عن عمر ناهز 83 عاماً، توفي فنان الثورة الفلسطينية إبراهيم محمد صالح، الشهير باسم «أبوعرب» في مستشفى بيسان بمخيم العائدين بحمص بعد صراع مع المرض الذي لازمه في الأعوام الأخيرة.
ولد أبوعرب في قرية الشجرة القريبة من طبريا عام 1931 فعاش طفولة على وقع الثورة الفلسطينية عام 1936، حيث كان جده ينظم الأشعار التي تلهب حماس الثوار في الثورة الفلسطينية على الانتداب البريطاني عام 1936، وفي الـ13 من عمره استشهد والده في حرب فلسطين التي سبقت النكبة، وحين كبر وتزوج فجع باستشهاد ابنه خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
بين وهج الثورة وقسوة الموت برز أبوعرب، كأحد فناني الثورة الفلسطينية في مخيمات اللاجئين بالأردن وسوريا ولبنان، قبل أن يذيع صيته في دول العالم.
انطلقت شهرته من أغنيات ما زالت محفورة في وجدان أجيال من الفلسطينيين، سواء من الداخل أو الشتات، لعل أشهرها أغنية «من سجن عكا» التي وثقت لحادثة إعدام سلطات الانتداب البريطاني لفلسطين ثلاثة من أبرز الشبان الذين نشطوا في مقاومة الانتداب بمدينة عكا، وهم محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي.
كان أبوعرب يكرر نداءات العودة في أغانيه كما في أغنيته الأشهر «هدي يا بحر هدي»، كما حرص على أن تتضمَّن كلمات أغانيه وصف المدن الفلسطينية والقرى، ولم ينسَ الغناء للشهداء ولحركات المقاومة، وظهرت موهبته في المواويل وفنون الغناء التراثي الفلسطيني القديم.
في عام 1980 أسس أبوعرب أول فرقة للغناء لفلسطين بالأردن، وأطلق عليها بداية اسم «فرقة فلسطين للفن الشعبي»، لكن وبعد استشهاد قريبه الفنان ناجي العلي قام بتغيير اسم الفرقة لـ «فرقة ناجي العلي للتراث الفلسطيني».
في عام 2012، وبعد 64 عاما من التهجير، تحقق حلمه بزيارة قريته «الشجرة» برفقة العشرات من أقاربه وأهالي القرية.
وفي وصفه لمشاعره في تلك الزيارة، قال أبوعرب لمراسل «الجزيرة نت بفلسطين 1948» وديع عواودة الذي رافقه وهو بالسيارة من كفركنا المجاورة إلى الشجرة «قلبي يخفق أسرع من السيارة، ويكاد يفر من بين ضلوعي»، مضيفا للصحافيين «عدت اليوم بدخول أرض فلسطين كابن 17 عاماً»، وهو العمر الذي خرج به بعد النكبة.
منذ شبابه نذر أبوعرب نفسه للثورة الفلسطينية ومقاومة الاحتلال، وطالب الفلسطينيين بالوحدة والعمل من أجل فلسطين، وكان يردد: «أنا شاعر المخيّمات ومطربها.. البعد ما يطفي ناري والقرب يزيدها، وبعد جرح الوطن ما في جروح»، وبقي وفيا لعهده، ولم يخلع كوفيته التي بقيت بمنزلة هويته وانتمائه إلى أرضه التي كان يفخر بها ويلهج بذكرها شعراً وقصائد حتى آخر أيامه، ولم يغن يوماً إلا للوطن ولأبنائه الذين ضحوا من أجله، متجاهلا الزعماء والفصائل، نائيا بنفسه عن التحزب والاصطفافات ودوائر الخلافات والصراعات. أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم إسماعيل التلاوي نعاه في بيان قال فيه إن «أبوعرب ذاكرة شعب منذ عام 48 وهو ينقل بصوته القضية الفلسطينية إلى العالم وغنى لكل شيء على أرض فلسطين للحجر والشجر والحسون والبندقية والأسرى».
وأوضح أنه طلب من اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والعلوم بأن يأتي مرة أخرى لزيارة فلسطين، إلا أن الموت كان أسرع.