الأرقام تفضح أكذوبة أن القروض المشكلة الأكبر للمواطنين

البنوك الكويتية
كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
لطالما كانت قضية القروض الاستهلاكية القضية الأولى للتكسُّب النيابي، إذ كانت هذه القضية، ولسنوات، القضية الشعبية الأولى لأي نائب يريد التكسُّب الشعبي، حتى وصلت الأمور في بعض الأحيان بتهديد استجواب بعض الوزراء على ضوء هذه القضية، بادعاء أن هذه القروض أثقلت كاهل المواطنين وأرهقتهم، ولابد من إسقاطها، أو على الأقل إسقاط فوائدها للتخفيف عن المواطن.
وظل الضغط النيابي، وبشدة، في اتجاه هذه القضية – على الرغم من وجود حلول متمثلة في صندوق المتعثرين – حتى تم التوصل خلال دور الانعقاد الماضي إلى إقرار قانون رقم 104 لسنة 2013 في شأن إنشاء صندوق دعم الأسرة، أو ما أصطلح عليه بـ«صندوق الأسرة»، وحينها خرج علينا نواب المجلس (المبطل 2) بتصريحات نارية تثمّن هذا الإنجاز العظيم، وتؤكد أن هذا القانون حل ناجع لمشكلة القروض الاستهلاكية، نذكر من هذه التصريحات «نحن إذا وعدنا أوفينا»، «بحمد الله تم التوافق على معالجة مشكلة المقترضين»، «مطلب شعبي طال انتظاره والآن تحقق»، «خطوة وإنجاز كبيران يحسبان للمجلس الحالي»، وكثير من هذه العبارات الرنانة التي أطلقت في ذلك الوقت، وكأن الأمر فتح عظيم.. مع العلم بأنه هدر للمال العام من دون حل المشكلة التي ستبقى قائمة، بل على العكس، ستزداد تعقيدا، وهو ما أشارت اليه “الطليعة” في ذلك الوقت، وها نحن نجده يتحقق بالفعل على أرض الواقع مع الإعلان عن انتهاء المدة المحددة لتلقي الطلبات للاستفادة من «صندوق الأسرة» في الثاني عشر من أكتوبر الماضي، وظهور الأرقام والإحصائيات عن عدد المتقدمين للاستفادة من هذا القانون.
فقد جاءت هذه الأرقام، لتثبت بالدليل القاطع أن بعض نواب مجلس الأمة جعل من القروض الاستهلاكية مشكلة كبيرة وضخموها، من أجل التكسُّب الشعبي، فالقضية لم تكن بالحجم الذي قد يتخيَّله البعض، ولكن الأغراض السياسية جعلتها قضية الوطن الأولى لسنوات مضت وسنوات مقبلة، وجعلت من يعتزم الانتظام في سداد قرضه يتراجع عن هذا الأمر، لعل وعسى المطالبات المستمرة من أعضاء المجلس تأتي بثمارها، ويتم إسقاط القروض، فالأزمة خلقها بعض أعضاء مجلس الأمة، وإذا كان للمواطن دور في المشكلة عبر تماديه في الاقتراض، فعليه تحمُّل نتيجة ما صنعت يداه، وليس خزينة الدولة، ولكن هناك دائما من يسعى إلى اختلاق المشكلات، ليستفيد منها، وهذا ما سعى إليه عدد من النواب، وسيسير على النهج نفسه كثير من النواب مستقبلا، بهدف التكسُّب الشعبي.
وكثير من النواب أول ما يفكرون فيه لكسب ود شريحة كبيرة من الناخبين، هو البحث عن القضايا التي تكون ذات تأثير مالي على المواطنين للحديث عنها، مثل قضية القروض الاستهلاكية، التي ظن البعض أن الحديث عنها انتهى، بعد إقرار «صندوق الأسرة»، وهذا ظن خاطئ، فهذه القضية سيظل الحديث عنها مستمرا، ومن المرجح أن يتم فتح القضية مجددا خلال دور الانعقاد الحالي، فبعض النواب غير مقتنع بالقانون، ويطالب بإسقاط القروض بالكامل، لذا من الممكن أن نشهد خلال المرحلة المقبلة مطالبات نيابية جديدة بحل لمشكلة القروض، ونسمع نفس الكلام المكرر أن «القروض أثقلت كاهل المواطن وأرهقته».
أرقام وحقائق
وقد جاءت الأرقام المنشورة أخيرا، لتؤكد العزوف الكبير من قِبل المواطنين عن صندوق الأسرة، وهذا يؤكد أن قضية القروض الاستهلاكية كانت ذات أهمية قصوى في أذهان النواب فقط، إذ بيَّنت الأرقام أن عدد المتقدمين بلغ 16503 مواطنين، من أصل 42 ألف مواطن يحق لهم الاستفادة من القانون، بما يمثل نسبة 40 في المائة فقط حتى إقفال أبواب الصندوق في 12 أكتوبر الماضي.
وبلغ إجمالي مديونيات المتقدمين خلال فترة فتح باب استقبال الطلبات الممتدة من 12 يونيو الماضي وحتى 12 أكتوبر الماضي 385 مليون دينار، من أصل 710 ملايين دينار قروضا استهلاكية ومقسطة كانت متوافقة للدخول في القانون، وهذا العدد الذي تقدم للاستفادة من القانون، يُعد ضئيلا جدا، ولا يتناسب مع حجم «العاصفة» التي أثيرت من قِبل النواب حول مشكلة القروض وتضخيمها، وهو ما يشير إلى احتمالين لا ثالث لهما، الاحتمال الأول أن الكثير من المواطنين مازال يراهن على أن هناك من النواب من سيسعى إلى المطالبة بإسقاط كامل القروض الاستهلاكية، وبالتالي لم يتقدم للاستفادة من هذا القانون، انتظارا للجائزة الكبرى.
والاحتمال الآخر، أن القانون به الكثير من العيوب، وبالتالي لم يكن جاذبا للمقترضين، وعليه يجب إعادة النظر في فكرة «الصندوق» أصلا، وما يحمله من إجراءات ومميزات فشلت في اجتذاب المواطنين.
مقارنة
وعن مشكلة القروض الاستهلاكية تؤكد دراسة أعدتها شركة “أكسل” للاستشارات المالية والاقتصادية قارنت خلالها بين صندوق المتعثرين، وصندوق الأسرة، أن صندوق المتعثرين أقرب للعدالة من صندوق الأسرة، مبينة أن عدد مواد قانون صندوق المتعثرين ومواد لائحته التنفيذية، مقارنة بعدد مواد صندوق الأسرة وعدد مواد لائحته التنفيذية تؤكد أن اللجنة المالية في مجلس الأمة بذلت عناية أكبر عند دراسة صندوق المتعثرين، فجاءت اللائحة متجانسة مع القانون، في حين عبَّر بعض نواب اللجنة المالية عن استيائهم من أن اللائحة التنفيذية مخالفة عن قناعتهم في قانون الأسرة.
أما عن عدد العملاء المستفيدين من الصندوقين، وقيمة المديونية المسددة، فعدد العملاء الذين سدد صندوق المتعثرين مديونيتهم المتعثرة تقريبا من 20 إلى 22 الف عميل، وكانت قيمة ما سدده الصندوق للجهات الدائنة ما بين 500 إلى 600 مليون دينار، في حين توقعت الدراسة (قبل صدور الأرقام الرسمية)، عدد الذين ينطبق عليهم صندوق الأسرة في حدود 15 الفا، فعدد المتقدمين للاستفادة من هذا الصندوق سيكون أقل، والسبب أن الصندوق يشتري رصيد مديونية العميل الذي اقترض قبل 30 مارس 2008، وهذا يعني أن الجزء الأكبر من الفائدة سدد بسبب أن الاقساط الأولى معظمها تسديد للفائدة وليس أصلا.
ارتفاع عدد المقترضين
وتقول الدراسة عن الاحكام القضائية في كلا الصندوقين، أن «كلا الصندوقين يشتري مديونية العميل الذي عليه احكام قضائية، وفي هذا رسالة للجهات الدائنة بأنها ستحصل على كامل مديونيتها من العملاء المشكوك والمعدومة ديونهم، من خلال الحصول على أحكام قضائية عليهم، ورسالة أخرى للمقترض المستهتر، بأن يقترض ويتنصل عن الدفع، لذلك زادت شهية هذا النوع من المقترضين».
وهذا الأمر بدأ بالفعل يتحقق على أرض الواقع، فمع إغلاق صندوق دعم الأسرة أبوابه في 12 أكتوبر أمام استقبال طلبات المستفيدين، شهدت البنوك مزيدا من الطلب الجديدة على الائتمان الشخصي.
وتشير التوقعات إلى أن شراء القروض وإسقاط فوائدها سوف يقود إلى عمليات اقراض شخصي جديدة تزيد على مليار دينار، مدعومة بالمساحة الائتمانية الجديدة التي ستتوافر للأفراد للاقتراض ضمن الحد الأقصى الذي تحدده تعليمات البنك المركزي.
وأكد أكثر من تقرير صادر أخيرا، أن الفترة المقبلة ستشهد زيادة الطلب الائتماني الاستهلاكي، بعد أن أسهم صندوق الأسرة في مراجعة عدد من القروض الشخصية وبمبالغ كبيرة، وسوف يساعد على ذلك انخفاض سعر الخصم في الوقت الراهن، وهذا يشجع الطلب كثيرا على الائتمان الشخصي.
برنامج انتخابي
وتؤكد دراسة شركة «اكسل»، أن «كلا الصندوقين كان برنامجا انتخابيا لبعض المرشحين» و«كلا الصندوقين لم يعالج المشكلة بصورة نهائية، بل عمل على ترحيلها للمستقبل، لتكون برنامجا انتخابيا يقتات عليه المرشحون في السنوات المقبلة ومادة دسمة للحكومات المقبلة للتفاوض حوله».
وهذا الأمر بدأ أيضا يتحقق على أرض الواقع، وتجلى في مطالبات جديدة لبعض النواب بإلغاء مديونيات المواطنين، بعد الاستجابة لطلباتهم، بتعديل بعض بنود اللائحة التنفيذية للقانون، ليشمل القروض الممنوحة من البنوك التقليدية، وشركات الاستثمار التقليدية التي تحوَّلت إلى النظام الإسلامي، إذ يبدو أن هذه التعديلات لم تكن كافية في نظر النواب، وبدأ أكثر من نائب يتحدث عن امكانية بحث قوانين جديدة تحقق الحلول العملية لمشكلة القروض الاستهلاكية، حيث يرى أكثر من نائب أن صندوق الأسرة لا يُعد حلا شاملا لمشكلة المقترضين، وإنما هو حل مؤقت لحين تقديم معالجة شاملة وجذرية لهذه المشكلة، وواكب ذلك تصريحات من عدد من النواب تشير إلى أن «المجلس سيدعم أي خطوة نيابية من شأنها التعاون وتخفيف المعاناة عن المواطن»، في تلميح للعودة مجددا إلى قضية التكسب الشعبي الأولى في الكويت.
Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.