قراءة: هدى أشكناني
«الوحدة تدلل ضحاياها».. هكذا جاء عنوان الكتاب الأول للشاعر والكاتب السوري دارا عبدالله، الصادر عن دار مسعى للنشر والتوزيع 2013، حيث قدَّم تجربة حقيقية عايشها منذ اندلاع الثورة في سوريا، ما ترتب عنها اعتقاله، بعد نشر مجموعة من المقالات المناهضة للحكم والظلم الواقع هناك.
في كتابه البكر، اختصر دارا إنسانية الوضع السوري، وأودعها على هيئة نصوص تأملية لا تتجاوز 78 نصاً، تم توزيعها في 71 صفحة من القطع المتوسط.
يبدأ منطق التأمل في الكتاب، بدءاً من لوحة الغلاف، وهي للشاعر منذر المصري، مرورا بالإهداء والنصوص تباعاً.
في نص «تساؤلات» يتلمس القارئ الوجع الذي يعيشه الجميع وهم تحت رحمة القاتل والقتل:
ـ أيهما أصعب: يقتلك ويترك الجميع، أم يقتل الجميع ويتركك؟
ـ ما فائدة الأحلام لشخص يعاني الأرق؟
ـ ما عواطف الحيوان قبل الذبح؟
يصف دارا الحياة الروتينية الموحشة، والتي أشبه بـ«كابوس» كما يقول:
«الكابوس المتكرر اليومي، رجل أمن يلاحقك، في الحلم أنت تعرف أنك تحلم، رغم ذلك أنت خائف، أنت خائف من أن يكون هذا الكابوس واقعاً لشخص آخر، ألم يكن اعتقالك كابوساً لشخص مجهول؟! الكوابيس هي البرهان الوحيد على وجود الجحيم».
كيف يمكن أن يكون الضوء مصدرا للتعذيب؟ يعدد دارا عبدالله الأماكن الأساسية التي لا تنقطع بها الكهرباء في دمشق ومن دون ذلك تعاسة:
«خمسة أمكنة متشابهة لا تنقطع عنها الكهرباء في دمشق، المدارس والسجون والمشافي والثكنات العسكرية والمدينة الجامعية، العتمة تبعثر التعاسة، والضوء يجعلك الشاهد الوحيد».
قدم دارا عبدالله في نصوصه توليفة دسمة لإنسانية مشروخة، حاول بثها لمن يحمل ضميرا حيا، يعي ما يحدث حوله وكأنه بصمته شريك في اقتلاع الحرية، كما يقول دوستفسكي: «ليس أثقل على الإنسان من حمل الحرية، وليس أسعد منه حين يخف عنه محملها، وينقاد طائعا لمن يسلبه الحرية ويوهمه في الوقت نفسه أنه أطلقها له».