
كتب محرر الشؤون العربية:
ستة أيام تفصلنا عن الاستفتاء على الدستور المصري خلال يومي 14 و15 من هذا الشهر، ولاتزال الساحة المصرية، بشوارعها ومدنها، تشهد التظاهرات الرافضة للاستفتاء والتغييرات التي جرت بعد 30 يونيو الماضي، وأودت بالرئاسة وقياديي حزب الحرية والعدالة إلى السجن، بمختلف التهم، وأدت أيضا إلى اتخاذ قرار، باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.. وهذا موضوع آخر.. أما بشأن الدستور المصري الجديد، أو كما يحدد بالسنوات دستور 2012، فقد أقرته لجنة الخمسين، وتم إقراره مادة مادة في هذه اللجنة التي رفعته إلى الرئيس المصري.. ولكن شاب هذا الإقرار بعض الملابسات، كما يروي د.محمد أبوالغار لصحيفة الشروق المصرية في عددها الذي صدر في 18 ديسمبر الماضي، بشأن الفقرة التي تم تغييرها والمبينة في الدستور «مصر حكمها مدني»، وهذه الفقرة قرأت في ختام أعمال اللجنة، بعدها تمت دعوة أعضائها إلى حفل عشاء من قِبل المؤسسة العسكرية، ووزعت المؤسسة نسخا مطبوعة ومميزة للدستور الذي تم إقراره، وظهر في ما يخص هذه الفقرة «مصر حكومتها مدنية»، وليس كما ورد في النص الأصلي «مصر حكمها مدني»، فاحتج عدد من الأعضاء من لجنة الخمسين على ما اعتبروه نوعا من التزوير، ثم ارتأت الأغلبية منهم عدم إثارة الموضوع، حتى لا تتأثر عملية الاستفتاء القادم، ويضيف د.أبوالغار أنه عند قيام رئيس اللجنة عمرو موسى بقراءة الديباجة، ذكر أن «حكومتها مدنية» و»بعدين اتلجلج وقال يعني حكمها مدني.. يعني بالمختصر المفيد عك وخلاص»، وختم د.أبوالغار «بالعك كونه حصل تغيير أيوه حصل تغيير ما قالولناش؟ لأ ما قالولناش.. ده تزوير وعمر موسى عايز يعدي الموضوع ومش عايز مشكلة». وأوضح أن السيد عمر موسى «كرْوَت» الفقرة التي وردت في ديباجة الدستور، وخاصة أنه خرج من مذهب أمين عام جامعة الدول العربية، وهي مدرسة عليا «بكرْوَتة» البيانات وتلقي القبلات وإجراء التسويات والموافقات بطريقة حب الخشوم وقبلات الملاطفة والاحتضان.. ولديه تجربة وباع في ذلك، من واقع تجربة فعلية امتدت لسنوات ما بين دول متخالفة غير متحالفة، ولا يجمعها إلا صور تلتقط في الاجتماعات، على مستوى القمة أو على مستوى وزراء خارجية الدول العربية.. ويعزو البعض إجراء هذا التعديل ما بين مصر «حكمها مدني» إلى «حكومتها مدنية» إلى جبر خاطر حزب النور السلفي ومحاباته، لمشاركته في لجنة الخمسين، ودعوته المستمرة بالتصويت بنعم للدستور.
قادت الإملاءات الإقليمية المليارية إلى قيام حزب النور باتخاذ هذا الموقف.. على خلاف حزب الحرية والعدالة الذي فقد كل شيء من رئاسة دولة إلى لاعب رئيسي في السياسة المصرية، جراء أخطاء وخطايا كبيرة ارتكبها خلال توليه رئاسة الدولة المصرية أو بعدها.. وأتى هذا التغيير إرضاء للتيار السلفي الذي صبغ لجنة الخمسين بطابع إسلامي، ولم يقاطعها أو يقف موقفا مماثلا لحزب الحرية والعدالة الإخواني، وكان لابد من إرضائه على موقفه الذي أعطى غطاء دينيا للمؤسسة العسكرية التي تدير كل شيء.
عينان مراقبتان
الآن هناك عينان تراقبان الوضع في مصر، عين على الاستفتاء المقرر إجراؤه بعد أيام، وأخرى على الرئاسة المصرية.. الأولى تريد من الاستفتاء أن يأتي بنتائج كبيرة وذات أغلبية صارخة بالمشاركة فيه – ولهذا جهزت وزارة الداخلية بقيادة الوزير محمد إبراهيم كل أدواتها لإنجاح هذه المشاركة، وهذه خطة أولى – والثانية أيضا أن تأتي النتائج بالموافقة على الدستور بـ«نعم»، بغرض إثبات أن الشعب المصري مع الدستور بأغلبيته الساحقة المجلجلة، رداً على الأصوات التي تنادي بالشرعية السابقة.. ولإظهار أن حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين لا يعكسون إلا أقلية الشعب المصري من أصوات الناخبين.. إذن، الهدف ليس الموافقة من عدمه على دستور 2012، بل أن تأتي المشاركة باكتساح والموافقة عليه بنسبة عظمى، للرد على كافة الأقاويل والانتقادات التي تصدر من أطراف أوروبية أو أخرى.
عين الرئاسة
العين الثانية على الرئاسة، وهل تأتي الانتخابات الرئاسية قبل النيابية أو العكس.. في هذا أفتى رئيس الجمهورية بإمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً ولا يوجد أي «عوار» دستوري في هذا الشأن، وبعدها تأتي الانتخابات النيابية، وهذا الأمر لم يحسم بعد حتى الآن حتى يتم إقرار الدستور في الاستفتاء.. ومع ذلك هناك حملة متواصلة ومن كافة الأطراف عدا حزب الحرية والعدالة وبعض القوى السياسية الأخرى، حملة تدعو لانتخاب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الفريق عبدالفتاح السيسي للرئاسة.. حملة بدأت في حملة «كمل جميلك»، ولاتزال مستمرة لدى بعض الإعلاميين والفنانين، لكي يتقدَّم السيسي، الذي لم يحسم موقفه بعد لمنصب الرئاسة.. وحتى سيدة الشاشة العربية كما تلقب الفنانة فاتن حمامة ذهبت إلى أن يكون هناك «سيسيان» وليس «سيسي» واحدا.. الأول كوزير للدفاع والثاني للرئاسة.. ويبدو أن الفنانة تريد استنساخ عدة «أسيسة» لتولي الأمور في مصر!
نوع من عسكرة المجتمع وعودة قوية للمؤسسة العسكرية التي حسمت أمرها لتولي أو إعادة تولي الأمور في مصر.. وحتى مجلة الأطفال «سمير» التي صدرت عام 1956، والذي كان من يتابعها عند صدورها في ذلك الوقت قد وصل اليوم إلى مشارف السبعين من العمر، وضعت على أحد أغلفتها الأسبوعية «سمير»، وهو يلبس الزي العسكري ويحمله رفاقه الآخرون على الأكتاف!
حتى الأطفال لم يسلموا من تجييش المجتمع.. على كل، الفريق السيسي لم يحسم أمره بعد، فهو ليس على استعجال من أمره، مادام الدستور أو مسودته التي تم إقرارها تمنح المجلس العسكري حق تعيين وزير الدفاع وليس الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء، كما أن ميزانية الجيش التفصيلية لا تناقش في المجلس النيابي.. نوع من التحصين الكامل للمؤسسة العسكرية تعييناً ومالياً.. إضافة لذلك، فالمشاكل كبيرة جداً في مصر، سياسية واقتصادية وإجتماعية وخدمية، ولا تريد المؤسسة العسكرية ولا تستعجل لأن تحرق أوراقها أمام حل هذه المشاكل، كما يتم تصويرها في الإعلام.. فتركة مبارك كبيرة، وقد يكون في بعض جوانبها نوع من الاستعصاء عن الحل.. وبالتالي تفضل المؤسسة العسكرية الابتعاد عن خشبة المسرح، على أن يتم إخراج الأمور من وراء الكواليس، كما حدث في ديباجة الدستور.