أميركا تتجسس على الجميع وتقتل مَنْ تشاء!

التجسس الأميركي
كتب محرر الشؤون الدولية:
تعالوا نتخيَّل شخصا ما وسط مجموعة كبيرة جداً من المسافرين يتوجه إلى بلد يُعد محط هبوط ركاب مسافرين آخرين متوجهين إلى هذا البلد، أو ركاب ترانزيت في مطارها وعددهم اليومي بالآلاف من دون توقف لتدفقهم إلى مطار هذه الدولة.. وفوق ذلك هذا الشخص غير معروف ونادراً ما ظهرت صوره على صفحات الصحف، أو لم تظهر إطلاقا، كما أنه يحمل جواز سفر ليس باسمه وكنيته الصحيحين، بل باسم آخر لا يمت لاسمه ومركزه بصلة.. ينزل هذا الشخص لمدة يومين، لا أكثر، في أحد فنادق هذه الدولة، ومن ثم يغادرها إلى جهة أخرى، وهي وجهته الرئيسة، لكن خلال الفترة التي قضاها في فندق هذه الدولة تتم تصفيته، بعد متابعته من بلد المغادرة إلى بلد التوقف المؤقت، قبل أن يصل إلى وجهته الرئيسة التي يريد.
تتبع المبحوح
إنه محمد المبحوح، القيادي العسكري في حركة حماس، الذي غادر دمشق في طريقه النهائي إلى الصين، وتوقف في دبي، ونزل بفندق ليس بعيداً عن المطار، وجرى تتبعه من قِبل الموساد الإسرائيلي، ثم تصفيته بكل هدوء.. لم يكن جواز سفره يحمل الاسم ذاته الأصلي له، ولم تكن تظهر صوره في الصحف، كحال الآخرين، مثل خالد مشعل أو إسماعيل هنية وغيرهما من القيادات الفلسطينية السياسية، ومع ذلك جرت متابعته وعُرف مكان نزله ورقم غرفته.
نزل في مطار دبي وسط حشد كبير من القادمين والمغادرين، وكلنا يعلم وشاهد الأعداد الكبيرة في مطار دبي، بحيث يصعب ملاقاة شخص تعرفه، ومع ذلك جرى تتبعه بصورة مذهلة.
التجسس الأميركي
هذا يقودنا إلى ما أعلنه الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي، إدوارد سنودين، عن تجسس المخابرات الأميركية على المكالمات الهاتفية الخلوية والتراسل الإلكتروني ومتابعتها منذ عام 2001 .. حتى الزعامات الغربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، أو لنقل المتمازجة قلبا وقالبا معها، لم يشفع لها ذلك، لتكون بمنأى عن تتبع مكالماتهم، كما جرى للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل.. وبالطبع، فإن تجسس وكالة الاستخبارات الأميركية على قياديي ومسؤولي التنظيمات الفلسطينية أكثر كثافة وأشد متابعة.. يكفي معرفة رقم هاتف أحد الأشخاص، لمتابعة مكالماته، وحتى مكان وجوده اليومي، بكل سهولة ويسر، كما ظهرت معلومات أخرى عن التعاون الوثيق بين الاستخبارات الأميركية والموساد الإسرائيلي، لتزويده بجميع المعلومات التي يحصلون عليها، بما في ذلك المعلومات الخاصة بعدد من المواطنين الأميركيين، ويتم أحيانا تزويده بها في الوقت ذاته الذي يتم إرسالها للدوائر الأميركية.. هذه الشريحة الخليوية كافية لتتبع أي شخص، وخصوصا إذا كان قيادياً بحجم القيادي العسكري محمد المبحوح، أو أي قيادي آخر، حيث عن طريق هذه الشريحة يتم رصده، ويمكن تتبعه بسهولة من بين الجموع، كما تُسل الشعرة من العجينة، كما يمكن معرفة مكان إقامته، وفي أي حجرة يسكن، ومتى يغادر حجرته أو يعود إليها، مهما غيَّر في أوراقه الثبوتية، أو أحجم عن الظهور الإعلامي، فالشريحة الإلكترونية في جهازه الخلوي كافية لإظهار شخصيته الحقيقية، مهما عمل على التخفي أو التواري عن الأنظار.
فضيحة كبرى
عملية التجسس الأميركية ليست فقط لجمع المعلومات، بل للاستفادة منها لمزيد من القتل مباشرة عن طريق طائرات «الدروم»، أو دول حليفة لها كإسرائيل، لتتم تصفية من تريد تصفيتهم بواسطة أجهزة مختصة بهذه المهام.. هذه هي الطريقة الوحيدة التي أتاحت للموساد الإسرائيلي تتبع محمد المبحوح خلال سفره من سوريا وتوقفه بضع أيام في دبي لاستكمال زيارته للصين.. فالجاسوسية لم تعد بالجواسيس الذين يلبسون المعطف والنظارات المعتمة، بل بشريحة الهاتف النقال التي تحدد موقع الشخص المستهدف وتقضي عليه.. إن ما أعلنه وكشفه سنودين من ممارسات أميركية تشكل أكبر فضيحة لسلوكيات الولايات المتحدة بأيديها الغارقة بالدماء، حتى لو كانت لضحايا أبرياء، كما يحدث في أفغانستان واليمن وباكستان، حيث يسقط يوميا أبرياء تحت قصف طائرات «الدروم»، وليس من حق المستشارة الألمانية أو غيرها من الأوروبيين أن يحتجوا فهم لايزالون على قيد الحياة، ولم يتم قتلهم كالآخرين في مناطق أخرى.
Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.