في ضوء تشكيلة الحكومة الجديدة.. وزارات الاقتصاد في مهبّ المطبات والافتقار إلى الكفاءات المطلوبة

كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
لم يكن التشكيل الحكومي الجديد مفاجئاً لنا بأي حال من الأحوال، فلم يخرج هذا التشكيل عن المتوقع، ولا نقصد هنا بالمتوقع، توقع أسماء الأشخاص، بل نقصد نمط وأسلوب اختيار الوزراء، فلم يختلف التشكيل الحكومي الجديد عن التشكيلات السابقة، إذ جاء الاختيار أيضا على نمط المحاصصة والمحسوبية والولاء، والإرضاء، والاستجابة لضغوط نيابية مُورست خلف الكواليس.

ورغم اختلاف الأسماء في أكثر من حقيبة وزارية، فإن النهج في اختيار الوزراء لم يتغيَّر عن الأنماط السابقة في جميع التشكيلات الوزارية السابقة، وللأسف الشديد، هذا سلوك سياسي لا يتماشى مع متطلبات الوضع الراهن، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبني دولة متقدمة متطورة في شتى المجالات، كما أن هذا السلوك لا يمكن أن يتواكب مع تطور الأوضاع السياسية أو الاقتصادية المتلاحق إقليميا وعالمياً.

فهذا التطور المتلاحق يحتاج إلى انتقاء وزراء وقيادات قادرة على الإنجاز، حتى في أصعب الظروف. وقد كنا نتوقع، أو بالأدق نأمل، أن يكون التشكيل الحكومي الجديد، وخصوصا في ما يخص الحقائب الاقتصادية، التي هي موضع حديثنا (وزارة المالية، النفط، التجارة والصناعة)، بداية تغيير النهج المتبع سابقاً في إدارة دولة مثل الكويت، ذات إمكانيات مالية وجغرافية متميزة، وأن يكون التشكيل الحكومي الجديد بداية الإصلاح الذي ننشده منذ زمن في الحقائب الاقتصادية، ولكن للأسف جاء التشكيل الحكومي الجديد، وكما ذكرت “الطليعة” في افتتاحية الأسبوع الماضي “تكرارا ممجوجا لسياسات ثبت فشلها الذريع على مرّ السنين”.

خيبة أمل

كنا نأمل أن يكون 2014، عام إصلاح الاقتصاد الكويتي، باختيار وزراء أكفاء ذوي اختصاصات وخبرات مشهود لها بالكفاءة والقدرة على القيام بالمسؤوليات المطلوبة منهم، ويملكون القدرة على اتخاذ قرارات إصلاحية تتواكب مع الإصلاحات الاقتصادية التي يشهدها العالم أجمع، ولكن التشكيل الحكومي الجديد لم يحمل معه أي ملمح من ملامح الإصلاح، فالوزارات التي ترتبط بالاقتصاد، تحتاج إلى من ينتشلها من التردي الذي تعانيه على مدى أكثر من حكومة سابقة، فقد فشلت الحكومات المتعاقبة في تحسين أداء هذه الوزارات والقضاء على التخبط والبيروقراطية وحالة “اللاإنجاز” التي تسيطر عليها.

وزارة اللجان

وعند النظر إلى الحقائب الوزارية الثلاث المرتبطة بالاقتصاد، نجد أنه تم اختيار د.علي العمير لشغل وزارة النفط، واختيار هند براك الصبيح وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل ووزير دولة لشؤون التخطيط والتنمية، في حين شغل وزير التجارة والصناعة (السابق) أنس الصالح حقيبة وزارة المالية.

أنس الصالح
أنس الصالح

وبتحليل هذه الاختيارات، نجد أن وزير المالية أنس الصالح (وزير التجارة السابق)، كان هناك الكثير من المآخذ على أدائه خلال توليه حقيبة وزارة التجارة والصناعة، ففي عهده تحوَّلت “التجارة” إلى وزارة لجان، وتعاقدات مع مكاتب استشارية عالمية ومحلية بمبالغ طائلة، حتى انه اطلق عليها «وزارة اللجان»، وكأن الوزارة مهمتها فقط تشكيل اللجان وليس العمل، وكان آخر هذه التعاقدات الاستعانة بجهة خارجية لتقديم استشارات لتطوير الأداء في الوزارة بعقد تصل قيمته لنحو 600 الف دولار لمدة شهرين، وهي كلفة عالية جدا بالنظر إلى قصر المدة الزمنية، فعند احتساب هذه الكلفة على المدة الزمنية المحددة، نجد أنها تصل إلى 10 آلاف دولار في اليوم الواحد، في تكرار لتجارب لجان سابقة تشكلت بغرض تطوير الأداء، وتراكمت تقاريرها على الأرفف، وتكرار أيضا لسياسة فاشلة في الاعتماد على اللجان والجهات الاستشارية لمعالجة الخلل في الأداء من دون تحرك من الوزارة نفسها.

وقد حطمت وزارة التجارة في عهد الوزير أنس الصالح، الرقم القياسي في الاستعانة بالمكاتب الاستشارية وتشكيل اللجان في عام واحد، فقد بلغ عدد اللجان التي شكلتها هذه الوزارة خلال ما يزيد على العام بقليل إلى حوالي 7 لجان، وأثارت هذه اللجان العديد من التساؤلات لدى المراقبين حول الهدف منها، وخصوصا أنها كانت تضم أشخاصا بعينهم، وتكلفت مبالغ مالية كبيرة.

كما أن الوزير أنس الصالح، وقبل تدويره إلى «المالية»، كان بصدد تكليف مكتب استشارات عالمي لوضع استراتيجية صناعية شاملة لدولة الكويت، لتوضيح الصورة المستهدفة للقطاع الصناعي على المديين الحالي والبعيد، وكان من المتوقع أن يتم تكليف مكتب استشاري عالمي لوضع هذه الاستراتيجية، على أن يقوم البنك الدولي بالإشراف على صياغة هذه الاستراتيجية، لتكون جاهزة قبل نهاية النصف الاول من 2014.

تقارير ديوان المحاسبة

يضاف إلى ما سبق، ما كشفت عنه تقارير ديوان عام المحاسبة عن العام المنصرم من الكثير من المخالفات التي ارتكبتها وزارة التجارة، حيث أشار التقرير الأخير لديوان المحاسبة إلى انقطاع بعض الموظفين عن العمل في الوزارة لفترات طويلة، واستمرار الوزارة بصرف رواتبهم الشهرية، بالمخالفة للمادة 81 من نظام الخدمة المدنية وقرار مجلس الخدمة المدنية رقم 3 لسنة 1981. ومن المخالفات التي رصدها الديوان أيضا تعيين 45 موظفا بالمكتب الفني، وصرف مرتباتهم بإجمالي تجاوز 596 الف دينار سنوياً، على الرغم من عدم وجودهم على رأس عملهم للقيام بالمهام المكلفين بها، هذا بالإضافة إلى جملة من المخالفات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها.

ورغم أن الوزارة أفادت بأنه تم سحب كشوف الموظفين المنقطعين عن العمل ومخاطبة الوكلاء المساعدين بشأنهم، وسيتم إيقاف صرف رواتبهم، وأعلنت في الوقت ذاته عن تشكيل لجنة مشتركة مع مراقبي شؤون التوظيف في ديوان الخدمة المدنية، لحصر المخالفات التي أبداها ديوان المحاسبة ومعالجتها، وزعمها أن شريحة واسعة من هذه المخالفات متراكمة منذ فترات طويلة، ولم تكن نتاج عمل عام أو عامين، فإن ذلك لا ينفي أن الوزير الصالح لم يتحرَّك لإصلاح المخالفات والتجاوزات في وزارة التجارة، سواء كانت حدثت في عهده، أو في غير عهده، فالقيادات مهمتها دائما إصلاح المخالفات، أيا كان زمن حدوثها، فلا يعقل أن يترك المسؤول الفساد والخلل، لمجرد أنه لم يحدث في عهده! والوزير الصالح لم يتحرَّك لإصلاح التجاوزات في «التجارة»، إلا بعد مطالبة الديوان للوزارة بالتحرك لإصلاح هذه المخالفات، ولو لم يتنبه الديوان إلى هذه المخالفات، لظلت لسنوات وسنوات من دون أي تحرُّك.

ورغم كل الأموال التي تنفقها وزارة التجارة سنويا على اللجان والمكاتب والشركات الاستشارية، لم نر حتى وقتنا هذا تغيرا يدل على أن هذه اللجان والمكاتب الاستشارية كانت ذات منفعة، فلم يختلف الوضع كثيرا داخل وزارة التجارة والقطاعات التابعة لها، فـ «التجارة» اعتمدت خلال رئاسة الصالح الحلول السهلة، وتصدير المشكلات إلى جهات أخرى، حتى يظل الوزير بعيدا عن المسؤولية. وعلى الرغم من كل ذلك، تمت مكافأة الوزير الصالح بوزارة هي عصب الاقتصاد الكويتي، وهي وزارة المالية، فهل سنرى قريبا وزارة المالية تتحوَّل إلى «وزارة لجان»، مثلما حدث في وزارة التجارة؟!

وزارة النفط

علي العمير
علي العمير

أما الحقيبة الاقتصادية الثانية، فهي وزارة النفط والتي تقلدها د.علي العمير، فعلى الرغم من أن العمير متخصص في الكيمياء والمجالات البترولية وعمل في معهد الأبحاث، ويمتلك خبره طويلة، إضافة إلى أنه سياسي قديم، فإن توزيره يبدو أنه جاء على الأرجح بعد الضغط العنيف من قِبل أطراف نيابية، من أجل التوسع في التوزير من أعضاء المجلس، وكسر القاعدة التي دأبت عليها الحكومات المتعاقبة بتوزير نائب وحيد كمحلل دستوري للحكومة، ومن هنا تم توزير نائبين د.علي العمير وزيرا للنفط وشؤون مجلس الأمة، واستمرار عيسى الكندري وزيرا للمواصلات.

ومن المؤكد أن وزير النفط، د.علي العمير، سيواجه مصاعب جمة، وخصوصا مع الحديث مجددا عن قضية غرامة «الداو»، وطلب عقد جلسة خاصة لها، وهي القضية التي أطاحت بوزير النفط الأسبق، هاني حسين، والذي لم تتم الصفقة في عهده، وقد تكون هذه القضية المحطة الأولى لتصادم الوزير مع نواب المجلس.. أما المحطة الثانية، فقد تكون فشل المشروعات النفطية الخارجية لمؤسسة البترول الكويتية.
ولا شك أن العمير تسلَّم حقيبة وزارية مليئة بالأشواك والعراقيل، وكانت هذه الحقيبة على وجه الخصوص تحتاج إلى أحد أبناء القطاع، ليكون ملما بكل كبيرة وصغيرة في هذا القطاع، وقريب من العاملين فيه، ومن ثم يعرف «علل القطاع» وكيفية وضع الدواء لها. كما كان لابد من تغليب المصلحة العامة على الاصطفافات السياسية.

التنمية غائبة

وبالانتقال إلى الحقيبة الثالثة، وهي وزارة التخطيط والتنمية، والتي شغلتها هند الصبيح، بجانب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فالأمر يدعو إلى الاستغراب من دمج حقيبة وزارية مناط بها وضع وتنفيذ الخطط التنموية في البلاد مع حقيبة وزارية أخرى، ومن الظلم وضع الوزيرة تحت ضغط كبير بتحميلها مشاكل وزارتين في آن واحد.
وكان الأجدر بالحكومة اختيار وزير للتنمية يملك القدرة على تحريك المشروعات التنموية المتعطلة منذ سنوات، ومحاولة بث الروح مجددا في المشروعات التنموية التي ماتت. ولكن يبدو أن الحكومة لا ترغب في «التنمية»، لذلك أثقلت الحمل على شخص واحد، وأوكلت إليه حقيبتين في آن واحد، من أجل أن تفشله في الاثنين معا.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.