
كتب محرر الشؤون المحلية:
كان لقاء صاغته الصدفة البحتة في مطار الكويت، حيث الاكتظاظ البشري في أروقة المغادرين، بعد أن ضاق بكثرة المسافرين والقادمين يومياً، ولم يعد قادراً على استيعابهم بصورة سلسة، بعد تزايدهم مع صغر المساحة بالأعداد المتزايدة، ليضاف هذا المرفق إلى الحالة المزرية بشكل عام، قياساً بالدول الأخرى التي كانت مطاراتها في منتهى التواضع.. هذه هي حالة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي تحوَّلت إلى شركة مع وقف التنفيذ، حيث لاتزال عقلية السلطة والأوامر والنواهي الحكومية هي السائدة.
نعود إلى المصادفة، ليقول من تحدَّث إليَّ إن ما تحتاجه الكويت هو «الانفراد» بالقرار لتنفيذ كافة الخطط في إعادة البنى التحتية التي مضى عليها زمن من دون تطوير يذكر.. وذكرها ليس باسم «الانفرادية» في اتخاذ القرار، بل «الدكتاتورية» كما سمعها هو في زيارة له إلى كوريا الجنوبية في رحلات العمل التي كان يقوم بها سابقاً، حيث قال له الكوريون إن الكويت بها كوادر وأموال تستطيع فعل ما تشتهي من تطوير، فقط عليها القضاء على المشاركة الشعبية أو صيغة الحكم التي بدأت منذ عام 1961 وقت الاستقلال.
ويبدو أن محدثي كان معجبا بالرأي الكوري ومتبنياً للرأي الحكومي القائل بأن مجلس الأمة هو من يعطّل التنمية والتطوير، كلما صادفت الحكومة إخفاقاً في الأداء أو سوء إدارة، فالأخطاء والفساد ليسا منها، بل تقذفهما على المجلس.
عهد الشيخ عبدالله السالم
أجبت محدثي، أنه عندما أطلق على الكويت درة الخليج ظهر هذا الوصف أيام المرحوم الشيخ عبدالله السالم، الذي دعا الشعب الكويتي لاختيار أعضاء المجلس التأسيسي لصياغة الدستور، وكان باستطاعته أن يعيّن كافة الأعضاء، ولكنه عاد لشعبه، لتقرير النصوص الدستورية، وهذا يعني في الواقع أننا سبقنا زماننا، مقارنة بما يجري حاليا في مصر عندما تم اختيار خمسين عضوا لصياغة الدستور المقرر الاستفتاء عليه في يناير الجاري، ففي عهد الشيخ عبدالله السالم، وعلى الرغم من الإمكانات المالية القليلة قياساً للآن، تم إنشاء العديد من الخدمات من مدارس حديثة تضاهي أو تفوق المدارس في دول متقدمة في ذلك الوقت، كالكلية الصناعية، وثانوية الشويخ والمدارس النموذجية في مراحلها المختلفة، ويكفي أن نعرف أن مستشفى الصباح تم بناؤه وتجهيزه بكافة المعدات خلال سنتين من الزمن. كما جرى تمدد عمراني كبير في فترة قصيرة من الزمن، لذا أطلقت تسمية الكويت درة الخليج، قياساً بالمحيط الإقليمي، سواء العراق أو الدول العربية الأخرى المحيطة.. ولم يقف الأمر بالنسبة للمرحوم الشيخ عبدالله السالم عند هذه الخطوات، بل تعداها في المبادرة إلى كبح جماح قوى من السلطة كانت رافضة لهذا المنهج، ومنهم وزير الأوقاف في أول تشكيل حكومي بعد أول مجلس أمة، والذي استقال من الوزارة بعد سنة من توليه المنصب.
الصورة المعاكسة للاستفراد
وأكملت لمحدثي بأنه يرى الصورة المعاكسة عندما تم حل مجلس الأمة عام 1976 ولمدة أربع سنوات كاملة ومع وجود فوائض مالية كبيرة، إلا أن الحكومة بأدائها المتواضع جرّت البلاد إلى كارثة اقتصادية واجتماعية كبيرة جداً عندما شاركت بصورة مباشرة أو غير مباشرة بسوق المناخ، وإنشاء شركات المقفلات.. وكانت كارثة كبيرة ليس على المستوى المالي والاقتصادي فقط، بل بزراعة قيم اجتماعية أساسها ملكية المال وانتفاء القيم الخيرة في المجتمع المرتكزة على العطاء والعمل الجاد والإنماء الحقيقي.
والصورة أيضا لا تختلف عن الانفراد الثاني الذي تفردت فيه السلطة بإدارة الدولة ما بين عام 1986 وحتى الغزو العراقي.
بداية كانت السرقات على أشدها، من شركة ناقلات النفط والاستثمارات الكويتية في مكتب لندن إلى شراء شركات سيئة، كشركة سانتافي الأميركية، وتوج الأمر بالغزو العراقي، الذي لم يحسب له أي حساب سياسي أو عسكري.. هكذا، كانت الأمور عندما استفردت السلطة بقراراتها وسياستها طوال فترتين من الزمن لمدة ثماني سنوات.. وبالتالي من هذا الواقع، فإن مقولة الكوريين ونصيحتهم لمحدثي ليس لها أساس عند محاكاة الوقائع التاريخية.
الحكومة القادمة وأزماتها
كان هذا الحديث بداية عن قيام الوزراء بتقديم استقالاتهم لرئيس الحكومة.. والتساؤل كان عن مصير الحكومة القادمة، ليس ببرنامجها، بل بنهجها السياسي القادم، حيث إن هذا النهج محاط بجو من الأزمات من داخلها أو خارجها، ففي الداخل نجد أطرافا من أسرة الحكم لم تعد ممثلة في الحكومة، وكان آخرهم وزير الخارجية السابق د.محمد الصباح الذي استقال من منصبه بعد فضيحة التحويلات المالية وقبلت استقالته من دون تردد أو وعود مستقبلية بإصلاح الوضع، وأطراف أخرى ترى أنه تم إبعادها قسراً، وبأنه جرت ترتيبات مع عدد من أعضاء مجلس الأمة لإبعادها، على الرغم من الصيت الذي تتمتع به بأن لها نفوذا، وهذا الطرف لايزال يعمل ويناكف هذا الابعاد.. وقد تم التعبير عن هذه المناكفة بتصريحين، الأول صادر من سمو رئيس مجلس الوزراء في أول مؤتمر صحافي له عندما تطرَّق لمرسوم الضرورة بشأن القانون الرياضي، بقوله إن هذا القانون «لي ذراع»، والتصريح الثاني الحديث عندما قال وزير الإعلام والرياضة بأن رئيس الاتحاد الكويتي لكرة القدم رئيساً غير شرعي.. ولا يمكن لأي كان نفي وجود هذا التناحر، وهو محل تصريحات كثيرة من سياسيين أو متابعين، ويزداد هذا التناحر مع الإخفاقات الحكومية الرسمية المتواصلة منذ زمن.
أزمات خارج المحيط
أما خارج محيطها، فيتمثل بسوء العلاقة مع العديد من الأطراف السياسية ومجلس الأمة بالذات جراء السياسات الخاطئة التي كانت تمارسها ونتجت عنها خسائر كبيرة، وحالات فساد متعددة، من عمليات الاسترضاء وحالات الاستقطاب التي أنتجتها طوال سنوات، بشراء صمت النواب، بداية بتنفيذ طلباتهم غير القانونية من خدمات تؤدى لهم، ثم ذهابها إلى أبعد من ذلك بدفع مبالغ كبيرة لعدد من النواب تجاوزت الملايين، إمعانا في سياسة الفساد وتفريخ المفسدين أو الساكتين عن حالات الفساد التي تمر أمام أبصارهم، وتوجت أداءها بتعديل آلية الانتخابات النيابية بمرسوم الصوت الواحد، لمنع أي تكتل ينشأ في مجلس الأمة يسعى إلى الإصلاح ومواجهة الفساد.. هذا المرسوم خلق شرخا سياسيا واجتماعيا لا يمكن إصلاحه، إلا بالعودة الحقيقية لدستور دولة الكويت عودة تعبّر صدقاً لا شكلاً عن كافة طموحات الشعب الكويتي، وتعمل على تحقيقها.
الاختيار بين نهجين
نكران ذلك، كمن يحاول التفكر بمرض ألمّ به ويرفض العلاج، فإما سياسة تحقق طموحات الشعب الكويتي وترسم مستقبله، وإما المكابرة والاستمرار على هذا النهج من دون تغيير.. والأمر في الحقيقة ليس بعدد الأصوات، بل في العقلية التي تدير العملية السياسية، هل تخدم البلد والشعب الكويتي أو خلاف ذلك؟
أما النواحي الإجرائية من قانون الانتخابات، فهذا يأتي في مرحلة يتم التوافق عليها، ما لم تحسم هذه المسألة، هل هناك قناعة بالدستور أو خلاف ذلك، ولا سيما أننا مررنا بتجربة مماثلة في مطلع الستينات وبعيد الاستقلال عبَّر عنها الشيخ المرحوم عبدالله السالم بسلوكه نحو إنشاء دولة قادرة على البناء والاستمرار.. كما أنه في أشهر الغزو كان الدستور هو حصن للكويتيين الذي جمعهم سياسياً أمام مرأى العالم.
فما لم تحسم هذه القضية الأساسية، فإن التشكيل الحكومي القادم لن يغيّر أو يحسّن من الأوضاع، و القضية الأساسية المطلوب حسمها هي اختيار النهج السليم الذي يمكن السير فيه، وعدا ذلك ستظل الأمور قائمة، كما هي من دون تغيير أو تبديل، فالرفض الشعبي قائم، ليس فقط ضد تغيير آلية التصويت، بل رفض كامل للنهج الذي ولد وزاد من اتساع السياسات الخاطئة وتكاثر حالات الفساد، وهناك ما يشبه الانعزال الكامل بين هذين النهجين، العمل لصالح الوطن والكويت أو الاستفراد بالسلطة، ولا تجدي مساحيق التجميل التي تستعمل، أو طبول المنافقين وأصحاب المصالح الخاصة بإشاداتهم المتكررة بمسارات خاطئة، أو التكتم على الفساد، فهذه الأصوات لن تبني وطنا، ووطن من دون بناء يعني الركود، والركود يعود بالتبعية إلى التآكل والهدم، وهذا ما يخشى منه.
التعديل الوزاري والإصلاح
يحاول البعض تصوير الأمر بأن التغيير الحكومي القادم من شأنه وضع مسيرة جديدة للإنجاز والتعديل، ومنهم ما أخذ – كعادته – يعطي النصائح بترك الفترة الزمنية الملائمة لسمو رئيس مجلس الوزراء لتشكيل حكومة وفق إرادته ورؤيته الخاصتين، وألا يؤخذ الأمر بصفة فيها عجلة أو تدخلات خارجة عن نهج رئيس مجلس الوزراء.. العجلة والتسريع مردهما قيام سمو الرئيس بتشكيل حكومة بمدة زمنية لا تتعدى الأسبوعين بعد الانتخابات النيابية وفق نص المادة 87 من الدستور، وهذه المدة الزمنية تعد قصيرة بعض الشيء للاتصال والتوافق، ولم يعد سمو الرئيس محل ضغط زمني للانتهاء من تشكيل حكومة جديدة ضمن هذه المدة المحددة دستوريا.. أما التدخلات الخارجية، فالجميع يعلم بأن عددا من الوزراء طلبوا إعفاءهم، ليس من هذه الحكومة، بل من حكومات سابقة، إلا أنهم لايزالون مستمرين، بموجب الرغبات التي تملى عليهم، ولا يستطيعون رفضها.. تصريحات على هذه الشاكلة تحاول تصوير الأمر وكأن حل المشكلة يكمن بتعديل وزاري جزئي أو كامل، كمن يحاول أن يداري وجود أمراض أو يحاول أخفاءها، ويرفض العلاج الصحيح.
اختاروا النهج أولاً بالعمل الصادق بموجب دستور البلاد والمشاركة الشعبية باتخاذ القرار، ليكون محل تبني المجتمع الكويتي، وليس تقسيم البلد كما نشاهده الآن.. الحل ليس بالتعديلات، بل باختيار النهج الصحيح، لنزيل التراب المتراكم على هذا المكون، الذين كان يسمى يوماً ما درة الخليج.