكومة، حيث توصلوا للآتي:
– يجب أن يكون تعريف التظاهر بأنه ممارسة لحرية التعبير عن الرأي جماعية، وهي حقوق لا يرد عليها أي قيود إلا تلك المتعلقة بحماية حقوق الآخرين.
– ضرورة النص على أن التظاهرات والتجمُّعات الانتخابية مباحة، ولا تحتاج لإذن مسبق.
– القانون وهو ينظم حق التظاهر لا يجب أن يتضمَّن النصوص المنصوص عليها في قانون العقوبات، وخاصة المتعلقة بقطع الطرق، أو التعدي على المصالح العامة أو الخاصة والمنصوص عليها في المادة 162 من قانون العقوبات التي تقتضي التشديد في العقوبة.
وانتقدت المنظمة تحديد القانون طرق فض التظاهرات بشكل تدريجي، إذ يبدأ الفض بتوجيه إنذار شفهي، يليه استخدام المياه المندفعة، ثم الغازات المسيلة للدموع، وأخيراً الهراوات. ويمنع على قوى الأمن استعمال قوة أكثر من ذلك، إلا في ما أسماه «حالات الدفاع الشرعي عن النفس».
وتشير المنظمة إلى أن العقوبات الواردة في مشروع القانون مغلظة، ولا تتناسب مع مخالفات التظاهر. كذلك، فإن «مشروع القانون يجرم الاعتصام، الذي يُعدّ جزءاً أصيلاً من عملية التظاهر، في حال عدم تحقيق التظاهرات للهدف منها».
ويحق لأجهزة الأمن اللجوء إلى القضاء لإيقاف التظاهرة قبل أن تبدأ، وكل ذلك يُعدّ تقييداً لحق التظاهر، وليس تنظيماً له.
رأي «العفو الدولية»
أما منظمة العفو الدولية، فقد أعربت عن قلقها حول هذا القانون الذي وصفته بالسافك للدماء، وبينت أن «السلطات المصرية تجاهلت الدروس المستفادة من حملاتها السابقة، والتي خلفت مئات القتلى، وأنه بدلاً من اتخاذ خطوات لازمة على وجه السرعة، لكبح جماح قوات الأمن، فقد اقترحت قانونا يعامل المحتجين السلميين، وكأنهم مجرمين، ويعطي قوات الأمن سلطات جديدة لسحقهم، إضافة إلى أنه يرسخ أحكاما مسيئة موجودة بالفعل في القانون المصري.
وأكدت المنظمة في تقريرها، أنه «بموجب القانون الدولي، فإن مصر يجب أن تتمسك بالمعايير الدولية في الحق في حرية التجمع، وأن قوات الأمن يجب ألا تستخدم القوة المميتة إلا عندما لا تكون هناك بدائل أخرى لحماية حياة المواطنين، أو منع حدوث إصابات خطيرة، إضافة إلى معايير الأمم المتحدة أيضا، عند تفريق التجمُّعات غير المشروعة وغير العنيفة، وأنه ينبغي على قوات الأمن تجنب استخدام القوة أو استخدام فقط الحد الأدنى الضروري منها.
وبموجب مشروع القانون، فإن منظمي الاحتجاجات والتظاهرات سيواجهون مجموعة من العقبات البيروقراطية الجديدة، حيث سيتطلب تنظيم التظاهرة حصول الأمن على صلاحيات واسعة لعدم السماح لأي احتجاجات مزمعة لأسباب مبهمة، مثل «الأمن أو النظام العام» أو «إعاقة مصالح المواطنين» أو «تعطيل حركة المرور»، بشكل تعسفي، وفق المنظمة.
وأوضحت المنظمة أنه بموجب القانون، فإن «أي شخص يثبت أنه خرق القانون، مثل تنظيم احتجاج بعد وقت الإخطار، فإنه يواجه دفع غرامة تصل إلى 100 ألف جنيه، وحكما بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، وفي حالات أخرى، ينص القانون على فرض غرامات تصل إلى 300 ألف جنيه وأحكام بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما، وحثت المنظمة الرئيس المؤقت عدلي منصور على عدم التوقيع على قانون التظاهر، لأنه «لا يلبي المعايير الدولية، كما حثت على إلغاء مشروع القانون أو إرساله مرة أخرى للمشرعين».