
كتب محرر الشؤون المحلية:
في عام حط وفد غربي إلى الكويت واجتمع مع مسؤولين وكانت مهمته في ذلك الوقت بحث تنفيذ الحصار على المواد المحظور تصديرها إلى العراق أيام صدام حسين، تنفيذاً للقرار الأممي، بفرض حظر على عدد من المنتجات على العراق بعد غزوه للكويت.
وكون الكويت دولة محاذية للعراق، ومع سهولة إرسال أي مواد عن طريق البر أو البحر، جاءت زيارة الوفد، للتحقق من تطبيق القرار الأممي. وطلب الوفد الغربي في زيارته تلك لقاء الجهة الرسمية المناط بها متابعة القرار، تنفيذيا، وبشكل يومي، فتبادل المسؤولون الكويتيون النظرات المتسائلة عن تلك الجهة المناط بها متابعة القرارات الأممية من حيث التنفيذ الفعلي، ووجدوا في النهاية أنه لا توجد جهة بعينها تقوم بتنفيذ ومتابعة الحظر، بل لا يوجد مسؤول يتولى هذا الأمر ضمن جهاز فني محدد بالمهام الموكلة إليه.. استغرب الوفد الأجنبي، إذ كان أعضاؤه يتوقعون وجود إدارة مستقلة تعنى بتنفيذ هذا القرار، وتتابع مع الأمم المتحدة بشكل مباشر، وتتولى تطبيق القرار، بمختلف جوانبه، واتضح وقتها للجانب الكويتي قبل الأجنبي أنه لا توجد إدارة أو هيئة رسمية تعنى بتنفيذ ومتابعة القرار الأممي.. مجرَّد قرارات تائهة بين الإدارات تطبق مقولة «إنما الأعمال بالنيات».
تصريح الغانم والسؤال المشروع
هذه الحكاية تذكرنا بالحديث الذي صرَّح به رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، بدعوته لتشكيل الحكومة قبل جلسة السابع من يناير، نظراً لوجود العديد من القوانين التي تم إنجازها لدى اللجان، وينتظر الموافقة عليها، حيث التأخير في تشكيل الحكومة مع الجلسات السابقة التي شهدت استجوابات «التسلية» لبعض الوزراء، أديا إلى تأخير إقرار تلك القوانين، وهنا نتساءل، هل القضية هي إقرار قانون ما لنتمكن من مواجهة قضية أو حالة يتم حلها بموجب ما يصدر من تشريعات؟ بمعنى، هل القانون هو الدواء الشافي لحل قضية ما أم وجود جهات تنفيذية جاهزة لتنفيذ هذا القانون وتكون مستعدة، بل على أشد الاستعداد لتقوم بعملها؟ ألا يوجد قانون للرعاية السكنية تم إقراره منذ سنوات طويلة، وبدلاً من إيجاد تنفيذ سريع ومتواكب مع ما صدر من قانون في سنوات سابقة، نجد العكس بتفاقم المشكلة الإسكانية على مدار السنوات، بحيث غدت من الأمور غير قابلة للحل السريع على ضوء تراكم الطلبات التي وصلت إلى ما فوق المائة طلب؟
«الكويتية» والقانون الرياضي
وكي لا نذهب بعيداً في التاريخ، فقد طلبت الحكومة منذ عام 2007 أن يتم تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية بتشريع قانون يتيح لها تخصيص المؤسسة وتحويلها إلى شركة مساهمة عامة، وبتعاون مع المجلس صدر القانون في بداية عام 2008، وتم منح الحكومة، بموجب هذا القانون، مهلة سنتين، لتنفيذه ودخول الشركة حيّز التنفيذ، ومرَّت سنة تلو أخرى، ولم تحترم المدة المقررة بالقانون، ومرَ على إقرار هذا القانون بانتهاء عام 2013 ست سنوات ولاتزال الجهة التنفيذية «تعك» في تنفيذه، واضطرت في النهاية إلى إصدار مرسوم ضرورة تعالج به الوضع لعل وعسى.
ولاتزال أوضاع الشركة تراوح في محلها، و لم يتم حتى إشهارها من الناحية الرسمية كشركة عامة، وذلك بعد أن صرفت مبالغ كبيرة على عملية التقييم لأصولها، ولكن تبين أن هذه الدراسة غير صحيحة، بعد أن تسلمت الجهات المناط بها إجراء تقييم الأصول أتعابها كاملة، وتم «كبّ» تقييمها في سلة المهملات، باعتباره غير صحيح!
قانون آخر صدر منذ عام 2007، وهو قانون الرياضة، فقد تم تجميد تنفيذه من قِبل الجهات المعنية، وأيضا صدر مرسوم ضرورة لمعالجة التجميد، أو وضع قياسات يريدها البعض على مراده، إلا أن هذا القانون لم يطبق بشكل كامل، بل إن رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم رفض تطبيق القانون، بأن يختار بين منصبين يتولاهما، لكنه لم ينصع لذلك، وكان أبعد ما ذهب اليه وزير الشباب في هذا الأمر هو تصريحه بأن رئيس اتحاد كرة القدم رئيس غير شرعي، وهذا أضعف الإيمان بشأن تطبيق القوانين من الجهة المفترض أن تقوم بتطبيقه.
قانون العمل بالقطاع الأهلي
عام 2010 صدر قانون العمل في القطاع الأهلي، والمادة التاسعة منه نصت على إنشاء هيئة العمل التي تتولى شؤون العمل بإدارة مستقلة عن وزارة الشؤون، كما تم تحديد مدة سنة لتشكل هذه الهيئة، كحد أقصى، يعني مفترض أن يتم تشكيلها في فبراير من عام 2011، وتكون على أتم الجاهزية لتتولى الأعمال، مرّ عام 2011، والذي تلاه والأخير عام 2013 انتهى منذ أيام، ولم يصل بعد إلى تشكيل الهيئة حتى هذا اليوم، ولاتزال المراوحة مكانها، على الرغم من أن هذا القانون كان محل دراسات وبحث لدى الحكومة ومجلس الوزراء ولجان المجلس، وهذه المادة لم تنزل بشكل مفاجئ، بل كانت موجودة في مشروع القانون الذي طال بحثه، ويفترض والحالة هذه أن تكون الجهة المعنية في وزارة الشؤون على أتم الاستعداد لتنفيذه، ولكن بعد مرور ما يقارب الـ 3 سنوات ظلت المادة جامدة من دون تنفيذ.
قوانين مجمَّدة وترهل حكومي
وفي العدد الماضي من «الطليعة»، ورد جرد للقوانين التي صدرت، وظلت أيضا جامدة التنفيذ أو معطلة في تنفيذها على الوجه الصحيح.. المهم الأمر ليس في وجود تشريعات قانونية لنكتفي بحل مشكلة أو تناول قضية ما، بل الموضوع الأساسي، ومن واقع تجارب واضحة، لا يمكن نكرانها، هو في تراخي الجهة التنفيذية، ممثلة بالحكومة، وبعض إداراتها في تنفيذ وتطبيق هذه القوانين والتشريعات، ولا نجد أي مبرر لتصريحات رئيس مجلس الأمة بالمسارعة في تشكيل الحكومة، فبالحكومة أو عدمها لايزال العجز مستمراً في تنفيذ القوانين، ولاتزال الإدارة الحكومية مصبوغة بالترهل في بعض جوانبها لتنفيذ القوانين وتطبيقها فعليا.
مثال ناصع على الإرادة
وذكرنا في وقت سابق تجربة يفترض أن نكررها دائما كمثال على حُسن الإدارة وإرادة التنفيذ، عندما تم التفكير في وضع قانون للتأمينات الاجتماعية، حيث قام مجموعة من المعنيين، وعلى رأسهم حمد الجوعان، بالعمل ليل نهار، وعلى مدار الأيام، لوضع أساس قانون التأمينات الاجتماعية ولوائحه التنفيذية.
وما إن حل شهر أكتوبر من عام 1977، إلا وكانت كافة الإجراءات والنماذج جاهزة للتطبيق، وتم استخدام الحاسبات الآلية، ووقتها كانت الحواسيب يغلفها الإبهام وقلة المعرفة وصعوبة استخدامها، ولكنهم بالإرادة والتصميم تغلبوا على جميع هذه الصعوبات، وباشرت مؤسسة التأمينات الاجتماعية عملها في أكتوبر من عام 1977 من دون تعطيل أو تأخير، كما نشهده الآن، ولو أن هذا القانون صدر في السنوات الأخيرة، فحتما كان سيتم وضعه من سنة لأخرى في زوايا التجميد والتعديل بمراسيم أو غيرها، ويتعامل معه على «الهون والسعة بالبال».
السلطة التنفيذية وواجب المراقبة
فقبل إقرار القوانين القادمة، يتوجب على السلطة التنفيذية أن تتولى تنفيذ القوانين المجمَّدة في ثلاجاتها، أو تعلن بشكل صريح أنها غير قادرة، وترفع الراية البيضاء، بدلا من التباهي بإصدار القوانين والتشريعات، لتبقى في النهاية معلقة من دون تنفيذ.
فيا رئيس مجلس الأمة، عليك في البداية المراقبة ثم المراقبة في تنفيذ القوانين، ولا سيما أن لك باعا في الشأن الرياضي قبل دخولك مجلس الأمة بسنوات، وتعلم ما يدور في الساحة الرياضية على الأقل، ومنها تستطيع مراقبة الأداء الحكومي تجاه تنفيذ القوانين الرياضية، كما عليك العودة لتوصيات سابقة لمجلس الأمة، دعت بموجبها ديوان المحاسبة إلى التدقيق في الأمور المالية الخاصة بالجهات الرياضية، إلا أن الديوان، وبرسائل رسمية، لم يتح له أداء مهمته حتى الآن، وأغلق عليه الجانب الرقابي المالي، بموجب التوصية التي صدرت في مجلس الأمة برئاسة السيد جاسم الخرافي.
مراقبة التنفيذ أجدى أحيانا من التشريعات الجديدة لدى جهة شبه عاجزة عن التنفيذ.