
كتبت هازار يتيم:
أكد المستشار الثقافي لمعهد العالم العربي في باريس، المفكر الأستاذ فاروق مردم بك، أن الشعوب العربية تخوض الآن نضالاً دامياً للوصول إلى نوع من التوازن بين الحاجات المادية والفكرية والروحية وغيرها، وبين نبذ الاستبداد، مشيراً إلى أن هذه الإشكالية تظهر أسباب تقدُّم الغرب، وتكشف العناصر الأساسية التي أدَّت إلى ابتعاد جزء من العالم عن بقيته لجهة التقدم الفكري والنوعي والرقي عموماً.
الاستبداد والتطرُّف
وبيَّن خلال ندوة نظمتها رابطة الأدباء الكويتيين تحت عنوان «لماذا تأخر التنوير في العالم العربي؟»، أن الاستبداد والتطرُّف عدوان لدودان، لكنهما متكاملان، وخصوصاً أن الاستبداد يعد نفسه آخر خط دفاع أمام الاستعمار والفكر المغاير، كما يعتقد المتطرفون أيضاً، وبناءً على ذلك لا يترك مجالاً للأفكار التقدمية والتنويرية في العالم العربي.
وأرجع أسباب تأخر التنوير العربي بشكل رئيسي إلى استيراد العرب التقنية والعلوم من الغرب، ورفضهم التنوير الذي ربطوه بفكرة الاستعمار.
حرية الفرد الفكرية
وأوضح مردم بك أن للتنوير منطلقاً واحداً، لكن له مدارس متعددة بشأن النظرة إلى الأمور الحياتية المختلفة، من سياسة واقتصاد وقيم روحية وغيرها، مضيفاً «إلا أنها في المجمل تنطلق من فكرة أساسية، هي حرية الفرد الفكرية حيال المؤسسات السياسية والمجتمعية والروحية والأفكار المسبقة التي تعتقد بأن لا سلطة تعلو على الحرية».
وشدد على أن هذه الفكرة التنويرية تستدعي تحرير المعرفة، والعمل على بلوغها، عن طريق العقل والتجربة وبالمحاكمة النقدية الدائمة وحرية التعبير عن الرأي، شفهياً وكتابياً، مؤكداً أن تلك الحرية الفكرية لابد أن تنبثق من موقف جديد قائم على الاكتشاف والبحث وتطور العلوم والمجتمعات.
وأوضح أن تلك الحرية يجب ألا تكون مطلقة، بل مقيدة بحقوق الآخرين، مثل حقوق الإنسان ككل، من دون تمييز بين الجنسين، والحق في المساواة على الصعيدين العالمي والمحلي، أو في الوطن الواحد، أي المواطنة.
تعريف التنوير
وعرَّف التنوير، بأنه مجموعة أفكار لا يشترط أن تكون جديدة، لكنها دخلت ضمن منظومة جديدة في القرن الـ 18 وحملها العديد من الكتاب والمثقفين والفلاسفة، وخصوصاً في أوروبا، ولاسيما في فرنسا إبان الثورة الفرنسية.
وكشف أن الدولة العثمانية في القرن الـ 19 عاشت فترة إصلاحات عميقة وقفت على أساسيات عدة، أهمها تثبيت مبادئ المساواة بين جميع رعايا السلطان مهما كان انتماؤهم الديني، وذلك للدفاع عن الدولة من الاجتياح الغربي، لكنها عادت وانكفأت عن ذلك، خشية التدخل الغربي فيها.
ورأى أنه يمكن عبر هذا المثال فهم العلاقة بين الشعوب العربية والتنوير الغربي «وما إذا كانت علاقة ندية أم استتباعاً أو تبعية عبر الاستعمار، حيث أصبح العرب منذ ذلك الحين يعدون الفكر والتنوير الغربي نوعاً من الاستعمار، ما دفع كثيراً من الإصلاحيين إلى العودة للوراء، بحجة مواجهة الاستعمار».
وتطرَّق مردم بك إلى عدة أحداث حصلت في القرن الماضي أدَّت أيضاً إلى تدهور التنوير عموماً في الوطن العربي بعد نكسة 1967، أهمها الانقلابات العسكرية في العراق وليبيا وسوريا التي جاءت بأنماط جديدة من الاستبداد، وكانت تعتمد على العصبية وتدعي التقدمية والتغيير، وأيضاً بزوغ حركات وجماعات دينية متطرفة.