كتب محرر الشؤون المحلية:
كما هو الوضع في حلبة الملاكمة عندما يُلقي أحد المدربين الفوطة البيضاء، طالباً توقف صراع الملاكمة، بعد أن تردَّى وضع الملاكم وأصبح فريسة أمام خصمه يكيل إليه الضربات ويتلقاها وقد تسيل منه الدماء، ويعرف المدرب أنه لا أمل من استمرار اللعب، وعليه المحافظة على لاعبه من توالي ضربات خصمه عليه.. هنا تسمى الضربة القاضية، ويعلن الانتصار للاعب الآخر.
ضربة الجزاف القاضية
وهكذا، كانت الضربة القاضية ذاتها التي أعلنها المدير العام للهيئة العامة للشباب والرياضة، اللواء المتقاعد فيصل الجزاف، الأسبوع الماضي، عندما أعلن عن تكليف معهد الكويت للأبحاث العلمية عن متابعة أعمال استاد جابر، بعدما أعدَّت الهيئة تقريرا، يفيد بوجود تشققات هندسية في بعض أعمدة استاد جابر.
وأضاف أن هذا الأمر لا يدخل ضمن أعمال الهيئة العامة للرياضة، وأنها غير مسؤولة عنه، وقد اجتمعت أخيراً لجنة مكونة من ثلاث جهات، خلاف الهيئة، وهي وزارة الأشغال العامة ومعهد الأبحاث العلمية، إضافة إلى الهيئة، وقررت اللجنة تأجيل استخدام الملعب حتى تتم معالجة هذه الأمور الهندسية.
وأضاف اللواء الجزاف أن قرار افتتاح واستخدام الاستاد لم يعد بيد هيئة الشباب، إلا بعد صدور التقرير النهائي من معهد الأبحاث الذي سيقدم لمجلس الوزراء.. وهنا يعني في تصريحه أنه أخلى مسؤوليته من أي نتائج قد تحتوي على عيوب جسيمة في الاستاد تحول دون استخدامه.. فهو لم يذكر وزير الإعلام والشباب والرياضة، بل ذهب إلى أعلى من هذا المستوى الوزاري، ووضع الأمر برمته لدى مجلس الوزراء، ويشير ذلك إلى أمر قد يكون خطيراً، بمعنى الكلفة الكبيرة لمعالجة تلك التشققات.. كانت هذه آخر حلقات مسلسل استاد جابر.. مسلسل طويل مليء بالعجائب والحكايات، ولا قصص ألف ليلة وليلة.. وهكذا، رمى اللواء الجزاف الفوطة البيضاء على ملعب جابر، مستعيناً فنياً بمعهد الأبحاث العلمية، ومالياً بمجلس الوزراء برمته، ولسان حاله يقول «لا تعطوا الهيئة مشروعاً مليئاً بالأخطاء والمشاكل».
ولو تم تتبع هذا المسلسل الطويل، لوجدنا العديد من التصريحات، بدءاً من أول يوم، والتوقيع على عقد إنشاء الاستاد الذي كان يُقال عنه إنه مفخرة رياضية، ليس على المستوى المحلي، بل الإقليمي، وانتهاء بتصريح اللواء الجزاف، وجميعها تصب في مسلسل هذا الاستاد، الذي يرتع بكل أنواع الفساد المستشري في هذا البلد، من دون حسيب، على الرغم من وجود قدر، ولو كان ضئيلاً، من «الرقيب».
تصريحات متضاربة
عودة موجزة للوراء، لنجد المهندس في وزارة الأشغال نبيل مكي، القائم بأعمال مهندسي مشروع استاد جابر، يصرح في 2008/8/9، لوكالة الأنباء الكويتية، وينفي «وجود أي عيوب أو أخطاء في عملية بناء مشروع استاد جابر الرياضي، وأن جميع الأمور تسير وفق جدول زمني ينتهي بتسليم المشروع للهيئة العامة للشباب في آخر عام 2008».
وأضاف «أن ما يتردد عن وجود أخطاء في بناء الاستاد أو وجود هبوط أو أن المدرجات لا تتحمَّل الجماهير لا أساس لها من الصحة».
هذا ما ورد على لسان مدير المشروع منذ خمس سنوات، وعادة ما يكون مدير المشروع، أو هكذا يفترض، أن يلمّ بكل الجوانب الهندسية والإنشائية ليأتي كلامه «مسمار بلوح» كما يُقال، ولا يتحدَّث بعبارات إنشائية لا تغني ولا تسمن من جوع.
ولم ينحصر الوضع بمهندس المشروع، فهذا مدير الهيئة، وبجانبه وزير الأشغال العامة السابق أيضا الدكتور المهندس فاضل صفر، وبعد افتتاح رمزي للاستاد ورقصات شعبية من بعض الفرق الموسيقية وأطفال صغار أتوا بهم من مدارسهم، ووسط موسيقى وطنية، يصرّح اللواء الجزاف عن استكمال إنجاز الاستاد بالصوت والصورة لتلفزيون الكويت الرسمي أيضا بأن الهيئة تسلمت استاد جابر، وأعلن في مقابلته هذه عن قرب استخدام الاستاد، ولم يحدد موعداً بعينه، فتحتاج هذه العملية قدراً من الوقت.. والقدر من الوقت دام أربع سنوات منذ تاريخ المقابلة التلفزيونية بعد انتهاء الحفل المبسط للصرح الرياضي الكبير!
ملاحظات ديوان المحاسبة
لا أحد يعلم ماذا يدور وراء هذه التصريحات العديدة والمتضاربة المتعلقة بهذا المشروع، وهذا ما قاد مجلس الأمة في جلسته بتاريخ 2010/4/13، إلى إحالة موضوع استاد جابر إلى ديوان المحاسبة، وتم تكليف الديوان إعداد تقرير عن هذا المشروع، وذلك بعد تزايد الحديث عنه والأخبار التي تحيط به.. والتصريحات المتضاربة المتعلقة بانتهاء الأعمال في الاستاد ومواعيد افتتاحه رسمياً من موعد لآخر، علماً بأن ديوان المحاسبة أصدر تقريراً عن مشروع الاستاد في تقريره السنوي عن عامي 2008 – 2009، بيَّن فيه ملاحظات عدة، أبرزها القصور في المخططات التصميمية في المشروع، وكثرة الأوامر التغييرية وبعضها تم تنفيده من اتباع الإجراءات القانونية اللازمة، كالأمر التغييري رقم 13 الذي كلف 465 ألف دينار من دون الحصول على الموافقة المسبقة من ديوان المحاسبة.. والأوامر التغييرية كانت أهم الاستنتاجات التي خرج بها الديوان، ويعني ذلك مزيداً من الكلفة المالية على العقد الأصلي للمشروع، فلا بأس أن يأتي أمر تغييري بسيط، أما تكاثرها بالشكل الذي صاحب المشروع، ففي ذلك علامات استفهام عدة، وعلى سبيل المثال جرى أمر تغييري بتحويل غرف الحمامات من النظام العربي إلى النظام الافرنجي، وهذا يعني تعديل في مواسير المجاري عند تغيير هذا النظام، فمن المصمم؟ وما الجهة التي أجازت أن تكون الحمامات بالنظام العربي في التصاميم، ومن ثم تعديلها إلى النظام الافرنجي؟
أما من الناحية الإنشائية، فإن المدرجات الخلفية ذات قائمة منحدرة، وقد يؤدي ذلك إلى سقوط الجمهور في المدرجات العليا، ويصعب معالجة هذا الأمر جراء وضع الخرسانة الاسمنتية للأعمدة، وفي حال تصليحها، فإن الكلفة ستكون عالية جدا، وتم الاستعاضة عن ذلك بوضع أسوار حديدية أمام تلك المدرجات، لمنع السقوط أو تحاشيه.. كما أشار الديوان ضمن ملاحظاته إلى الهبوط الجزئي في مدرجات الملعب، بسبب أخطاء وإهمال الشركة المنفذة.. هكذا كان تقرير ديوان المحاسبة، الذي أتى خلاف ما صرَّح به مدير المشروع مهندس الأشغال العامة السيد مكي.. ومن بعد التصريحات التي أدلى بها اللواء الجزاف عن شبه جاهزية الاستاد في تصريحه في عام 2009.
العساني يسأل.. ولا مجيب
وتمضي الأمور من دون تحسُّن، وتبقى مواعيد افتتاحه كـ«مواعيد عرقوب»، لنصل إلى هذا العام من دون تقدُّم أو إنجاز عدا إنجاز المشاكل المتكاثرة التي أحاطت بالاستاد الرياضي والصرح العظيم الذي لا نهاية لإنجازه، وهنا نتطرَّق إلى السؤال الذي وجهه النائب رياض العدساني والموجه لوزير الإعلام وزير الشباب، وهو له يد وممارسة في المجال الرياضي، وغير بعيد عن أمورها وخفاياها.
فقد أشار العدساني إلى الكتاب الذي وجهته هيئة الشباب والرياضة إلى وكيل وزارة الأشغال العامة، وبعد الكشف الدوري على الاستاد تبيَّن وجود شرخ قرب فاصل التمدد على المحور رقم 17 والمحور رقم 23، كما أنه تم تخصص مبلغ مليون وسبعمائة وخمسين ألف دينار يمثل عقد إدارة وتشغيل وصيانة استاد جابر، ولا توجد أي تفاصيل لهذا المبلغ المرصود، كما لا توجد أي تفاصيل عن مبلغ آخر مرصود أيضا بواقع مليون ونصف المليون دينار، لإجراء تعديلات على الاستاد، كما أشار العدساني في سؤاله الذي قدَّمه في شهر أغسطس الماضي عن سوء حالة الملعب الرئيسي، بسبب وجود ارتفاعات وانخفاضات بالأرضية، وارتفاع مواسير المرشات الخاصة بالزراعة في الملعب، مع انتشار تسرُّب الماء من المواسير في أماكن عدة من الاستاد، مع سوء حالة جميع المرافق والأنظمة والأجهزة مع انقطاع مستمر للتيار الكهربائي وسوء تنفيذ أجهزة التكييف مع أعطال في الأنظمة الصوتية، وأعطال أخرى في لوحات النتائج الرئيسة وسوء حالة البوابات الرئيسة.. وسؤال العدساني شمل كل شيء في هذا الاستاد، الذي دام تنفيذه طوال تلك السنوات، بحيث يتصور الناس بأنه لا يوجد أي أمر صالح فيه فكل أموره «مكركبة».
ولم تأتِ الإجابة بعد عن سؤال النائب العدساني، وتكفي حالة الاستسلام التي أعلنها اللواء الجزاف، برفضه أن يكون سوء التنفيذ والتجاوزات التي أحاطت بهذا المشروع في رقبته، لذا حوَّل الأمر إلى جهة فنية، ممثلة بمعهد الأبحاث العلمية، وأخرى مالية، برفع الأمر إلى مجلس الوزراء، ولسان حاله يقول «لا تبلشوني في هذا المشروع».
والطريف في الأمر، أنه في شهر سبتمبر الماضي، وبتاريخ 15 سبتمبر، تحديداً، تم التمديد للشركة التي تعنى بنظافة الاستاد بعقد سنوي يبلغ 268 ألف دينار، وكأن الاستاد يعمل وبأحسن حال ولا ينقصه إلا التنظيف.
هذه عينة من الحالة العبثية التي تمارسها الدولة على مشاريعها، ومن دون خجل مع حواريهم متعددي الأشكال والأنواع يتحدثون عن الإصلاح والتنمية من دون خجل أو قدر من احمرار الوجه.. عين قوية، فأمام ناظريهم تبرز المفاسد وهدر المال، وكأن الأمر لا يعنيهم، ولا ينقطعون عن ترديد الإصلاح، حتى «قرفوا عيشتنا» بهذه الكلمات الساذجة.
فأولى درجات الإصلاح، هي الشفافية وعدم تكتيم الأمور أو إخفائها لصالح هذا النافذ أو المتنفذ.. وأولى درجات الإصلاح المحاسبة على التجاوزات وهدر المال العام.. وحكومة لا تنزعج من دفع مليارين ومائتي مليون دولار كغرامة لصالح الشركة الأميركية «داو كيميكال»، كيف لها أن تهتم لهدر قدر من الملايين لصالح هذا الطرف أو ذلك من دون مساءلة أو محاسبة أو حتى زعل منه.. فلاتزال الابتسامات مرسومة، والتهليل مستمراً، والأحضان متشابكة، ترحيباً وتهليلاً، ما دامت دولة الرفاه لهم، يستنزفون ما يشاؤون من دون حساب من أموال الوطن.
وحتى يأتي الرد الفني النهائي من معهد الأبحاث، وما سيقرره مجلس الوزراء بعد ذلك، فابشر بطول سلامة يا استاد جابر، وربما غيرها من المشاريع.. «ويا قلب لا تحزن»، فإننا في دولة الرفاه.. قولوا آمين!
ملاحظة: يتزامن نشر هذا الموضوع مع تقديم النائب رياض العدساني استجواباً لرئيس مجلس الوزراء، وكان أحد محاوره ما يتعلق بالفساد في استاد جابر.