
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
ثارت خلال الفترة الماضية مخاوف من حدوث فقاعة عقارية في الكويت، مثل التي شهدتها إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، في العام 2009، بعد وصول أسعار الأراضي والعقارات في مختلف القطاعات، ومختلف المناطق إلى أرقام خالية، تجاوزت المستويات التي سجلت قبل اندلاع الأزمة المالية العالمية في العام 2008.
وإذا كان البعض لديه تخوُّفات من حدوث هذه الفقاعة، التي قد تؤدي في النهاية إلى انهيار قطاع العقار، وخلق أزمة اقتصادية في البلاد، فإن هذه المخاوف تزداد بشدة عند المعنيين بالشأن الاقتصادي، عموما، والمعنيين بالقطاع العقاري على وجه الخصوص، لإدراكهم بخطورة حدوث مثل هذا الأمر، ولإدراكهم الاختلاف الكبير والواضح بين اقتصاد دبي والاقتصاد الكويتي، فإمارة دبي عندما حدث بها الانهيار العقاري الذي أدَّى إلى حدوث أزمة اقتصادية، وأزمة ديون دبي الشهيرة، لم تستغرق وقتا طويلا في تعديل أوضاعها، والخروج من هذه الأزمة في وقت أقل كثيراً مما توقعه أكثر المحللين تفاؤلاً، وتمكنت دبي من التعامل مع أزمة الديون مستندة إلى قوة قطاعاتها الاقتصادية الأخرى، مثل قطاع التجارة والسياحة والنقل، وساهم أيضا في سرعة تعافي الإمارة من هذه الأزمة التخطيط الجيد، والاستمرار في تنفيذ الخطط التنموية التي بدأتها دبي، وبالتالي الحفاظ على معدلات الانفاق الاستثماري، وهو ما شجع الكثير من الشركات والمستثمرين على الاستمرار في الاستثمار في دبي، وهذه العوامل كلها السابق ذكرها لا تتوافر في الكويت، فالوضع في الكويت مختلف تماما، نظراً لسوء التخطيط والتردي الاقتصادي الذي تعانيه الكويت، لذلك فإن حدوث انهيار في القطاع العقاري، قد يجر معه انهيار في قطاعات اقتصادية أخرى، وهذا ما يجعل الأمر مخيفا.
وقد يحتاج قطاع العقار إذا حدث به انهيار إلى عشرات السنين، حتى يخرج من كبوته، فالإصلاح عندنا يسير ببطء لا نظير له في أي دولة في العالم، ولا أدلّ على ذلك من تدهور قطاع الشركات الاستثمارية، تأثرا بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وانهيار كثير من شركات هذا القطاع، وإفلاس عدد أكبر، وعدم تعافي الكثير من هذه الشركات حتى وقتنا هذا، رغم مرور أكثر من 6 سنوات على الأزمة المالية، ورغم أن الكويت لم تكن في بؤرة أحدث هذه الأزمة، وقد تحتاج هذه الشركات إلى سنوات لا تقل عن السنوات الـ 6 التي مضت، حتى تتعافى من أزمتها.
تحذيرات.. ولا آذان صاغية
شهدت الفترة الماضية، وتحديداً منذ منتصف العام الماضي، تحذيرات من معنيين بالشأن العقاري، احتمال تعرض سوق العقار لأزمة حقيقة، كتلك التي ضربت دبي في أعقاب الأزمة الاقتصادية في 2008، سواء في مجال العقار التجاري، مع ظهور عدد كبير جدا من أبراج المكاتب التجارية، ولايزال على لائحة خطط البناء عدد كبير أيضا من هذه الأبراج، أو في مجال العقاري الاستثماري، مع وصول أسعار العقارات الاستثمارية إلى مستويات مبالغ فيها جدا، في ظل الارتفاع الكبير جدا في ايجارات شقق هذه العقارات، فحالة الانتعاش هذه، والارتفاع السريع في الطلب والزيادة في الأسعار تزيد التخوف من تشكل فقاعة عقارية.
والمؤكد أن الإفراط في عمليات بناء الأبراج التجارية التي تشهدها أكثر من منطقة حاليا، ولم تقف عند العاصمة فقط، سيؤدي إلى نتائج مؤلمة، مثل زيادة المعروض من المساحات المكتبية، مقابل انخفاض أسعارها نتيجة الطلب المتوسط، وهناك تخوفات أنه مع حلول العام 2017، فإن عدد الأبراج التجارية في الكويت قد يتضاعف، وتبلغ ضعف إجمالي مساحة المبان التجارية الموجودة حالياً. والإفراط في عمليات البناء سيؤدي إلى نتائج مؤلمة، مثل زيادة المعروض من المساحات المكتبية، مقابل انخفاض في أسعارها نتيجة الطلب المتوسط، كما سيؤدي إلى إهدار موارد الأراضي الاستراتيجية، وعجز المقترضين عن سداد ديونهم، إذ إن كثيرا من الأبراج منذ تشييدها مازالت فارغة، ولا يجد ملاكها أي عوائد مالية لتسديد ما اقترضوه من أجل بناء هذه الأبراج.
ومن المؤكد أيضا أنه في حال حدوث أزمة في العقار التجاري، وإذا تضرر سوق مبيعات وإيجارات المكاتب التجارية، فإن الأمر سيطول العقار الاستثماري والسكني، فقطاع العقار مرتبط ببعضه البعض، وعندما حدثت أزمة العقار في دبي أصابت كافة قطاعاته، وكذا الحال ستكون بالنسبة للكويت.
نسب اشغال جيدة
على الرغم من نسبة الاشغال الجيدة التي سجلها قطاع العقار في الكويت، وخصوصا في القطاعين التجاري والاستثماري، حيث ارتفعت نسبة الاشغال في الأبراج التجارية في الكويت من نسبة 50 في المائة في العام 2011، إلى نحو 69 في المائة، خلال 2013، محققة ارتفاعا جيدا، بعد أعوام من الركود وغياب المستأجرين، وبعد ان كانت هذه الأبراج شبه فارغة في مطلع العام 2009، وما تلاه من أعوام، فإن نسبة الشاغر من هذه الأبراج، والتي تصل إلى 31 في المائة، تعد نسبة كبيرة، وخصوصا أنه كل عام تدخل عشرات الأبراج الجديدة إلى السوق العقاري، وهو ما ينذر بزيادة كبيرة في المعروض تعجل بحدوث الانهيار العقاري، وحدوث أزمة اقتصادية، في ظل عجز الشركات والملاك عن سداد قروض بناء هذه الأبراج.
الأمر الآخر الذي يزيد القلق من حدوث انهيار عقاري، هو المضاربات، حيث إن هذه المضاربات دفعت بأسعار العقارات، وخصوصا في العاصمة، إلى مستويات قياسية، وقد زادت هذه المضاربات بشكل كبير، بعد أن بدأت انفراجات في عمليات التمويل، مع حالة الانتعاش التي تشهدها البنوك، وهذا شجع على المضاربات مدفوعة من الاقتراض السهل، ومن ثم اشتعلت أسعار العقارات، ومع التوقعات أن تستمر هذه الأسعار في الارتفاع في شكل سريع، حتى نهاية العام الحالي، فإن الأمر سيزداد خطورة في الفترة المقبلة، ويتطلب التحذير من الإنجرار بقوة وراء مؤشرات الانتعاش هذه، من دون التفكير والتخوف من انفجار هذه الفقاعة.
الأسعار.. ارتفاع مستمر
وصلت أسعار شراء الأراضي والأبراج إلى أرقام قياسية، ولم يعد هناك مجال لتراجعها، بل أصبحت كل يوم في زيادة مستمرة، ووفق ما يتم الإعلان عنه من صفقات عقارية، وما يطرح من أسعار، بلغ سعر متر الأرض الفضاء في بعض مناطق العاصمة نحو 8 آلاف دينار، في حين بلغ سعر المتر في شارع فهد السالم نحو 12 ألف دينار، وعرضت إحدى الشركات قطعة أرض بمساحة 3600 متر مربع بمبلغ 42 مليون دينار، ونفس هذه المستويات من الأسعار كانت قد تحققت قبل اندلاع الأزمة المالية، إلا أنها تراجعت بعد ذلك، متأثرة بالركود الذي شهده قطاع العقار التجاري في العاصمة، لتحقق أدنى مستوى عند 5 آلاف دينار للمتر المربع، في حين بلغ متوسط سعر المتر في السالمية حاليا نحو 2000 دينار، وفي بعض المناطق تجاوز هذا الرقم بكثير.
وهذا يُعد مؤشرا لارتفاع أسعار الأراضي مجددا في الكويت، واستعادتها أسعار ما قبل الأزمة المالية العالمية، بل تفوقت عليها، وعادت الصفقات التجارية من جديد إلى شوارع العاصمة، محققة نموا غير مسبوق في سعر المتر، بغرض تطوير هذه الأراضي كمجمعات تجارية.
والتخوف في ظل هذه الأسعار المرتفعة جدا، أن ينهار القطاع مع حدوث أي هزة اقتصادية جديدة، في ظل اقتصاد عالمي مازال يترنح، ولم يصل إلى مرحلة النمو القوي بعد، التي تبعث على الاطمئنان على مستقبل هذا الاقتصاد، وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون السيادية الأميركية والأوروبية قد ولّت.
العقار الاستثماري
وعلى مستوى قطاع العقار الاستثماري، وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد العقار التجاري في التأثر بحدوث أي هزة اقتصادية، فإن الكويت تشهد طفرة عقارية استثمارية لم تعرفها من قبل، من حيث ارتفاع بناء العقارات الاستثمارية، ولاسيما مع تدفق آلاف الوافدين ممن تعاني بلادهم عدم الاستقرار السياسي، وأيضا ارتفاع أعداد القادمين لزيارة عائلاتهم من هذه البلدان، وهو ما أدَّى إلى ارتفاع كبير في الطلب على الشقق السكنية، ومن ثم العقارات الاستثمارية، وقد صاحب ذلك ارتفاع كبير في الإيجارات في مختلف مناطق الكويت، وكذلك ارتفاع ملحوظ في أسعار الأراضي التي تتنافس على شرائها شركات الإسكان والتطوير العقاري، والمستثمرين الأفراد.
وتعود ظاهرة ارتفاع أسعار العقارات الاستثمارية إلى جملة من العوامل، منها: ارتفاع قيمة الإيجارات، وقلة المعروض من الأراضي، وارتفاع أسعارها.. فوفقا للإحصائيات فإن الكويت الدولة الوحيدة بالعالم التي شهدت ارتفاعا في قيمة الأراضي يصل إلى 4 أضعاف قيمة تكلفة البناء لتلك الأراضي، وهذا انعكس على أسعار العقارات، بكافة انواعها، يضاف إلى ذلك قلة المعروض من الوحدات السكنية، مقابل ارتفاع الطلب على السكن، وكذلك تدني العائد على الودائع لدى البنوك، مقارنة بالعوائد المحققة من الاستثمار العقاري، فالعقار في نظر الكثير من الأفراد سيظل دائما الملاذ الآمن للاستثمار، والذي يحقق عوائد مرتفعة من دون مخاطر كبيرة، كالاستثمار في البورصة على سبيل المثال، هذا بالإضافة إلى انخفاض ثقة المستثمرين الكويتيين في الاستثمار الخارجي، وخاصة بعد الأزمة المالية التي فرضت على غالبية المستثمرين الاتجاه إلى الاستثمار الآمن في الداخل وهو العقار.