كتب آدم عبدالحليم:
لم تكن استقالة النائب عبدالله الطريجي المبهمة من عضوية لجنة التحقيق في الإيداعات المليونية، والتي تضم النواب علي العمير رئيساً وسلطان الشمري مقرراً وعضوية طلال الجلال وسعدون حماد ومبارك الحريص ورياض العدساني، سوى حلقة من مسلسل طمس الحقائق تجاه قضية شغلت الرأي العام كثيرا، فبعض المراقبين يرى أن قضية الإيداعات المليونية، التي طالت 13 نائبا في مجلس 2009، سبب في ما آلت اليه الأوضاع السياسية وتغييرها لشكل الخريطة السياسية بتبعاتها المختلفة.
فعلى الرغم من أن الاستقالة كانت مسببة، وفقا للبيان الصحافي الذي تم توزيعه على الإعلام، إلا نص الرسالة المختار بعناية لم يُحمل طرفا أو جهة مسؤولية الاستقالة، وتحدثت كلماتها في سياق غير واضح لنائب محسوب نظريا على كتلة الأغلبية المبطلة، وحملت تصريحاته في فترات سابقة لهجة شديدة الحدة تجاه القضية والتعدي على المال العام بشكل عام، فضلا عن محاولاته نيل شرف عضوية اللجنة.
ليست البداية
استقالة الطريجي التي قال عنها إنها رد على تصريحات وتسريبات اجتماعات لجنة الإيداعات وعدم الشفافية، «التي لم يحدد مصدرها»، لم تكن بداية لذلك المسلسل، فقد سبقت ذلك أحداث أخرى قد تفسر الاستقالة، أو استقالات أخرى قادمة، أو على الأقل التباطؤ في إعلان نتائج تحقيق اللجنة، والتي طالب رئيسها في وقت سابق تمديد عملها لأربعة أشهر، بدلا من شهر واحد فقط، وفقا لقرار تكليف المجلس لها، والذي اتخذ في جلسة 12 نوفمبر الماضي.
أول تلك الأحداث تشكيل اللجنة نفسها وطريقة صياغة عنوانها، فقد فوجئ الشعب الكويتي بدخول أحد النواب المتهمين المحالين للنيابة بتهمة تضخم الأرصدة الحسابية عضوا في اللجنة، ليصبح بذلك الخصم والحكم في الوقت ذاته، فضلا عن تحديد أعمال اللجنة، بتوليها مهمة التحقيق في تضخم الحسابات النيابية لدى البنوك منذ العام 2006 وإلى العام 2012، وعدم اقتصارها فقط على نواب مجلس 2009 في مبادرة اعتبرها المراقبون ومغردو «تويتر» وأداً لأعمال اللجنة قبل بدايتها.
مستندات وأدلة
ويعد عدم استعانة اللجنة بتركة لجنة التحقيق المشكلة في مجلس 2012 الأول أمرا لافتا، كون تلك التركة المثقلة بالمستندات والأدلة، والتي تم تشميعها بالشمع الأحمر في ظاهرة إعلامية للأمين العام وعدد من موظفي الأمانة عقب إبطال مجلس 2012، فوفقا لتصريحات عدد من أعضاء لجنة إيداعات المجلس المبطل الأول، وهم: مسلم البراك ومحمد هايف والصيفي الصيفي ومحمد الدلال، ورياض العدساني، يتضح أن اللجنة قطعت شوطا كبيرا، وتوصلت إلى معلومات في غاية الخطورة عن أرصدة نواب وأقارب لهم، بعد استدعاء عدد من المسؤولين، وأصدرت توصيات نظرية، وكادت ترفع تقريرها النهائي، لولا الظروف السياسية التي أبطلت المجلس.
مهاترات جانبية غير مفهومة
وبالعودة إلى أعمال اللجنة، فقد خرج الأعضاء من عمق العمل في لجان التحقيق إلى أمور هامشية ومهاترات جانبية غير مفهومة الأسباب، ولاسيما أن التراشق بدأ بخلاف حول عدد اجتماعات اللجنة إلى اتهامات متبادلة بين النائب رياض العدساني ورئيس اللجنة النائب علي العمير الذي اتهمه الأول بالاستفادة بشراء شاليه حكومي في خطوة أيضا غير مفهومة من قِبل النائب رياض العدساني، لإثارة هذا الموضوع في ذلك التوقيت، بصرف النظر عن مدى صحته من عدمه.
ومن المحتمل أن تؤجل الاستقالة أعمال اللجنة، فلائحيا، لابد أن تعرض استقالة الطريجي من اللجنة على المجلس، والذي بدوره سيختار عضوا ليحل مكانه من بين المرشحين، ومع الأخذ في الاعتبار أن انعقاد المجلس مرتبط بتشكيل الحكومة الذي لم يحدد موعد تشكيلها بعد، فقد يساعد ذلك في احتمالية كبرى لفقدان النصاب أو تعليق الاجتماعات في حال تطلّب الأمر تصويتا من قِبل أعضاء اللجنة، حتى يكتمل أعضاء اللجنة.
وفي قراءة لأبعاد وأحداث اللجنة، ولتصريح رئيسها، الذي أكد أن رأي الأغلبية (أغلبية الأعضاء)، هو ما يسيطر على أعمال اللجنة، إلى جانب مواد اللائحة الداخلية، يتضح أن قضية الإيداعات أصبحت بعد ثلاث سنوات من كشفها وإثارتها كقضية رأي عام، كالطفل اليتيم الذي يفتقد لمن يرعاه ويهتم لأمره، ولاسيما أن النواب في اللجنة، عن حسن نية أو سوء نية، يعملون ضد مصلحة ذلك الطفل اليتيم، وذلك بمساعدة صمت مطبق من بقية أعضاء المجلس.