تركيا: تجربة الإسلاميين تترنح

رجب طيب أردوغان
رجب طيب أردوغان

كتب محرر الشؤون الدولية:
ها هي التجربة التركية التي تمنى عديدون في بلادنا العربية محاكاتها، تشارف على سقوطها المريع، لتسقط معها شعارات العدالة والتنمية والنزاهة، ولتسفر عن تجربة أقل من عادية في السلطة، وللسلطة ومن أجل ديمومتها، وليكون السقوط بفعل «الحزب القائد» الذي اعتقد في لحظة بأنه امتلك الدين والدنيا معا.

وما زاد التجربة انكشافا، أنها لم تكن لتعدو كونها مجرد سياسة من سياسات التسلط الاستبدادي المغلفة بسولفان التدين، وبالتالي كان لابد لها من السقوط في اعتبارات الرأي العام المحلي والخارجي، في انتظار سقوطها الفعلي، جراء التظاهرات الاحتجاجية في الشارع، والتفاعلات التراكمية على كل الأصعدة البنيوية التي تشكل النظام والسلطة من جهة، والمعارضة الشعبية والسياسية من جهة أخرى.

وفي أجواء الفضائح التي تطعن بنزاهة السلطة، استمر نزيف الاستقالات من حزب «العدالة والتنمية»، على خلفية فضيحة الفساد التي طاولت وزراء مقالين، ليرتفع عدد النواب المستقيلين، بإعلان ثلاثة يمثلون الشق الليبيرالي في الحزب انسحابهم، وبينهم وزير الثقافة السابق أرتورول غوناي الذي اتهم الحزب الحاكم منذ 2002 بـ «الغطرسة وعرقلة عمل القضاء في التحقيق ضد الفساد».
ترافق ذلك مع انقسام القضاء حول الفضيحة التي رفض الجيش التدخل في سجالاتها.

وغداة كشف المدعي العام المكلف التحقيقات معمر أكاش، مواجهته ضغوطاً منعت توسيع التحقيق، بادر رئيسه المدعي العام الجمهوري طوران شولاك إلى تكذيبه وإصدار أمر بعزله، بحجة أنه لم يطلعه على التحقيقات منذ بدايتها.

في المقابل، عطل مجلس الدولة، أعلى سلطة قضائية إدارية، مرسوماً حكومياً مثيراً للجدل يجبر رجال الشرطة على إبلاغ رؤسائهم قبل تنفيذ أي عملية اعتقال في البلاد، كونه «مخالفاً لأبسط قواعد النزاهة، ويخضع القضاء لسيطرة الحكومة».
ووسط هذه التطورات، نشرت صحيفة «سوزجو» وثائق رسمية تؤكد طلب المحقق أكاش اعتقال بلال نجل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، من بينها وثائق تكشف رفض الشرطة تنفيذ أوامر النيابة العامة والمحكمة.
بهذه الأزمة المستجدة، يواجه أردوغان أسوأ أزمة منذ تولي حزبه السلطة في العام 2002.

بعد أن اضطر وفي رد قاس على حملة توقيفات واسعة ضد الفساد جرت في 17 ديسمبر، وطالت الكثير من مقربيه، وشوهت صورته، إطلاق عملية تطهير غير مسبوقة في صفوف الشرطة، متهما إياها بعدم اطلاعه على إجراء تحقيق واسع حول الفساد. ونشر المرسوم المعني في أعقاب عمليات تطهير في قوى الشرطة أدَّت إلى إقالة أكثر من مائة مسؤول كبير.

وفي شأن المؤسسة العسكرية، أفاد بيان نشر على الإنترنت لرئاسة أركان الجيش بأن «القوات المسلحة التركية لا تريد التدخل في النقاش السياسي».

ويعيش أردوغان أزمة غير مسبوقة، تضعف موقفه فيما يواجه احتجاجات في الشارع في عدد من المدن التركية الكبرى، حيث نظمت تظاهرات تطالب باستقالة حكومته.
وبعد ستة أشهر على حركة الاحتجاجات التي هزت سلطته، دعا عدد من الأحزاب والتنظيمات المقربة من المعارضة إلى تجمُّعات ضخمة في أنقرة وإسطنبول في ساحة «تقسيم» الرمزية، للمطالبة برحيل أردوغان وحكومته.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.