
كتب محرر الشؤون المحلية:
اختتمت يوم أمس الأول فعاليات مؤتمر الكويت للإسكان الذي استمرت أعماله على مدى يومين متتاليين.
وتأتي إقامة هذا المؤتمر في وقت تشهد فيه الكويت تصاعداً واضحاً ومخيفاً في الأزمة الإسكانية، وهو الأمر الذي أكدته الإحصاءات والاستبانات في السنوات الأخيرة، والتي قام بها عدد من الجهات الرسمية، ومن أبرزها ما قام به مجلس الأمة من حصر لأولويات المواطن الكويتي، حيث تبوأت هذه القضية سلم الأولويات وارتفعت حدة تداعياتها بشكل واسع، وباتت تمثل إحدى المعضلات التي فشلت فيها الحكومات المتعاقبة – كعادتها – وكيفية التعامل الجدي مع هذا الملف الحيوي الذي يمس بصورة مباشرة كل فئات المجتمع الكويتي.
وعلى الرغم من مشاركة قطاعات وشخصيات بارزة في المؤتمر، إلا أنه قُدمت خلال فعالياته وجلساته الحوارية وجهات نظر مختلفة ومتنوعة، كما عُرضت آراء وأرقام حول حجم المشكلة والصعوبات التي أوجزها، وفق وزير الإسكان ياسر أبل، في ثلاثة تحديات أساسية تتمثل في الأمور المالية والفنية، إضافة إلى عامل الوقت، كما أشار في المقابل إلى أن الأراضي المتوافرة حاليا تكفي لبناء 174 ألف وحدة سكنية، وأن المؤسسة العامة للرعاية السكنية تعتزم توزيع ما لا يقل عن 12 ألف وحدة سكنية خلال العام الحالي.
لكن المتابع الحقيقي لهذه الأزمة يعلم تماما أنه لا توجد معاناة مالية، كما أن الأمور الفنية التي تطرق إليها الوزير ليست بالمعضلة الكبيرة التي تصل إلى مرتبة التحدي، أما ما يتعلق بعامل الوقت فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي أطال أمد هذه المشكلة؟
ومن جانب آخر، فقد طرح وزير الإسكان الأسبق د.عادل الصبيح عدداً من الأرقام والحقائق تمثلت في تعاقب 14 وزيراً على وزارة الإسكان، ومرور أكثر من 4 مديرين عامين على مؤسسة الرعاية السكنية، مشيرا في الإطار ذاته إلى أن ما تدفعه الحكومة كبدل للإيجار، والمبالغ التي دفعها المواطنون كإيجار، تكفي لبناء 86 ألف وحدة سكنية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القضية ليست في طرح الأرقام والآراء أو طرح الحلول، بل في الأسئلة المشروعة عن المتسبب الحقيقي والمسؤول الأول عن هذه الأزمة.. وكيف يمكن معالجتها؟ ومن الفئة المستفيدة من استمرارها؟ ومن الذي يعيق تنفيذ الحلول؟ ومن الذي لم يلتزم بالقوانين والتشريعات القائمة؟ فما يحدث هو التفاف غير مبرر وصرف الأنظار عن المتسببين والمستفيدين من هذه الأزمة، ومحاولة إيجاد مبررات لإعفائهم من المسؤولية.
يخطئ من يظن أن الأزمة أو المشكلة الإسكانية لم تكن محط أنظار مجلس الأمة، بل إنها حظيت طوال تاريخه باهتمام بالغ، فحتى المجلس التأسيسي ناقشها في جلسات عديدة، وقد تناول الباحث عايد عتيق الرشيدي في أطروحته للدكتوراه التي كانت بعنوان «جماعات الإصلاح وأثرها في المجتمع الكويتي 1899-1963» هذا الأمر، عندما تناول عدد من الأعضاء الشكاوى المقدمة من أهالي القرى حينها، ولم يكتفوا حينها بالمناقشة فقط، بل وصل الأمر إلى تقديم الاقتراحات العملية وتبني المطالب الشعبية.
ففي الجلسة الثالثة والعشرين بتاريخ 16 أكتوبر 1962، عندما تحدث النائب يوسف المخلد عن المواطنين الذين يسكنون (العشة) طالب بتحقيق مبدأ العدالة والمساواة على الجميع، وقال في حينها إن تقرير وزير الإسكان يذهب الى توفير 1200 بيت (دخل محدود) ستبنى خلال هذه السنة (أي عام 1962)، متسائلاً: هل استلم الوزير أرضا للبناء، خاصة أن السنة مضى عليها تسعة أشهر؟
إلا أن رد الوزير المختص حينها، وزير الشؤون محمد النصف، أوضح أن ذلك يتطلب تنظيماً من شركات تنظم المناطق حتى ينفذ المشروع، وأنه لا ينفذ إلا 200 بيت في السنة الأولى، والثانية 1500، والثالثة 1700، وبعدها يصل إلى 2000 بيت.
ويذهب الباحث الرشيدي في تعليقه حول القضايا الاجتماعية إلى «أن المجلس، وخاصة جماعتي القوميين العرب من أبرزهم الخطيب والحداد، والمستقلين من أبرزهم الجري والمخلد والفوزان، كان حريصا على تحسين الأوضاع المعيشية، خصوصاً أن هذا المجلس حمل على عاتقه وضع الدستور، ولكنه أعطى من وقته لمناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية».
.. ومثال آخر
ويقول الباحث عايد الرشيدي في أطروحته المشار إليها: «كانت المسألة الإسكانية هي الأولى في المجلس الأول من حيث الشكاوى، التي منها مطالبات بحل البيوت المنهارة والتماسات في المساعدة للحصول على بيت، بالإضافة إلى طلبات تثمين البيوت، إلا أن المسألة الأهم كانت طريقة توزيع البيوت وعدالتها»، وهنا يورد الباحث عدداً من الأمثلة لجلسات المجلس الأول تمت فيها مناقشة مثل هذا الأمر.
ففي الجلسة الرابعة بتاريخ 12 فبرير 1963 تقدم عدد من المواطنين بشكوى حول عدم منح بيوت لذوي الدخل المحدود، ودارت مناقشات طويلة بين النواب والحكومة، حيث أشار النائب علي المواش إلى أنها من الأمور الحساسة، وخاصة للفقراء، مبينا أن هناك تقصيرا من الجهات الفنية المختصة التي تقوم بالمشاريع والبناء، إلا أن رئيس الوزراء حينها، الشيخ صباح السالم، أوضح أنه كلف الوزراء تقديم مشاريعهم لعام 1963-1964، في حين كان رد مقرر لجنة العرائض والشكاوي خالد المسعود أن الحكومة أعطت وعداً في المجلس التأسيسي بإنجاز حوالي 1200 بيت كل عام، إلا أنه لم يتم تسليم أي بيت.
ووقف النائب سليمان المطوع موضحا أن هنالك سوءاً في توزيع البيوت، في حين أن النائب أحمد الفوزان طالب بتنظيم الجهاز الفني حتى ينصلح كل شيء في البلدية، أما النائب خالد المضف فقال «اللي يعرفونه يعطونه بيت واللي ما يعرفونه يؤجل لأشهر».
مشكلة حادة
كما أوضح النائب د.أحمد الخطيب أن المشكلة حادة ولايمكن تركها بهذا الشكل، فمن الضروري أن تكون بيد المجلس، وأن تكون هناك رقابة فعلية لهذه المشاريع، مشيرا إلى أن المواطنين يوميا يقولون ليست لدينا بيوت، ومنهم من هو ساكن في الشارع، ومنهم من يسكن في (عشة)، ومنهم في (حوطة).
وفي جلسة 18 يونيو 1963 قدمت اللجنة الخاصة المشكلة لبحث هذا الموضوع تقريرها، الذي أكدت فيه أن قسما من البيوت الجاهزة قد وزع على غير مستحقيه.
وحتى تقترب الصورة أكثر فأكثر على طريقة التعامل الحكومي مع هذا الملف، يشير الباحث الرشيدي إلى سؤال برلماني تقدم به النائب محمد الرشيد لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك عبدالله الروضان عن توزيع 479 قسيمة في منطقة العديلية منها 30 قسيمة خصصت لأشخاص دون إجراء القرعة عليهم، فجاء رد الوزير أن تخصيص 20 قسيمة في الخالدية، و30 في العديلية، هو محاولة لسد احتياجات موظفي الدولة ممن يشغلون مراكز مهمة وحساسة، الأمر الذي يقتضي تهيئة وسائل السكن التي تتناسب ومراكزهم التي يشغلونها، وما يلتزمون به اجتماعيا بحكم مناصبهم، إلا أن محمد الرشيد رفض كل هذه المبررات التي لا تستوجب تفضيلهم عن غيرهم من المواطنين، وأنه بالإمكان تخفيف العبء فيما لو بدأ بإعطاء الفئة المعدومة فما فوق، لأن القاعدة المعروفة عند جميع العالم إذا كانت هناك مساعدات فتبدأ من المعدم فما فوق بالتدريج، أما أنهم يشغلون مناصب حساسة ومهمة فهم فئة مثقفة ويجب أن تكون قدوة للمجتمع.
وفي الجلسة التي عقدت بتاريخ 25 يونيو 1963 حول الميزانيات، أكد النواب ضرورة مناقشة مشكلة السكن وبيوت الدخل المحدود قبل مناقشة ميزانية الدولة، فالنائب عبدالرزاق الخالد أوضح أن اللجنة المالية استطاعت أن تحقق بعض «الوفرات» من أبواب الميزانية، وهو ما دعا النائب يعقوب الحميضي لتقديم اقتراح بإضافة هذا المبلغ، الذي تجاوز 6 ملايين دينار، على مشروع بيوت الدخل المحدود، في حين أشار د.الخطيب إلى أن المبلغ المرصود في الميزانية لا يسد حاجة المواطنين.
د.الخطيب: هناك جماعات أقوى من الوزراء تسيّر البلد وفق مصالحها

يشير د. أحمد الخطيب في مذكراته إلى هذه القضية، وكيف تم التعامل معها، فيقول:
«في مجلس 1975، وعندما كنت رئيسا للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية، رأيت أن لا بد من تقديم حل جذري لهذه المشكلة، فطلبنا لقاء الوزير المسؤول عن الإسكان آنذاك وكان وزير الشؤون الاجتماعية والعمل.. فقال: عندنا 20 ألف طلب، ونحن نبني 1000 بيت في السنة.. ومعنى ذلك أن الشخص بحاجة إلى الانتظار 20 سنة حتى يأتي دوره.. وعند سؤاله عن سبب هذه المشكلة، قال: نحن مقيدون بجهات حكومية أخرى، فالبلدية تتأخر في إعطائنا الأراضي اللازمة، وحتى بعد إقرار المواقع فهي تنتظر أن يأتي دورها بالتثمين، ونحن مطالبون بأن نأخذ موافقة لجنة المناقصات العامة، وكذلك ديوان المحاسبة الذي يجب أن يوافق على مشاريعنا أولا، ويحاسبنا بعد التنفيذ. فقلت (والكلام للدكتور الخطيب): إذا ساعدناك على حل هذه المسائل كلها، فهل تستطيع أن تنجز ما هو مطلوب خلال 5 سنوات، وبعدها توفر السكن الكافي للمتقدمين سنويا؟ بمعنى أن مقدم الطلب يتسلم بيته بعد سنة واحدة من تقديم طلبه، فأجاب: نعم، فقلت له: سوف نعدل قانون الإسكان ونحرركم من لجنة المناقصات العامة، وديوان المحاسبة يقوم بالتدقيق بعد انتهاء المشروع، كما سنرصد لكم 1000 مليون دينار للبناء وتثمين الأراضي التي تحتاجون إليها، أي إنه حالما تخصص البلدية لكم أرضا تقومون أنتم بتثمينها وتدفعون القيمة وترجع لكم البلدية المبلغ عندما تحصل عليه من الحكومة، فأكد الوزير أنه إذا تم الأخذ بهذا الأمر نستطيع حل هذه المشكلة خلال 5 سنوات».
وبعدها قامت اللجنة بتعديل قانون الإسكان، وتم تحديد جلسة خاصة لمناقشته. ويوضح د.الخطيب هنا أن الوزير جاءه وأخبره أن الحكومة لن تساعد في تمرير هذا القانون.
وعندما عقدت الجلسة، وقُدم المشروع، ثارت عاصفة كبيرة من الاحتجاجات لأن الأغلبية اعتقدت أن هذا المشروع من الممكن أن يسهل السرقة «للحرامية».
ويتناول د.الخطيب في هذا الجانب حوارا دار بينه وبين الراحل جاسم القطامي الذي قال: يا دكتور نحن على الرغم من وجود لجنة المناقصات وديوان المحاسبة نعاني من الحرمنة، فما الذي سيحصل لو رفعنا الرقابة عنهم؟ فجاء رد الخطيب: يا بو محمد، أنا أعلم بأن الحرمنة موجودة، ولا يمكن القضاء عليها، لكنني أقول إنني أشعر بالألم الشديد عندما أواجه بعض المتقدمين بالسن ويقولون لي يا دكتور أمنيتنا في هذه الدنيا أن يكون لنا بيت يضم الأسرة قبل وفاتنا، وهذه أمنية عدا عن أنها حق لكل إنسان، هي حق علينا لكل مواطن، خاصة أننا في بلد قادر.
أقر مجلس الأمة القانون والتعديلات التي أجريت عليه، ولكن هل انتهت المشكلة؟ (يتساءل الخطيب)، لماذا؟ هل بسبب السرقة؟
يقول د. الخطيب: «لا أظن أن هذا السبب الوحيد، فهناك أراض كثيرة تملكها الدولة لا تحتاج إلى تثمين أصلا، لكن توضع أعذار وهمية كثيرة، كأن يقال إن الأراضي تحتجزها شركات النفط، أو أن وزارة الدفاع بحاجة إليها، أو لأسباب أمنية، ولا أحد يذكر السبب الحقيقي».
ويحدد الخطيب الأسباب وراء هذه الأزمة في: «أن أصحاب الأراضي الكبيرة هم من المسؤولين الكبار والمتنفذين الكبار، وحل مشكلة الإسكان يسبب كسادا في سوق الأراضي، وتفاقم المشكلة يؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار كما نشاهد الآن.. القوى المتنفذة لا تريد حل هذه المشكلة، ولا يهمها عذاب عدد كبير من المواطنين.. الآن حتى الذين دخولهم عالية، كالوزراء، لا يستطيعون شراء قسيمة ويبنونها.. نعم هناك جماعات أقوى من الوزراء يسيرون البلد وفق مصالحهم ضاربين عرض الحائط بحق المواطن في السكن الذي كفله الدستور».