تباينت الآراء والتحليلات الاقتصادية حول قرار البنك المركز الأوروبي نهاية الأسبوع الماضي، بخفض سعر الفائدة الرئيسة على القروض، لتصل إلى أقل مستوى قياسي جديد، في ظل تراجع معدل التضخم، وتعثر التعافي الاقتصادي لمنطقة اليورو.
فالبعض يرى أن هذه القرار مناسب جدا، وتوقيته جيد، وخصوصاً في ظل تراجع معدلات التضخم في القارة العجوز، ما يشجع على عمليات الاقتراض، ويسهم في الانتعاش الاقتصادي الذي تنشده أوروبا منذ فترة، في حين يرى البعض الآخر أن القرار كان يجب تأجيله لبعض الوقت، انتظارا للبيانات الاقتصادية لمجمل العام 2013، وبعدها يمكن تحديد ما يقوم به المركزي الأوروبي على ضوء هذه البيانات والأرقام.
وكان البنك المركزي الأوروبي خفض سعر الفائدة الرئيسة نهاية الأسبوع الماضي إلى مستوى قياسي، بخفض جديد بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 0.25 في المائة، وذلك في محاولة لدعم التعافي الاقتصادي الضعيف لمنطقة اليورو، بعد إظهار بيانات تراجع مفاجئ في معدلات التضخم.
وجاء خفض الفائدة ربع نقطة مئوية على خلاف المتوقع بدرجة كبيرة، وهو يظهر قلق «المركزي» الأوروبي إزاء تباطؤ التضخم في منطقة اليورو، الذي وصل إلى 0.7 في المائة في أكتوبر الماضي، وهو معدل أقل بكثير من هدف «المركزي» الأوروبي في الحفاظ على مستويات تضخم تكون أقل من 2 في المائة بقليل، ولا تصل إلى هذا المستوى المتدني. وأبقى «المركزي» على سعر الإيداع الذي يدفعه على ودائع البنوك عند صفر في المائة، لكنه خفض سعر الاقتراض المخصص للاقتراض الطارئ.
وجاء في نفس توقيت هذا القرار تخفيض وكالة التصنيف الائتماني (ستاندرد آند بورز) تصنيفها لديون فرنسا طويلة الأجل بالعملتين الأجنبية والمحلية درجة واحدة إلى «AA» من «+AA» نهاية الأسبوع الماضي.
وقالت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز»، إن مستوى البطالة المرتفع يضعف الدعم اللازم لاتخاذ اجراءات جديدة مالية وهيكلية، مبينة أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الفرنسية لن تعزز فرص النمو الاقتصادي في المدي المتوسط بنسبة كبيرة. وغيَّرت “ستاندرد آند بورز” نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني الفرنسي إلى مستقرة من سلبية، وقالت: «إن النظرة المستقرة المستقبلية تعكس رؤيتنا لالتزام الحكومة باحتواء صافي الدين العام».
وظهرت نتائج تخفيض سعر الفائدة، وتخفيض تصنيف ديون فرنسا طويلة الأجل سريعا على أسواق العملات، حيث تراجع اليورو بشكل حاد عقب القرار أمام الدولار الأميركي، متراجعا بنسبة تجاوزت 1 في المائة، ليسجل أدنى مستوى في 7 أسابيع أمام الدولار.
وسار على نفس النهج الأسواق المالية، إذ تراجعت الأسهم الأوروبية بشكل حاد نهاية الاسبوع، بعد أن كانت سجلت أعلى مستوياتها في 5 سنوات منتصف الأسبوع الماضي، وكانت أسهم البنوك الفرنسية من أكبر الخاسرين، إذ إن قرار «ستاندرد آند بورز» بخفض التصنيف الائتماني لفرنسا وقرار خفض الفائدة الأوروبية جددا المخاوف بشأن انكماش اقتصاد منطقة اليورو مرة أخرى.
على الجانب الآخر، لم تتأثر أسواق المال الأميركية بشكل كبير بقرار خفض الفائدة الأوروبية، ولكن مكاسبها كانت محدودة، بعد أن أظهرت البيانات أن الاقتصاد الأميركي سجل نموا أقوى من المتوقع في الربع الثالث للعام الحالي، مثيرا مخاوف من أن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قد يعمد إلى تقليص إجراءات التحفيز بعد هذا النمو.
وكانت بعض الأوساط الاقتصادية تكهنت بإقدام «المركزي» الأوروبي على اتخاذ خطوة تخفيض الفائدة، كرد فعل على التراجع الأخير بمعدل التضخم بالدول الـ 17 الأعضاء بمنطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، ولكن ليس في هذا التوقيت، ما يثير مخاوف بنتائج عكسية لهذه الخطوة، ولم يكن هذا التخفيض التاريخي بواقع ربع نقطة، متوقعا حدوثه بهذه السرعة، وخصوصا أن التخفيض الأخير للفائدة قام به «المركزي» في مايو الماضي، ولم تمر عليه إلا فترة وجيزة.