النظرة الإسرائيلية نحو العرب.. استعلاء وازدراء وتهكم

المحاضر ديفيد وينبرغ
المحاضر ديفيد وينبرغ

كتب محمد الغربللي:
منذ اليوم الأول في حرب عام 1967، وتحديداً في ساعات الفجر الأولى من صباح 6 يونيو، قامت الطائرات الإسرائيلية بتوجيه هجمات جوية متواصلة ضد القواعد الجوية العسكرية المصرية، ودمَّرت ما يقارب السلاح الجوي المصري والطائرات على الأرض، لتتمكن بعدها من شن هجومها الأرضي في سيناء، وغدت القوات البرية المصرية الموجودة هناك من دون غطاء جوي يحمي أسلحتها من دبابات ومدافع، ومن دون غطاء جوي يقوم بدور دفاعي ضد الهجمات الجوية الإسرائيلية، وأصبحت سيناء مكشوفة أمام القوات الجوية الإسرائيلية، تشن بطلعاتها هجمات متواصلة على الجيش المصري، الذي اندثر في صحاري سيناء، من دون قيادة، ضمن عملية انسحاب عشوائي، بعد تلقيه الضربة الجوية الأولى.. هذا ما بات معروفا في ما بعد، حيث ظهرت الفضائح في القيادات العسكرية المصرية، وعلى رأسهم المشير عبدالكريم عامر، وتحته القيادات الأخرى التي اتبعت مسلكه الشخصي.. قبل هذا التاريخ، وتحديداً في شهر مارس من عام 1967، نشرت المجلة الإسرائيلية التي تصدر أيضا بالعربية «هاعولام هزا» أي «هذا العالم»، تقريرا يبين الاستراتيجية الإسرائيلية في حال حدوث نزاع بين إسرائيل ومصر خاصة، أو الدول المحيطة بها، وذكرت تفصيلا أن المهمة الأولى التي سيقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي، هي تدمير سلاح الجو المصري، قبل أن يتمكن من استخدامه، ومن ثم تقوم القوات الأرضية الإسرائيلية بالدخول إلى سيناء واحتلالها حتى قناة السويس، وتتفرغ في ما بعد للجبهات العربية الأخرى، بعد أن تحمي نفسها من قوة النيران المصرية.. وهذا ما حصل بالفعل من تطبيق هذا السيناريو المنشور قبل أشهر من بدء العدوان.. وهنا ظهرت مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان «بأن العرب لا يقرأون، وإن قرؤا لا يفهمون».

ويبدو أن هذه الصفة لاتزال موجودة، بعد مرور عقود من الزمن، وهذا النعت لايزال ملتصقا بالأنظمة العربية، على الرغم من تنامي وتكاثر وسائل الاتصال وتطورها بشكل خارق للتخيل، قياساً بعقود سابقة.. فقد نشر على موقع يوتيوب جزء من المحاضرة التي ألقاها الإسرائيلي ديفيد وينبرغ في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية، حيث يعمل هناك، وهو يهودي كان يقيم في كندا، وحط رحاله في إسرائيل منذ عام 1990، ولا يزال هناك، ومعروف على الساحة الإسرائيلية.

الغرور الإسرائيلي

هذا كان نص جزء من المحاضرة التي ألقاها الإسرائيلي وينبرغ في شهر يونيو الماضي، وتحمل عدة صفات متداخلة بالصلف والغرور الإسرائيلي، ازدراء العرب ضحية الأنظمة العربية التي جعلتهم يتعرضون للسخرية والتهكم، كما أنه يرسم صورة بانورامية للأوضاع العربية السائدة حاليا، وقراءة مبدئية عن أوضاعنا في المستقبل.. على مستوى مصر والأردن اللتين ترتبطان باتفاقيات سلام مع إسرائيل، أو الدول العربية الأخرى بغير ارتباط أو اتفاقيات رسمية معها.. نوع من الاستعلاء القائم على القوة التي يتباهى بها أمام مستمعيه وسط إعجابهم أو قهقهاتهم عندما تزيد جرعة الاستعلاء أو التهكم.. فنحن العرب بالنسبة إليه لا شيء.. مجرد منتجين للنفط، وهذا كل ما عندنا لنقدمه، وفي هذا الأمر، لابد أن يعود للتراث اليهودي بأن الله وهب أرض اليهود اللبن والعسل، كما ورد في التوراة، وقد وجدوا اللبن باستخراج الغاز من البحر المتوسط في حقول يفترض أن تكون تابعة لمصر وليست في إسرائيل، بل استولت عليها في ظل سبات مصري عميق، وقد تحدث عدد من العلماء والكُتاب المصريين عن هذا الأمر بمناسبات سابقة، ومنهم الكاتب فهمي هويدي.. وفي المحاضرة ذاتها تلك يتحسَّر على أن الأوضاع في الأردن لم تصل إلى حالة التردي السائدة في بلدان عربية أخرى.. وعندما يتحدث عن «الربح الصافي» الذي جنته إسرائيل، فيعني ذلك أنها لم تتكبَّد أي مصاريف قتالية قادت أوضاع الدول العربية التي ذكرها إلى هذا المستوى من السوء والتردي.. مكاسب حققتها لهم أطراف أخرى جعلت هذه الدول تسير نحو منحدر من التردي.

الوضع الفلسطيني

هذا الصلف والازدراء الإسرائيلي يعانيه الشعب الفلسطيني على مدار الساعة في الضفة والقطاع.. وتنقل لنا وسائل الإعلام التلفزيونية يوميا حالة الفرح الفلسطيني والابتهاج بقيام إسرائيل بإطلاق سراح 26 أسيراً فلسطينياً أمضوا أكثر من عشرين عاماً في المعتقلات الإسرائيلية، فقط 26 أسيراً ضمن الدفعة الثالثة، فخروجهم يأتي بالطريقة اليهودية بالأقساط.. وهذا العدد لا يشكل شيئا نسبة لأعداد الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، حيث يبلغ عدد الأسرى 4643 أسيرا، موزعين على سبعة عشر معتقلا في السجون الإسرائيلية، أي نسبة من سيطلق سراحهم لا يشكلون إلا نصف في المائة من عدد الأسرى.. وإن كانت محاضرة وينبرغ تتصف بالصلف والازدراء، فالحكومة الإسرائيلية تطبق فعليا هذه المقولة وسط صمت عربي ودولي مخيف.. ففي الأسبوع الماضي اتخذت اللجنة القانونية في الحكومة الإسرائيلية قرارا، باعتبار منطقة الأغوار المحاذية للحدود الأردنية منطقة إسرائيلية، حالها كحال مرتفعات الجولان التي ضمَّتها إليها إسرائيل في أعوام سابقة وحال مدينة القدس الموحدة تحت الولاية الإسرائيلية، وكأنه يقول للسلطة الفلسطينية «طز» كبيرة في مفاوضات السلام التي تتعززون بها.. أو تحاولون بين فترة وأخرى التهديد بإيقافها.

حال العرب

هذه هي حال العرب اليوم، اقتتال مذهبي لعين.. أنظمة مهترئة لا تعمل إلا على ترسيخ حكمها، بعيداً عن الديمقراطية وكرامة وحقوق الإنسان.. همّها ديمومة كراسيها، وسياستها مبنية على التخلف والعودة للقرون الوسطى.. وما هذه المحاضرة وهذا الفعل الإسرائيلي إلا جزء بسيط من المنظور الإسرائيلي العنصري تجاه الدول والشعوب العربية، فضلا عن أمر غلاة الصهاينة الذين خرجوا بتظاهرات وحرق إطارات السيارات، لأن الحكومة الإسرائيلية قررت الإفراج عن 26 أسيراً فلسطينياً.

ويبدو أن حالنا مستمرة في عدم متابعة تصورات وأهداف إسرائيل، وهذه السمة لم تعد محصورة في دول عربية بعينها، بل أصبحت عامة، بحيث إن البعض لا يبدي أي خجل، بل يتباهى باستقبال شمعون بيريز، مجرم مذبحة قانا في لبنان، والبعض الآخر يتصوَّر أنه كبير ويمثل دولة عظمى بعقد مباحثات سرية مع إسرائيل.

هذه هي حالنا نحن الشعوب العربية، التي لاتزال راضخة تحت أنظمة بعيدة عن القراءة والمتابعة، وتعمل على أن تبقى شعوبها على السبيل ذاته.

جزء من محاضرة ديفيد وينبرغ

لأهمية المحاضرة، ننقلها حرفياً كما وردت، أو الجزء المنقول منها على موقع يوتيوب، يبدأ وينبرغ محاضرته التي ألقاها على الحضور في معهد بيغن السادات في شهر يونيو من العام الماضي بقوله:

«الجيش العراقي لم يعد موجودا، الجيش السوري نقص 50 في المائة عما كان عليه منذ سنتين، الجيش المصري الذي كان يتكون من 40 فرقة عسكرية لم يبق منه ربما سوى 7 فرق نشطة غير متآكلة أو فاسدة.. التهديد العربي على إسرائيل قد تبخر.. المجتمعات العربية كما تعلمون من ليبيا إلى تونس عبر مصر إلى سوريا ولم تصل بعد إلى الأردن تزلزلهم صراعات داخلية وخلال عقدين أو أربعة عقود ستعصف بهم صراعات داخلية، وتفاوت اقتصادي واحيتاجات، وستعجز إمكانياتهم عن شن هجوم منسق ضد إسرائيل بالأسلوب العسكري التقليدي تماماً، وقبل مناقشة التهديدات الناشئة والمخاطر التي تتعرض لها إسرائيل يجب أن نعتبر أن هذا ربح صاف لإسرائيل له أهمية طويلة المدى وهائلة. الآن كلنا نعلم أن هناك مخاطر جديدة تظهر السيطرة الديكتاتورية التي كانت على بلد كمصر، حيث اخترقت الأجهزة الأمنية كل نواحي المجتمع، لم يكن بإمكانك أن تتجشأ أو تتنفس أو تتمخط من دون علم شخص ما عنها، كل ذلك اختفى، مرسي ليس له سيطرة على شوارع القاهرة، فما بالك في رمال سيناء؟! وأيا كان من سيبرز كزعيم أو كأحد الزعماء في سوريا المقسمة لن يتمكن من نفس القدرة على السيطرة الدكتاتورية على الدولة التي امتلكتها مخابرات الأسد، وهذا يخلق إمكانية لصراع عظيم، وكلنا يعلم أخطار مخزون الأسلحة التي تأتي للمنطقة، سواء من إيران أو من روسيا.. كل هذا يشكل تهديدات أمنية على إسرائيل، ويجب أن نتعامل معها في الأعوام القادمة، وربما في العقود التالية، لكن التهديد العسكري التقليدي والخوف الإسرائيلي من هجوم عسكري جماعي لمصر والعراق وسوريا كما كان في عام 1973 قد انتهى.. انتهى والشكر للرب لقد انتهى، ولهذا أقول لكم مرة أخرى إسرائيل تنتصر (تصفيق) من الناحية التاريخية العظيمة وبالطبع إسرائيل ستنتصر، انظروا إلى المجتمع الذي نخلقه في إسرائيل، وانظروا إلى إبداع المجتمع الإسرائيلي، وانظروا إلى الحياة في إسرائيل، وكيف تنبض الحياة، انظروا إلى أولادي، وعدد تخصصات أولادي، عندما أنظر إليهم أرى مساهماتهم المستقبلية في المجتمع الإسرائيلي، وأنظر إلى أصدقاء أولادي الذين يقومون بأشياء أخرى مثيرة بشكل مشابه، عندما أنظر إلى هذا أقول يا له من شباب رائع لدينا في إسرائيل ويا لها من دولة قوية، (تصفيق). أنا لا أقول هذا لأشمت، أولا أكون عنصريا، من المهم بالنسبة لنا من حيث المنظور المستقبلي أن نسأل ما هي المساهمات الخلاقة التي ساهم بها العالم العربي الإسلامي حولنا للعالم خلال المائة عام السابقة؟ ما التكنولوجيا التي اشترتها.. الفيسبوك، وياهو ومايكروسوفت وإنتل من السعودية؟! (ضحك) ما هو ناتج العالم العربي من كل تلك الدول العربية الكثيرة حولنا إذا نحينا البترول؟ (ضحك) ومرة أخرى لا أقصد الإساءة للعالم العربي أو نبذه والشماتة فيه، لكن أريد أن أعزز في عقولنا كم نحن أقوياء، وكم هو مجتمعنا نابض بالحياة ويمتاز بالإبداع، إسرائيل أصبحت فخورة بما ينبغي لنا، وكم نحن على صواب في الاستمرار في ادعائنا بأن إسرائيل عضو نبيل في المجتمع الدولي، ونقوم بالمساهمة في هذا العالم، ومن المهم لنا أن نتذكر ذلك، نحن لدينا دولة رائعة، ونفعل حتى الآن أشياء عظيمة للشرق الأوسط وللعالم (تصفيق) نسيت.. الآن لدينا غاز (تصفيق حار) اللبن والعسل، مازلنا نبحث عن العسل والبترول، لا أظن أننا سنجد الكثير منه، لكن لدينا بترول طَفْلَة تحت أغلب أراضي وسط إسرائيل، وقد نحتاج إلى 50 سنة لاستخراجه».

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.