
كتب محمد عبدالرحيم:
«اسمي مصطفى خميس» هو الفيلم الوثائقي الذي قام بإخراجه أخيرا أستاذ السيناريو بالمعهد العالي للسينما المخرج محمد كامل القليوبي، والفيلم إذ يستدعي واقعة تاريخية حدثت في خمسينات القرن الفائت، إلا أن دلالتها الآن أكثر حدة، وخاصة أن مصر تكاد تمر بالمرحلة نفسها لما بعد ثورة يوليو 1952، وهي الآن في نسختها الجديدة، المعروفة إعلامياً بثورة 30 يونيو، فالفيلم يستعرض القمع العسكري الذي وصل مداه في القضية المشهورة بـ «إعدام خميس والبقري».
الواقعة
عقب إضراب عمالي في مدينة كفر الدوار، بمحافظة المحلة الواقعة بشمال مصر، وخروج العمال للمطالبة بتحسين أوضاعهم وزيادة أجورهم وتطهير مصانعهم من أعوان الحكم الملكي، آنذاك، تم القبض عليهم من قِبل السلطة الجديدة الحاكمة ــ حكومة محمد نجيب ــ فحُكِم على الكثيرين بالسجن، وتم إعدام كل من مصطفى خميس ومحمد حسن البقري، إثر محاكمة عسكرية سريعة، والتي أقرّت الحكم بإعدامهما، وكانت هذه المرّة الأولى التي يتم فيها محاكمة المدنيين عسكرياً، وأن يصل الأمر إلى الإعدام، كان ذلك في نهاية أغسطس 1952.
المسكوت عنه
تعد هذه القضية ضمن أهم القضايا المسكوت عنها في التاريخ المصري الحديث، وخاصة في ما يخص ثورة يوليو ووجهها الآخر، غير الوجه الإعلامي، وما تم تدوينه في كتب التاريخ، التي يتدارسها تلاميذ المدارس.
فالكشف عن ملابسات هذه القضية، والبحث في تاريخ وأفكار ضحايا على شاكلة هؤلاء، هو أمر أكثر من مجرد وثائقي، بل توثيق لهذه الحادثة، سواء بالصورة أو بالحوارات المطولة للشخصيات التي أراد لها الفيلم أن تتحدث عن هذه القضية، ويبدو أن اختيار عنوان الفيلم يوحي بشخصية تريد الحديث عن نفسها، شخصية ظلت صامتة طويلاً، وحانت فرصتها للحديث، وكأنها هي التي تسرد الحكاية بصيغة المتكلم، لا ضمير الغائب، وهي حيلة بلاغية، حتى يتماهى المشاهد أكثر مع ما سيراه من حكاية هذا الرجل، الذي اشتهرت قضيته هو ورفيقه، واختزلت في ذاكرة الجيل الجديد، كمجرد حادثة تاريخية كلما ذُكر تاريخ النضال العمالي في مصر.
توثيق الآراء
نظراً لقِلة الوثائق الرسمية، حلت الحوارات محلها، سواء حوارات الذاكرة، للشخصيات التي كان لها صِلة بالقضية.. كشقيق مصطفى خميس، أو الحوارات التحليلية للقضية لكل من المفكر والمؤرخ صلاح عيسى أو رئيس حزب التجمع ــ لسان حال اليسار المصري ــ (رفعت السعيد)، وخاصة أن الفيلم كشف انتماء مصطفى خميس السياسي، فقد كان عضواً في جماعة «النجم الأحمر»، وهي من الجماعات الشيوعية الكثيرة التي كانت منتشرة في تلك الفترة، والتي كانت بالطبع تناهض النظام الملكي، وتبحث عن العدالة الاجتماعية، وربما كان اتفاقها في الكثير من المبادئ التي نادت بها ثورة يوليو، لكن على أرض الواقع دفع الرجل حياته ثمناً للخروج عن النظام الذي استنته الثورة.
اللحظة الراهنة
كما جاء في أحد أحاديث مخرج الفيلم، بأنه فكّر في هذا العمل منذ عام 1979، لكن ندرة الوثائق والمعلومات عن هذه القضية أجّلت الموضوع طوال هذه السنوات، والذي استغرق إنجازه الفعلي ــ بعد التحضير ــ ما يُقارب العامين. وربما كان هذا التأخير ليخرج الفيلم إلى النور في اللحظة الفارقة التي تعيشها مصر هذه الأيام، وخاصة أنها على مشارف تنصيب حُكم عسكري مرّة أخرى في صورة جديدة، بعد فشل صيغة مدنية خالصة للسلطة العليا في مصر، المُمَثلة في رئيس الدولة.
فهل ستعيد مصر الكرّة وتدخل في نفق مظلم سيمتد بها لسنوات؟ بغض النظر عن الأماني المرجوّة والأغاني الدعائية، والسياسات الإعلامية المعهودة. وقد أصبحت الترجمة السريعة لأي موقف مختلف مع النظام هي تهمة الخيانة والعداء؟ فحالة مصطفى خميس ورفيقه ما هي إلا تذكرة بما حدث، وما يمكن بكل سهولة أن يحدث مرّة أخرى.