مع انطلاق الأزمة المالية العالمية في صيف العام 2008، واستمرار تداعياتها لفترة زمنية أكثر مما توقع كثير من الخبراء، اتخذ أكثر من بنك عالمي قرارات كانت صعبة في ذلك الوقت، ولكنها كانت حتمية، بتقليل حجم أعمالها في الوحدات المصرفية التابعة لها في بلدان الشرق الأوسط، وهذا الأمر ترتب عليه بطبيعة الحال تقليل أعداد موظفي هذه البنوك بمنطقة الشرق الأوسط، معلنة في ذلك الوقت أنه بعد انتهاء هذه الأزمة، ستعود هذه الوحدات المصرفية إلى العمل، بكامل طاقتها، كما كانت من قبل، ولكن مرّ أكثر من 5 سنوات، ولم ترجع الأمور كما كانت عليه قبل الأزمة المالية،
بل على العكس ظهرت أسباب جديدة على رأسها أزمة منطقة اليورو التي دفعت بدورها هذه البنوك إلى تقليل حجم أعمالها أكثر فأكثر، حتى وصل الأمر إلى إغلاق كامل لبعض هذه الوحدات ترشيدا للإنفاق، وخصوصا بعد إعلان أكثر من بنك أميركي وأوروبي عن إفلاسه خلال فترة الأزمة وما بعدها.
وعلى مدار الأعوام الماضية، أعلنت بنوك أميركية وأوروبية كبرى خفض أعداد موظفيها في الوحدات المصرفية الاستثمارية بالشرق الأوسط، بسبب قلة الفرص الاستثمارية ورغبة في تقليص المصروفات، ومن هذه الكيانات المصرفية «دويتشه بنك» و«كريدي سويس»، و«بنك أوف أميركا» و«روتشيلد»، وسار على الدرب نفسه بنك «اتش اس بي سي» في الكويت الذي طلب العام الماضي من عملائه تحويل حساباتهم إلى بنوك اخرى في الكويت، لعزمه إغلاق وحدة مصرفية من فرع الكويت، لتقليص المصاريف.
وتشير تقارير إلى أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من الانكماش في الأنشطة المصرفية الاستثمارية لبنوك عالمية في الشرق الأوسط، وخصوصا مع التوترات السياسية التي تشهدها المنطقة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وهذا يُعد فرصة مثالية للبنوك الإقليمية في المنطقة لمزيد من التوسع والاستحواذ على الحصص السوقية التي كانت تحت سيطرة البنوك الأجنبية، وطرق أنشطة جديدة كانت تقتصر من قبل على البنوك العالمية، وخصوصا أن كثيراً من هذه البنوك اجتازت تداعيات الأزمة المالية العالمية، وقامت بتجنيب مبالغ مالية هائلة، لتغطية خسائر القروض وتتوخي الحذر في التمويل.
وتضع بعض البنوك في منطقة الشرق الأوسط الآن خططا للتوسع الإقليمي، وكسب حصة من أنشطة جديدة، مثل خدمات استشارات الديون والأنشطة المصرفية الخاصة وأعمال السمسرة التي كانت تخضع من قِبل لهيمنة البنوك الأجنبية.
ويقول الرئيس التنفيذي لبنك الإمارات دبي الوطني ريك بودنر: «اللاعبون الكبار مازالوا حاضرين هنا وبقوة، لكن حتى هم لديهم مشاكل شتى ويدرسون أين يمكن أن يقلصوا أنشطة معينة، وهو ما أعطى فرصة للبنوك المحلية في المنطقة».
وتوقع بودنر خلال انعقاد قمة «رويترز» للاستثمار، أن تحقق عدة بنوك رئيسة في المنطقة نموا في الأرباح بنحو 20 في المائة أو أكثر هذا العام وبعضها سيحقق قفزة كبيرة في الأرباح مع تعزز ميزانياتها بفضل الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والرعاية الاجتماعية، ومع تحقيقها مزيدا من دخل الرسوم بفضل إيرادات جديدة، وهذا ما انطبق بالفعل على بنك بروة الإسلامي القطري، حيث حقق قفزة وصلت إلى 85 في المائة في صافي ربح النصف الأول من العام الحالي، ويتوقع استمرار النمو السريع في الأرباح، مدفوعا بمشاريع للبنية التحتية قيمتها مليارات الدولارات في قطر ونمو أعمال استشارات الديون وإدارة الأصول.
ومن النتائج المهمة لانتعاش القطاع المصرفي في المنطقة تجدد الإقبال على عمليات الاستحواذ بين البنوك الخليجية التي تريد الحد من اعتمادها على أسواقها المحلية.
ووفق تقديرات لبنك قطر الوطني زادت أصول القطاع المصرفي الخليجي التي يسيطر أكبر 20 بنكا محليا على ثلثيها نحو 11 في المائة في 2012 إلى 1.47 تريليون دولار.
ويتطلع بنك الإمارات دبي الوطني – أكبر بنوك دبي – إلى أهداف استحواذ في المنطقة، حيث يطمح إلى تحقيق 20 في المائة من إيراداته من الأسواق الخارجية في غضون 5 سنوات، ارتفاعا من مستوى 8 في المائة في الوقت الراهن.
من جانبه، يعتزم بنك أبوظبي الوطني، الذي يعمل في 14 بلدا، بأصول قيمتها نحو 100 مليار دولار التوسع في مدن من شرق الصين إلى غرب أفريقيا، في إطار مسعى لتعزيز حضوره في الأسواق الناشئة.
ومن المتوقع أن يتسارع نمو صافي ربح البنوك التجارية في الإمارات إلى حوالي 20 في المائة في 2013، وفق ما ذكر رئيس اتحاد مصارف الإمارات في سبتمبر الماضي، وحتى البنوك الصغيرة تستفيد من النمو الاقتصادي في الإمارات.