كتب آدم عبدالحليم:
لم يحافظ نواب الأمة المتعاقبون على الإرث الحقوقي الذي تركه لهم رجالات الكويت الأوائل بعد صياغتهم لدستور 62، بما يحتويه من باب كامل للحريات مكون من 18 مادة، والذي جاء متناغما حينها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صدر قبل سنوات من إقرار الدستور، بل على العكس تماما، فقد صاغت أطراف نيابية قوانين تتعارض كلية مع باب الحريات.
لا جديد
فوفقا لسجلات أنشطة النواب في مجلس الأمة، فقد اقتصرت نظرة النواب المتعاقبين وتحركاتهم في السنوات الأخيرة لمفهوم حقوق الإنسان على قضايا البدون، واختزلوا ذلك في طلبات بتشكيل لجان مؤقتة لغير محددي الجنسية وحقوق الإنسان، فالمجلس لم يقدّم جديداً في ملف حقوق الإنسان، كونه التفت فقط إلى ما يطلبه الناخب، فضلا عن خلط الأوراق الذي مورس على خلفية المفهوم، بشكل عام وبعض القضايا الإنسانية الأخرى.
والمتابع لتلك اللجان المؤقتة يدرك تماما أنها بمنزلة ديكور أو جسر للعبور من ضغط شعبي، ولذلك لم يكتب لتلك اللجان اكتمال نصابها لست مرات في دور انعقاد واحد، فلجنة حقوق الإنسان في دور الانعقاد الثاني لمجلس 2009 لم تجتمع سوى مرة واحدة تم فيها انتخاب الرئيس ومقرر اللجنة.
اقتراح «قص ولصق»
ولم يختلف الوضع التشريعي كثيرا، فقد اقتصر الأداء النيابي التشريعي على مقترح بقانون واحد فقط «الهيئة الكويتية لحقوق الإنسان»، والذي ظهر للمرة الأولى في مجلس 96، ومنذ ذلك التاريخ أصبح ذلك المقترح مجرد اقتراح مكرر «قص ولصق»، يتقدَّم به بعض النواب، وقد حدث ذلك في أعوام 99 و2003 و2005، ثم في عام 2011 بعد تغيير الاسم «الهيئة العامة لحقوق الإنسان»، وأخيرا «الديوان الوطني لحقوق الإنسان»، والذي طالب أحد النواب الحكومة بسرعة إنشائه، للتصدي لتقارير حقوق الإنسان المغلوطة التي تشتكي منها «الخارجية».
وخلال تلك الفصول التشريعية لم يسعَ النواب مقدمو ذلك الاقتراح المتكرر إلى تكوين «لوبي نيابي»، للضغط والدفع به إلى مرحلة التصويت، أو حتى الخروج بتقرير من اللجنة المختصة وعرضه على المجلس.
وعلى صعيد الاقتراحات برغبة «اقتراحات غير ملزمة للحكومة»، تقدم أربعة نواب في فصلين تشريعيين منفصلين باقتراح برغبة واحد يتعلق بضرورة تدريس مادة حقوق الإنسان في مناهج التعليم المختلفة، وتطوير تلك الدراسة والتوسع فيها لاحقا، لتكون مادة أساسية مستقلة، ليتوقف ذلك الاقتراح بعد تقديمه عند مخاطبة اللجنة الوزير المختص غير المعني بالرد.
لجنة مؤقتة
وفي ما يتعلق باللجان، فقد تقدَّم أكثر من نائب في فصول تشريعية مختلفة بمقترح بقانون لتعديل اللائحة الداخلية للمجلس، وجعل لجنة حقوق الإنسان لجنة دائمة مع اللجان الدائمة الأخرى، ولم تختلف محصلة تلك الاقتراحات عن محصلة «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان»، فلم تصل إلى مرحلة التصويت، لتظل لجنة حقوق الإنسان لجنة مؤقتة ينتهي دورها بانتهاء الموضوع المنظور أمامها أو انتهاء دور الانعقاد.
وبالنسبة للجانب الرقابي، لم تذكر «حقوق الإنسان» في أي من الاستجوابات المقدَّمة، وكذلك الحال مع الأسئلة البرلمانية، التي قدمت لعدد من الوزراء، مع استثناء عدد قليل من الأسئلة عن بعض المغردين، لكنها وصفت بأسئلة ذات طابع سياسي، وما ورد عن حقوق الإنسان جاء جسرا لأغراض سياسية، فضلا عن سؤالين عن أوضاع العمالة وحقوقها الإنسانية، واستفسارات في فصول تشريعية سابقة عن تقارير نشرتها جهات ومنظمات دولية عن الوضع الحقوقي في الكويت، ولم تسجل وثائق مجلس الأمة «حتى الآن» ردوداً على تلك الاستفسارات والأسئلة القليلة.
خلط كبير.. وصمت الأغلبية
وعلى صعيد التصريحات النيابية، فقد جاءت تلك التصريحات «مسيسة» وشابها خلط كبير بين مفهوم حقوق الإنسان والقضايا التي يتبناها النائب وأولوياته، كقضية البدون على سبيل المثال.
واللافت للنظر في التصريحات النيابية، أنها أخذت في بعض الأحيان شكل الدفاع بالوكالة عن الحكومة من قِبل بعض النواب في مناسبات حقوقية عدة، فقد وصف تقرير منظمة هيومان رايتس الأخير، الصادر في أبريل الماضي، والذي سجل ملاحظات عدة على مواجهة وزارة الداخلية التظاهرات الشبابية من قِبل بعض الأطراف النيابية حينها بالمفبرك، عقب تصدي عدة نواب له، وقيامهم بالتشكيك في نواياه غير الموضعية، واتهامهم المنظمة بأن مبادئها صهيونية، وتتلقى تمويلا من دول مشبوهة.
يأتي هذا، في ظل صمت الأغلبية العظمى من النواب، في أوقات انتهكت فيها مجالات حقوق الإنسان في الكويت خلال فترة الحراك الشبابي وحملات الاعتقال، والأغرب أنه أثناء الحملة على الوافدين وتسفيرهم الصيف الماضي، بسبب المخالفات المرورية تحدث أغلب النواب في المجلس المبطل الأخير كمؤيدين لقرارات التسفير، على الرغم من أنها تخالف القانون، وهناك من طالب منهم بإنشاء مستشفيات تستقبل المواطنين فقط، من دون غيرهم من الوافدين أو منع استقبال الوافدين في المستشفيات الحكومية لتخفيف الزحمة.
وعلى صعيد الحكومة ودورها التشريعي، فلم يلحظ لها نشاط متجاوب مع حقوق الإنسان، ولم تتبنَ الحكومة قوانين تتعلق بالقضية، بل على العكس تماما، فإن الحكومة كانت تصوّت ضد رفض إنشاء لجنة حقوق الإنسان كلجنة مؤقتة في مرات عدة، بحجة رفض مبدأ اللجان المؤقتة، فضلا عن أنها لم تضع في أولوياتها أي شيء يتعلق بحقوق الإنسان، ولم تتبنَ مشروعاً بقانون لإنشاء هيئة تكون مظلة لحقوق الإنسان في الكويت، إلى جانب عدم ردها على الأسئلة التي استفسرت عن أوضاع حقوقية.