
حوار إيهاب علام :
من خلال قراءته للثورات الشعبية التي مرَّت بالتاريخ البشري، يرى وكيل أول وزارة الاستثمار في جمهورية مصر سابقا م. يحيى حسين عبدالهادي، أن الثورة المصرية خالفت كل هذه النظريات، من حيث حجم الاضطراب والتراجع الاقتصادي .
وفي حين يؤكد حسين، الذي فضل العودة لمكانه وبيته الأصلي – مركز إعداد القادة – في مايو 2011، تحت ضغط العاملين به، متجاهلا طرح اسمه كوزير لعدة وزارات بعد ثورة يناير 2011، تقديرا لجهوده في مقاومة وفضح الفساد الذي كان سيتم في واحدة من أشهر صفقات الخصخصة في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك (فهو من تصدى بقوة لصفقة بيع شركة عمر أفندي الشهيرة، متحديا في ذلك الوقت جبروت نظام مبارك، كاشفا ما بالصفقة من تلاعبات وفساد) يؤكد أن إقرار الدستور المصري بهذه الاغلبية الكاسحة، سيعطي دفعة قوية للامام لخارطة الطريق المصرية، إلا أنه يرى أن اختيار رئيس محبوب من الشعب سيكون له مفعول السحر في عودة الاستقرار بشكل شبه كامل إلى الدولة المصرية .
وقد أثار حسين استغرابنا خلال لقائه مع «الطليعة» اثناء زيارته للكويت الأسبوع الماضي، بتأكيده انه ليس ضد الخصخصة، فقد كنا نتوقع أنه سيكون من أشد المعارضين لهذه النظرية الاقتصادية، فهو من شهد بأم عينيه الفساد الذي عادة ما يصاحب هذه العملية، لكن مدير مركز اعداد القادة والمحاضر والاستشاري، قرن اجابته هذه بعدة شروط، لتكون هذه العملية ذات جدوى اقتصادية، على رأسها البعد تماما ونهائيا عن خصخصة القطاعات والشركات الاستراتيجية التي تمثل بُعدا قوميا للدولة، فهذه القطاعات والشركات يجب أن تظل تحت سيادة الدولة، حتى لو كانت تحقق خسائر، والبحث عن مكامن الخلل والاصلاح في حالة هذه الشركات هو الحل وليس البيع، أما باقي القطاعات التي يمكن أن تخطط الدولة لخصخصتها، فيجب أن تكون الخصخصة، وفق دراسات وأسس علمية، حتى لا يتسرب اليها الفساد والمفسدون.
تحدث حسين عن الوضع الاقتصادي والسياسي في مصر وتوقعاته لمستقبل الدولة المصرية، كما تناول العديد من القضايا الأخرى، والتي جاءت في الحوار التالي:
● ما تقييمك للوضع الاقتصادي في مصر خلال السنوات الـ 3 الماضية التي أعقبت ثورة يناير؟
– أولا، يجب أن تعلم أنني قارئ جيد للثورات الشعبية التي حدثت في أكثر من دولة، فضلا عن أنني كنت واحدا من المشاركين في الثورة المصرية، والقارئ للثورات الشعبية، يعلم جيدا أن أي ثورة يعقبها فترة تتراوح ما بين 3 و5 سنوات، وفي بعض الأحيان تزيد على هذا الرقم، تكون هذه الفترة فترة اضطرابات وقلاقل وتوترات، وقد يتفاقم الأمر أكثر من ذلك، ويصل إلى حد المجازر البشرية التي يموت فيها مئات الألوف، وليست مجرد الحوادث العادية. وهذه الفترات تشهد أيضا انهيارات اقتصادية، ولكن – ولله الحمد – الثورة المصرية خالفت كل هذه النظريات، من حيث حجم الاضطراب وحجم التراجع الاقتصادي. ومع تأكيدنا أن كل قطرة دم من أبناء الوطن غالية علينا جميعا، إلا أن كل من قتل أو استشهد منذ ثورة يناير 2011، وحتى يومنا هذا، أقل كثيرا مما يحدث في الثورات الشعبية.
أيضا بالنسبة للوضع الاقتصادي، لم يحدث تدهور اقتصادي كبير، فقد كان البعض يتوقع حدوث انهيار اقتصادي كبير في البلاد، لكن الوضع الاقتصادي في مصر لم يختلف كثيرا عن سنوات ما قبل الثورة، فقد كان الوضع الاقتصادي قبل الثورة سيئاً، وما حدث انه ازداد سوءاً، لكن لم يحدث الانهيار الذي من الممكن أن يحدث عقب الثورات الشعبية. نحن لا ننكر أن هناك بعض المشكلات التي تفاقمت عقب الثورة، وهذا أمر منطقي ومتوقع حدوثه، كما أن هناك طبقات من المواطنين تأثرت كثيرا عن غيرها، وهي الطبقات محدودة الدخل، والتي كانت أوضاعها الاقتصادية متردية من قبل الثورة. لكن الأمر المؤكد أنه لم يحدث انهيار اقتصادي بالمعنى الشامل للكلمة، فلم نسمع عن بنوك أو مؤسسات مالية أفلست، مثلما حدث في بعض الدول الأوروبية التي شهدت انهيارات اقتصادية خلال العامين الماضيين، لذلك أنا متفائل بالمرحلة المقبلة.
● تفاؤلك للمرحلة المقبلة،هل هو مبني على إحساس شخصي، أم على أسس ونتائج بدأت تراها على أرض الواقع؟
– التفاؤل حيال المرحلة المقبلة مبني على المعطيات السابقة التي ذكرتها عن الثورة المصرية، فالثورة المصرية كسرت كل القواعد التي سارت عليها الثورات الشعبية التي شهدها التاريخ، ولديّ يقين بأن الدولة المصرية ستنهض من هذه الكبوة، سواء سياسيا أو اقتصاديا، فالدولة التي تصمد بهذا الشكل، على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الاحتجاجات والاضطرابات تعطل فيها العمل والانتاج، وفقدت غالبية مصادر الدخل، ولم يحدث فيها انهيار اقتصادي، مثلما حدث في دول أوروبية لم تشهد ثورات، أو تعيش نصف الاحداث التي عاشتها مصر، بالتأكيد هي دولة قادرة على تحسين أوضاعها في فترات وجيزة وبشكل سريع. وما يبعث على التفاؤل أيضا أن الدولة لا تزال باقية، ولم يتم تحطيمها، بل على العكس لا تزال متماسكة بأعمدتها ومؤسساتها، من جيش، وشرطة، وقضاء، ومؤسسات تعليمية وعلمية وأكاديمية .
نهج مرسي
● شهد العام الذي تولي فيه د.محمد مرسي الحكم تعيين عدد كبير من المستشارين بمبالغ اثقلت ميزانية الدولة، ومن المعروف أنه في الأزمات يجب تقليص النفقات.. كيف تفسر ذلك؟
– بنظرة بسيطة للوضع الاقتصادي للبلاد في ذلك الوقت، نجد أنه كان لا يتحمل كل هذه الاعباء والتكاليف من تعيينات لمستشارين في القصر الرئاسي ومستشارين للوزراء، ولكن الرئيس في ذلك الوقت لم يفكر نهائيا من منطلق اقتصادي، فالتفكير الاقتصادي الصحيح، يقول إنه كان يجب تقليص النفقات، والبحث عن الكفاءات الاقتصادية، وإسناد الأمور لها للنهوض باقتصاد البلاد الذي شهد تراجعات كبيرة منذ ثورة يناير، وازداد هذا التراجع بشكل كبير في عهد الرئيس مرسي، ولكن مرسي تفكيره كان في اتجاه آخر، وهو مكافأة جماعته ومناصريه بمناصب تدر عليهم أموالا طائلة، حتى لو كان ذلك على حساب الدولة ومستقبلها الاقتصادي. وبالمناسبة الكثير منا كان لا يمانع في تعيين أعضاء من جماعة الإخوان في أي منصب، ولكن بشرط أن تكون هذه التعيينات لأشخاص يتمتعون بالكفاءة والخبرة، ولكن ما انتهجه مرسي هو مكافأة المقربين منه فقط، وتمكينهم من مفاصل الدولة، بغض النظر عن الكفاءات أو الخبرات، فقد كان آخر ما يفكر فيه هو البلد أو الاقتصاد المصري.
مسار صحيح
● المساعدات الخليجية التي قدمتها الكويت والسعودية والإمارات ساهمت في تحريك الاقتصاد المصري.. فهل سيظل الاقتصاد المصري معتمدا على المساعدات الخارجية؟
– إن المرحلة المقبلة من عمر مصر مبشرة بالخير، وهذا القول مبني على واقع، فمصر تسير الآن على المسار الصحيح، ووفق خارطة الطريق المرسومة، التي في حال اتمامها سنكون قد قطعنا شوطا كبيرا نحو الاستقرار، وإذا تحقق الاستقرار، فالمؤكد أن ذلك سينعكس على الاقتصاد، وخصوصا أن الاقتصاد المصري تشكل السياحة فيه جزءا كبيرا جدا، وهذا المكون الاقتصادي خصوصا يحتاج إلى الاستقرار. وإقرار الدستور بأغلبية كاسحة يطمئن لما هو آت، إذ لو كان اقرار الدستور جاء بفارق بسيط، فهذا يعني أن الاضطرابات سوف تستمر، لكن باعتباره أقر بهذه الاغلبية الكاسحة، فهذا يعني أن الشعب المصري توحد على أمر واحد، وبإتمام باقي خطوات خارطة الطريق بإجراء الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية، تكون الدولة قد أكملت مؤسساتها السياسية وتتجه نحو البناء والتقدم.
فساد «عمر أفندي»
● ارتبط اسم يحيى حسين بصفقة شركة «عمر أفندي».. كيف اكتشفت الفساد في هذه الصفقة؟
– من حُسن الحظ أنني كنت عضو لجنة تقييم في هذه الصفقة، وهذا ما مكنني من الاطلاع على تفاصيلها، وكشف أوجه الفساد فيها، وكنت حينها رئيسا لشركة الأزياء الحديثة، وهي من الشركات الكبيرة في مصر، وقد تم اختياري عضوا في تقييم شركة عمر افندي، نظرا لأن الشركة التي كنت رئيسها تعمل في نفس نشاط شركة عمر أفندي، بالإضافة إلى سبب آخر، هو أنني امتلك خبرة في التقييم، حيث انني خبير تقييم في الأساس، هذا بالإضافة إلى خبرتي في مركز إعداد القادة، وقد ضمت لجنة التقييم 15 عضوا، كلهم تقريبا من رؤساء الشركات المشابهة لعمل شركة عمر أفندي.
وفي ذلك الوقت كنت اسمع فقط عن الفساد الذي يتم في عمليات الخصخصة، وكانت مهمتنا في لجنة تقييم عمر افندي، هي تقييم الأصول فقط، فقرار البيع كان قد صدر ولا رجعة فيه، وشركة عمر افندي، قيمتها تكمن في أصولها الثابتة، لأن فروع الشركة والأراضي التي تملكها من أجود وأغلى المناطق في مصر، والغريب أن الشركة في ذلك الوقت كانت تربح، وليست من الشركات الخاسرة، ولكن هذا الربح كان أقل مما ينبغي أن يكون عليه.
ومن الجلسة الأولى كانت هناك تعليمات، أن يتم تقليل قيمة أصول الشركة و«نضع أنفسنا في موضع المشتري وليس البائع»، وهذا أمر كان مستغربا جدا، فنحن المفروض أن نصل لأعلى سعر للشركة، وليس أقل سعر، ولكن وفقا لهذه التعليمات المسبقة، قيمت اللجنة أصول الشركة بـ 1.3 مليار جنيه، فيما كان تقديري القائم على حقائق أن الأصول يتجاوز 3 مليارات جنيه. والاغرب أن تقييم اللجنة الذي يقل عن قيمة الاصول الفعلية بنحو 50 في المائة، عندما عرض على وزير الاستثمار حينها، محمود محيي الدين، ثار وغضب بشدة، ورفض هذا التقييم، وطالب أن يكون أقل من ذلك بكثير، بحجة انه لا يملك إلا عرضا واحدا للشراء، بقيمة 500 مليون جنيه، ولم يأخذ بتقييم اللجنة الذي هو أقل من القيمة الحقيقية، وأسند عملية التقييم لمكتب خاص تتعامل معه الوزارة بصفة مستمرة، وهذا المكتب قيم الصفقة بـ 450 مليون جنيه، بشرط احتفاظ الدولة بالأصول، وهذا يعني بيع حق الانتفاع فقط، ومن هنا تعرقلت الصفقة كثيرا، ومع تخوف الوزير أن ينكشف الأمر امام الرأي العام، طلب من اللجنة عقد اجتماع والتوقيع على محضر أننا اخطأنا في عملية التقييم، ونوصي بالتقييم الآخر، ولكنني رفضت، وابلغت الرقابة الادارية، وابلغت النائب العام الاسبق، ماهر عبدالواحد، وحينها حفظ النائب العام البلاغ، بعد أن كيّف التهمة، على انها «بيع بسعر متدن»، وتناسي جريمة الضغط للتلاعب لبيع أصل مملوك للدولة، على اعتبار أن البيع لم يتم حينها .
● هل واجهت ضغوطا خلال هذه المرحلة أو تهديدات بعدم الحديث والمساهمة في تمرير الصفقة؟
– تعرَّضت لضغوط كبيرة خلال هذه المرحلة، ومنها ما ذكرته سابقا من ضغط على اللجنة، وأنا واحد منها، للتوقيع على أن تقييمنا لأصول شركة عمر افندي لم يكن صحيحا، وأننا اخطأنا في التقييم من أجل تمرير الصفقة. كما كانت هناك ضغوط أخرى، منها انه خلال ثلاثة شهور من بلاغي عزلت من عضوية مجالس إدارة جميع المؤسسات والشركات التي كنت أمثل المال العام فيها بلا استثناء، وتركت رئاسة الشركة التي كنت رئيسها، والغي انتدابي كوكيل أول لوزارة الاستثمار، وتمت اعادتي لمركز اعداد القادة في غير منصبي، فقد كنت رئيس مركز اعداد القادة قبل انتدابي، وعندما عدت لم أعد رئيساً له، وكنت من قبل محاضرا واستشاريا، فأصبحت جالسا في مكتب صغير، وأصبحت محاضرا بلا محاضرات واستشاري بلا استشارات لمدة خمس سنوات، حتى قيام ثورة يناير 2011، كما تم عزلي من عضوية مجلس ادارة كل الشركات التي كنت عضوا فيها، ومنها عضوية مجلس ادارة شركة مدينة الانتاج الاعلامي، وكان غرضهم التضييق المادي عليَّ، وأوقفوا تدرجي الوظيفي، فقد كنت وكيلا أول للوزارة منذ عام 2004.
الخصخصة والفساد
● بعد هذه التجربة، وما شهدته من فساد في عملية بيع القطاع العام.. هل أنت ضد الخصخصة؟
– أنا شخصيا لست ضد الخصخصة، لأنه لا يوجد شيء اسمه نظرية فاسدة، والخصخصة نظرية اقتصادية تستخدم بالقدر المناسب في التوقيت المناسب للهدف الأسمى، وهو تحسين كفاءة الاقتصاد، وبالتالي لا يمكن التعميم والقول بالمطلق إن الاشتراكية سيئة، أو أن الرأسمالية سيئة، والخصخصة لها أكثر من شكل، من بينها البيع الكامل، والبيع الجزئي، وإعطاء حق الإدارة، لكن ما حدث في مصر كان غير علمي، حيث إن مجموعة امانة السياسات في الحزب الوطني برئاسة جمال مبارك في عهد نظام حسني مبارك، لم تأخذ من ادوات الخصخصة إلا شكلا واحدا وهو البيع، ولم يكن لهم من هدف سوى البيع، والبيع بأي سعر ولأي شخص، والمؤكد أنه عندما يتم تطبيق الخصخصة من دون دراسات ومن دون أسس علمية، لابد أن يتسرَّب اليها فساد وفاسدون .
● غالبية صفقات بيع شركات القطاع العام في مصر شهدت فسادا.. هل من الممكن فتح ملفات هذه الصفقات من جديد، والغاء ما يمكن الغاؤه، واعادة التقييم مرة أخرى؟
– موقفي الذي أعلنته من اللحظة الاولى، أن هناك مبادئ يجب الالتزام بها، منها أن الدولة يجب أن تحترم تعاقداتها، وملزمة باحترام الاحكام القضائية، ومع التأكيد أنني ضد بيع وخصخصة شركات مهمة في مصر تم بيعها، لكن اذا كانت هناك شركات تم بيعها في برنامج الخصخصة، ولم يثبت فساد في الصفقة، والمشتري التزم بشروط التعاقد من الحفاظ على العمالة الوطنية وتطوير الصناعة، وعدم الاحتكار، فإن في هذه الحالة يجب احترام التعاقد معه. فليست كل صفقات الخصخصة فاسدة .
وأنا أرى، ويتفق معي الكثير من الاقتصاديين، أن هناك بعض القطاعات الاقتصادية التي يجب عدم خصخصتها تحت أي ظرف من الظروف، وكان يجب على الدولة الاحتفاظ بها وعدم التفريط بها، ومنها الشركات العاملة في الصناعات الاستراتيجية، على سبيل المثال صناعة الاسمنت، فنحن ضد بيع الشركات الوطنية العاملة في هذا المجال، فهذه الشركات هي التي تحدث اتزانا في السوق، وتخدم الصالح العام، والمواطن، ومن غير المقبول بيع 7 شركات أسمنت مصرية للشركات الاجنبية، وكنا نؤيد فتح الباب امام شركات اسمنت قطاع خاص لإنشاء مصانع جديدة والمنافسة من أجل تطوير هذه الصناعة .
● وماذا إذا كانت الصفقة فيها فساد، ولم يلتزم المشتري بشروط التعاقد؟
– الوضع في مصر الآن تغيَّر كثيرا، ومن يملك أي دليل أو مستند، أو كان أحد شهود صفقة من صفقات الخصخصة التي تمت وفيها فساد، وكان يمنعه خوفه من التقدم ببلاغ، يجب عليه الآن أن يتقدم ببلاغ إلى الجهات المختصة للتحقيق في هذه الصفقة، لإحالتها إلى القضاء، واذا حكم القضاء الذي نثق به جميعا بفساد الصفقة، في هذه الحالة يجب اتخاذ الاجراءات اللازمة لعودة هذا الكيان موضع البلاغ إلى الدولة، أما اذا حكم القضاء بسلامة الصفقة، رغم كل الروائح الكريهة التي تفوح منها، في هذه الحالة فعلينا أن نحترم حكم القضاء، فنحن دولة مؤسسات، ولن نحمل سلاحا لاسترجاع شركة تم بيعها، لذلك يجب أن يكون القضاء هو الفيصل في كل صفقة خصخصة يعتقد انها فاسدة.
قطاعات حيوية
● بما انك لست ضد الخصخصة.. هل تؤيد توجه بعض الدول لخصخصة قطاعات مهمة، وعلى سبيل المثال قطاع مثل القطاع النفطي في الكويت؟
– بصفة عامة، لا أؤيد خصخصة القطاعات المهمة والإستراتيجية، ونحن عندما أسسنا حركة «لا لبيع مصر«، كانت الحركة تضم مجموعة من أقصى اليمين الذي يؤمن بالخصخصة والقطاع الخاص، ولكن من منظور وطني يحقق مصلحة مصر، ومجموعة من أقصى اليسار، الذي يؤمن بقدسية القطاع العام، وبينهما مجموعة وسط، وانا كنت ضمن هذه المجموعة، وكنا نؤمن دائما أن الاقتصاد الوطني يقوم على ساقين، الأولى القطاع الخاص، الذي لابد منه، فهو القاطرة التي يحركها حافز الربح، وهذا الربح يجعل هذا القطاع يبحث عن التطور والتقدم، ونحن كدول نامية نحتاج إلى التقدم والتطور، والساق الاخرى هي القطاع العام، وهو القطاع الذي لا يرتكز على الربح بشكل اساسي، بقدر ما يحقق قدرا من العدالة الاجتماعية، وهو الضمان لعدم وقوع الدولة تحت سيطرة ورحمة القطاع الخاص، ويجب أن نشجع الاثنين معا، وأن تزال العقبات من امام الاثنين معا .
ولكن عندما يكون هناك توجه من الدولة نحو خصخصة بعض القطاعات، هنا يجب أن يكون هناك خبراء وطنيون يقسموا القطاعات الاقتصادية إلى اقسام رئيسة القسم الاول، انشطة و صناعات غير استراتيجية وقد تكون هذه الانشطة خاسرة، وهذه يمكن خصخصتها، ومن أمثلة ذلك في مصر شركات التجارة الداخلية، والقسم الثاني هي الصناعات الاستراتيجية التي لا يجب بأي حال من الأحوال خصخصتها، حتى لو كانت خاسرة، فهذه القطاعات حيوية، ويجب أن تظل تحت يد الدولة، ويجب عدم تسليمها لأي مستثمر، سواء كان محليا أو اجنبيا، وإذا كانت هذه القطاعات تعاني خللا أو عدم الربح، فيجب اصلاح هذا الخلل، لا بيع هذه القطاعات. اما القطاع الثالث، فهو بين القطاعين السابق ذكرهما، وهو قطاع ليس استراتيجيا، ويمكن تحسين انتاجيته عبر الاصلاح وتغيير القيادات القائمة عليه، وهذا القطاع يمكن الاستعانة بالقطاع الخاص لإدارته لتحسين ادائه وتطويره مقابل نسب يتم الاتفاق عليها، مع الاحتفاظ به تحت ملكية الدولة. ولكن ما حدث في مصر كان بيعا جماعيا وعشوائيا لأصول الشعب المصري التي لم يفوضهم أحد لبيعها، فعملية الخصخصة حتى تتم لها شرطان اساسيان لتنفيذها، أولهما لابد أن يوافق المالك، وهو الشعب، فهذه الاصول ملكية عامة، والشعب المصري لم يستفتى على عملية الخصخصة، لا استفتاء حقيقيا ولا حتى استفتاء مزورا، والشرط الثاني أن تكون في مناخ ديمقراطي يضمن قدرا كبيرا من الشفافية.
تجربة «الكويتية»
● لو تحدثنا عن تجربة الكويت مع الخصخصة التي بدأت أولى خطواتها بخصخصة الخطوط الجوية الكويتية، هل تؤيد خصخصة شركة حيوية مثل هذه، وبما انك تقول إن التلاعب في عمليات الخصخصة يكون دائما في الأصول فهل تقييم أصول هذه الشركة عادل؟
– حتى أكون صادقا في الاجابة، لا تتوافر لدي المعلومات الكافية حتى أحكم اذا كان تقييم أصول هذه الشركة عادلا ام لا، لكن انا أؤمن بمبادئ عامة، وهي ان هناك قطاعات يجب ان تحتفظ الدولة بها حتى لو خاسرة، وعليها أن تعين قيادات لهذا القطاع تتمتع بالكفاءة تحول هذه الخسائر إلى ارباح، ضمن هذه القطاعات شركات الطيران الوطنية، فعلى سبيل المثال لا يمكن بأي حال من الاحوال التفكير في خصخصة شركة مصر للطيران، فهذه الشركة رمز للدولة، وهذا الكلام معمول به في كثير من الدول الاوروبية، وكثير منها تعتبر خصخصة الناقل الوطني أمرا مرفوضا، وفي الوقت ذاته هذه الشركات تحقق نتائج جيدة.. اذن المشكلة تكمن في الادارة، وليس في كون هذه الشركات ملكية عامة، ومن ثم يجب اصلاح الخلل لا الهروب من المشكلة ببيع مثل هذه الشركات، وعلى هذا القياس اعتقد انه لا يجب خصخصة الخطوط الجوية الكويتية.