عرض: محمد جاد
في ثالث مؤلفاته، يواصل شلومو زاند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، كشف زيف التأريخ الصهيوني، ووجهة النظر الصهيونية في اختراع تاريخ وهمي عنصري لليهود.
فقبل هذا الكتاب الحديث «متى توقفت أن أكون يهودياً؟ وكيف؟»، أصدر زاند «متى اختُرع الشعب اليهودي؟ وكيف؟»، «متى اختُرعت أرض إسرائيل؟ وكيف؟».
ويبدو أنها سلسلة من الكتب تتحدَّث عن حركة التأريخ الملفقة وعواملها وكيفية صياغتها.
ويسعى الرجل خلال هذه المؤلفات إلى تفكيك الرواية التاريخية الصهيونية، والتي تستند إلى خرافات دينية واهية، تحاول الدولة العبرية من خلالها تأصيل شرعية وجودها في فلسطين.
اليهودية وزيف النقاء العرقي
يرى المؤلف أن اليهودية، ككل الديانات، بدأت كديانة تبشيرية، إذ انتشرت في فلسطين وبلاد الشام، وفي صفوف الكثير من القبائل العربية في أرجاء الجزيرة العربية، وفي أوساط أعراق عديدة في شمال أفريقيا، إضافة إلى اعتناق العديد من الدول لليهودية كديانة، إلا أن انتشار المسيحية أولاً ثم الإسلام، أدَّى لانحسار اليهودية في العديد من البلدان، وخاصة في أرجاء العالم القديم في مختلف مناطق الشرق الأوسط، وفي حوض البحر المتوسط.
يشير المؤلف إلى أن انتشار اليهودية في مملكة الخزر كان له عظيم الأثر في التاريخ اليهودي، وانتشار اليهودية.
فهذه التي تأسست على سواحل بحر قزوين كانت وثنية حتى منتصف القرن الثامن، إلى أن تهوّد ملكها، فانتشرت وامتدت، حتى شملت قبائل التتار والترك والتركمان، إلى أن ضعفت مملكة الخزر وانحلت، ما أدَّى إلى هجرة اليهود إلى روسيا وأوكرانيا وبولندا، حتى وسط أوروبا. ونتيجة لهذا الانتشار، بات اليهود في أوروبا الشرقية من الأصول الخزرية يمثلون في القرن التاسع عشر ما يزيد على 80 في المائة من مجموع أتباع الديانة اليهودية في العالم.
وبعد ظهور الثورة الصناعية، هاجر أكثر من ثلاثة ملايين من هؤلاء اليهود إلى وسط أوروبا وغربها، وإلى أميركا.
وبذلك، نجد أن المستوطنين اليهود الصهاينة في فلسطين ليسوا ورثة «بني إسرائيل»، وليسوا من سلالة إبراهيم، وإنما من أحفاد قبائل دولة الخزر، وهو ما يحاول قادة إسرائيل منذ الخمسينات من القرن الفائت السكوت عنه، لأنه يمس مباشرة بمشروعية وجودهم بأرض فلسطين.
يرى المؤلف أن ازدياد انتشار يهود دولة الخزر في مدن وسط أوروبا وغربها، أدَّى إلى ظهور حركتين، كان لهما أكبر الأثر في تاريخ اليهود الحديث، وهما اللاسامية والصهيونية، فاللاسامية طرحت قبل ظهور الصهيونية، وهي فكرة أن اليهود يشكلون أمة وعرقا، وأن فلسطين وطنهم القومي، وذلك في سياق عدائهم لهم، وسعيهم للتخلص منهم وتهجيرهم إلى خارج أوروبا، فما كان من آباء الصهيونية إلا أن يتلقفوا ويتبنوا هذه الأفكار، وخاصة تلك التي ادعت أن اليهود يشكلون قومية، فقاموا بتحويل الديانة اليهودية إلى قومية عرقية، وإلى إعادة كتابة تاريخ اليهود واليهودية من هذا المنطلق وعلى أساسه.
يهودي من دون اليهودية!
ويشير زاند إلى أن إسرائيل تعرّف نفسها بأنها «دولة يهودية»، وأنها دولة «الشعب اليهودي في العالم بأسره». إلا أنها تقف عاجزة ولا تستطيع تعريف مَن هو اليهودي خارج المضمون الديني اليهودي، فجميع المحاولات الإسرائيلية والصهيونية في إسرائيل وفي خارجها، والتي جرت لتعريف مَن هو اليهودي من خلال الانتماء العرقي بواسطة بصمات الأصابع أو DNA، قد باءت بالفشل.
وبما أنه ليس لليهود في العالم لغة واحدة مشتركة، ولا ثقافة علمانية مشتركة، أصبح المعيار الديني هو الوحيد المتبقي لتعريف «اليهودي». وقد نجم عن ذلك أن شددت إسرائيل ومؤسساتها المختلفة على يهودية الدولة، وحرصت دوماً على تعزيز المضمون الديني اليهودي في المؤسسات التربوية والثقافية، وفي مختلف مؤسسات الدولة على حساب القيم الإنسانية، إلا أن المفارقة تأتي حينما بدأت النخب الفكرية العلمانية وقطاع عريض من الطبقة الوسطى العلمانية في الشكوى من الإكراه الديني في إسرائيل، وهو ما يؤرق هؤلاء الآن، لأنهم يريدون أن يبقوا يهوداً من دون اليهودية، ولم يستوعبوا أن ذلك غير ممكن.