صندوق المشروعات الصغيرة.. معول هدم جديد في الاقتصاد

صندوق المشروعات الصغيرة قد يخلق «شويخ صناعية» جديدة يصعب إيجاد حلول لها مستقبلاً
صندوق المشروعات الصغيرة قد يخلق «شويخ صناعية» جديدة يصعب إيجاد حلول لها مستقبلاً

كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
جميعاً ندرك أن الحاجة إلى المشروعات الصغيرة في الكويت أصبحت ماسة، لأهميتها في دعم الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص العمل للمواطنين، وجميعاً ندرك أن المشروعات الصغيرة هي قاطرة أي اقتصاد في العالم، وجميعا طالبنا، مرارا وتكرارا، بدعم ومساندة المشاريع الصغيرة بشتى الطرق، والبحث في العقبات التي تعرقل هذه المشاريع، وإيجاد الحلول لها.

ويبدو أن الحكومة ومجلس الأمة استجابا لهذه الدعوات والنداءات في حل مشكلات المشاريع الصغيرة، ولكن على طريقتهما الخاصة، بهدر مزيد من الأموال، وحصر كل مشكلات المشاريع الصغيرة في التمويل، وانطلاقا من ذلك أقرت الحكومة بموافقة نيابية القانون رقم 98 لسنة 2013، في شأن إنشاء الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو ما يطلق عليه إعلامياً، «صندوق المشروعات الصغيرة»، برأسمال يبلغ ملياري دينار، مع إمكانية تخصيص أراضٍ مساحتها 5 ملايين متر مربع لتنفيذ المشاريع الجديدة، وحجتها في ذلك أن الصندوق الجديد سيتجاوز عيوب ومعوقات جميع التجارب السابقة، وسيحل مشكلات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهذا بالتأكيد كلام بعيد كثيراً عن الواقع، فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة لم تكن معاناتها من مشكلة الدعم، في ظل وجود أكثر من جهة تمول هذه المشروعات، منها الشركة الكويتية لتطوير المشروعات الصغيرة، التي تدير محفظة حكومية بغرض المساعدة على تنمية الاقتصاد الوطني، من خلال إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالمشاركة مع المواطنين الكويتيين، وخصص لها مبلغ في حدود 100 مليون دينار، كذلك وجود محفظة تمويل الأنشطة الحرفية والمشاريع الصغيرة التي أنشئت بموجب القانون رقم 10 لسنة 1998، برأسمال يبلغ 50 مليون دينار لمدة 20 عاماً لتمويل الأنشطة الحرفية والمشاريع الصغيرة الكويتية، وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ويتم إدارتها من قبل بنك الكويت الصناعي نيابة عن الحكومة.

المشكلة الحقيقية

والمؤكد أن مشكلة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليست في الدعم، فمشكلة هذه النوعية من المشروعات، تكمن في تنفيذ وضمان استمرار هذه المشاريع، والمتابعة والتسهيل للمبادرين وتشجيعهم واستقرارهم، فهذه هي النقاط التي كان يجب على الحكومة ومجلس الأمة أخذها في الاعتبار، والبحث عن حلول لها، بدلا من حصر مشكلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مشكلة التمويل فقط، والأهم من ذلك دراسة عيوب ومزايا الجهات الحكومية المعنية بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحسين أدائها، والاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا، ونجحت بشكل كبير في تشجيع المبادرين من الشباب في إقامة مشاريع صغيرة، سرعان ما عادت على اقتصاد هذه الدول بالنفع والتطور.

والمؤكد أيضا أن الحكومة وبتأسيس صندوق رعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، قد أدخلتنا في الازدواجية والتكرار، وتعدد الجهات العامة التي ترعى وتدعم المشروعات الصغيرة، وكان الأفضل وجود جهة واحدة عامة تقوم بهذا الدور، وتعديل آلية عملها إذا تطلب الأمر ذلك، ولكن الحكومة لم تسلك هذا المنحى، وأقرت هذا الصندوق، وكأنها تنافس نفسها. لقد مرَّت سنوات طويلة على تجربة تمويل الحكومة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر القنوات التي سبق ذكرها، لكن وبكل أسف كل هذا الدعم المالي واللوجيستي لم ينهض بالمشروعات الصغيرة لتؤدي دورها المأمول في الاقتصاد، وتقدم قيمة مضافة، وخصوصا في القطاع الصناعي، وتساهم في تنويع مصادر الدخل، الذي لابد أن يكون هو الهدف الأول من هذه المشروعات، فمشروعات قليلة ناجحة والباقي مصيره كان الفشل والتوقف، وعدم تحقيق أي عائد على الاقتصاد، وهذا يدلل على أن آلية التعامل مع المشروعات الصغيرة بها خلل، وليست المشكلة في عملية التمويل المالي، وكان الأجدر بالسلطتين البحث عن هذا الخلل، والتمعن في أسباب عدم نجاح المشروعات الصغيرة، قبل إقرار قانون صندوق رعاية وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إذ إن كثيرا من عدم نجاح هذه المشروعات لا يرجع إلى أسباب مالية فقط.

عيوب ومثالب

ويرى الكثير من أهل الاختصاص، أن صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ما هو إلا نمط جديد من أنماط التعدي على المال العام، عن طريق صرف الأموال المخصصة لهذا الصندوق بطرق احترافية وفي شكل قانوني على أشخاص لا يستحقون هذه الأموال، عن طريق قبول طلبات الحصول على تمويل لمشروعات تتحوَّل بعد ذلك إلى سراب ولا نجدها على أرض الواقع، فضلاً عن أن أموال هذا الصندوق لن تكون بعيدة عن أيادي المتنفذين الذين يرغبون في الحصول على مبالغ مالية كبيرة من الصندوق تجاوز الحدود المسموح بها، وخصوصا أن رأسمال الصندوق مليارا دينار، وهو رقم كبير جدا، ما يعطي المتنفذين فرصة أكبر للتلاعب والحصول على مبالغ مالية كبيرة تفوق الحد الأقصى المقرر وفقا للقانون، كما سيتمكن البعض من الحصول على مبالغ يمكن أن تكون لمشاريع وهمية بطرق المحسوبية والواسطة.

تنفيع

ويرى مصدر اقتصادي، أن بعض البنود التي تضمنها القانون وضعت خصيصا للتنفيع لأشخاص بعينهم، وليس أدل على ذلك من تحديد مكاتب بعينها لعمل الدراسات الاقتصادية ودراسات الجدوى، ومكاتب بعينها للقيام بعمليات التدقيق المحاسبي، وينطبق الأمر على شركات التأمين، وتحديد جهات لشراء المواد الأولية اللازمة للمشروع، وهذا قد يكلف صاحب المشروع أموالا أكثر، رغم وجود جهات أخرى تقدم الخدمات نفسها بتكاليف أقل. وأشار إلى أنه على عكس ما يقال ان الهدف الرئيسي من الصندوق، هو تشجيع المبادرين والمساهمة في حل مشكلة البطالة، واستيعاب العمالة الوطنية، سيكون الصندوق عاملا قويا لقتل طموح الشباب في النجاح، بما تضمنه من بنود، تشجع على عدم الاكتراث لنجاح المشروع أو فشله، إذ تنص هذه البنود على منح صاحب المشروع الذي يشغل وظيفة في القطاع العام، إجازة تفرغ لمدة 3 سنوات، يعود بعدها إلى عمله، في حال تخليه عن المشروع وتسليمه للصندوق، وهذا الأمر يدعو الشباب إلى «الاتكالية»، وهذا البند قد يجعل كل الموظفين في الدولة أصحاب مشاريع صغيرة، ولم لا؟ فالدولة تقدم للموظف إجازة لمدة 3 سنوات مدفوعة الراتب، ليجرب حظه في إنشاء مشروع خاص لا يتحمَّل تكاليفه، في حين تتكلف ميزانية الدولة إنفاقاً أكبر من دون مردود ونتائج ملموسة، ولا شك أن هذا البند خطأ كبير، وسيقتل الحافز عند الشباب للنجاح، فالشاب موقن بأنه إذا فشل في مشروع الذي قد يكون كلف الدولة ما يزيد على 100 ألف دينار، سيعود إلى وظيفته مجددا، وهذا هدم للاقتصاد وهدم لشخصية المبادر. كما أن القانون نص على أحقية من يتقدم بمشروع في الحصول على أرض مقابل مشروعه، وهذا سوف يخلق «شويخ صناعية» جديدة، وعشوائية يصعب بعد ذلك إيجاد الحلول لها، مثلما هي الحال الآن في منطقة الشويخ الصناعية.

معول هدم جديد

ويؤكد المصدر أن هذا الصندوق سيكون بوابة للسرقة الكبرى، لأنه سيدار بطريقة «شعبوية»، وهذا الصندوق استمرار لنهج الحكومة في الإغداق في المكافآت، وسوف يستخدم في مكافأة الأشخاص المقربين من صُناع القرار، لافتا إلى أن هذا الصندوق سيكون معول هدم جديد في الاقتصاد، وسيخلق مشكلات تمويلية كبيرة في الاقتصاد، وسيكون كارثة على البنوك وشركات التمويل، وسيتسبب في هدم كيانات اقتصادية قائمة تضم المئات من العمالة الوطنية، كما أن هذا الصندوق سيغرق الأسواق بمشاريع كثيرة متشابهة، وغير مجدية للاقتصاد، فكثير من هذه المشاريع سيكون محال زهور، أو ورش حدادة وميكانيكا، ولن ترقى هذه المشاريع إلى الهدف منها في دفع الاقتصاد إلى الأمام.

تجارب سابقة

والمتتبع لتجارب الكويت مع إنشاء الصناديق، يجد أن غالبيتها لم تكن على المستوى المأمول، فالكويت مرَّت بتجارب تأسيس صناديق سابقة كثيرا، منها الصندوق العقاري (المحفظة العقارية)، والصندوق الاستثماري (المحفظة الاستثمارية)، التي أقرت بعد الأزمة المالية لدعم سوق الكويت للأوراق المالية، وصندوق الاستقرار المالي، الذي أقر لدعم الشركات المتعثرة عقب الأزمة المالية العالمية، وحتى كتابة هذه السطور لا يعلم أي أحد عن هذه الصناديق شيء، ولا يعلم أي أحد كيف تم إنفاق المبالغ التي رصدت لها، وهل تم إنفاقها بالكامل أم مازالت هناك مبالغ متبقية؟ وإذا كانت هناك مبالغ متبقية لم تصرف، فما مصيرها؟ ولا يدري أي أحد أيضا جودة أداء هذه الصناديق، ومدى التزامها بالقانون، وهل حققت أهدافها أم لا؟ والمؤكد أن صندوق المشروعات الصغيرة سوف يسير على نفس نهج الصناديق السابق ذكرها في الغموض وعدم الشفافية، ومن ثم سيكون بيئة خصبة للتلاعب وهدم الاقتصاد الكويتي.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.