إعادة النظر في السلوك العطائي الأخلاقي أمر مهم للغاية، على أساسه يجب مراجعة الذات بشكل دوري، إن لم نقل بشكل يومي، لتقييم هذا السلوك وتقويمه إن احتاج الأمر، وألا يتم ذلك بالتغيير إلى سلوك استهلاكي دعائي شكلي لا جوهري وأخلاقي.
قد تمنح الرتابة التي يداوم عليها كثيرون قيام علاقة سلام مع الذات وهدوء مع النفس، لكن ذلك لن يتم إذا لم يكن الشخص متوجها الوجهة الصحيحة، أو أن وجهة مسيره وأهدافه وغاياته ضبابية مشوشة، ما يؤدي إلى الإرباك والتخبط، بل إلى التوهان أحيانا في الوجهة والاتجاه، وإذا ما شمل التوهان والضبابية والتشويش الإدراك والعوامل المؤثرة، وخاصة حقيقة النفس الإنسانية ومآلاتها، ازداد الإرباك والاضطراب، وهو السبب في إبعاد النفس عن طريق نجاحها وسعادتها ورضاها.
إنها جغرافية النفس الإنسانية، التي يجب أن تدرس تضاريسها بتعلم خباياها ومساراتها بإدراك مآلاتها ومتطلباتها، ليتمكن الإنسان من معرفة الاتجاهات التي يجب أن يسلكها ومتى وكيف، فلا يذهب إلى غير اتجاه، ولكي لا يصل متأخرا أو قبل الوقت، وكذلك ليحدد وجهة الوصول تماما.. ليس عيبا الاستدلال بالنجوم والحشائش لتحديد الوجهة الصحيحة، بل كل العيب في التوهان المستمر من دون البحث في سبل المعرفة والاستدلال للوصول إلى الغايات النبيلة والجميلة، فالتقدير الأمثل للأمور يعتمد اعتمادا واسعا على قدرة التصور والخيال للواقع أولا، مستخدما المعلومات الصحيحة بكل ألوانها وأركانها الممكنة، ليتسنى إتمام شكل الموزاييك المنشود، ما أمكن، فتكون الصورة واضحة والمعالم جلية لتتوظف في إبداع جديد.
انظر من هذه اللحظة إلى الأفق البعيد الممتد أمام عينيك، حاول أن تملأ جزءاً من هذا الفضاء الشاسع بخيرك، إنها فرصتك.. تقدم في هذا الحيز الكبير الواسع، إنك كلما خطوت خطوة إلى الأمام ملأت أنت المكان الجديد وتراجع ماكان إلى الوراء، هي تماما تلك المساحة التي حصلت عليها أنت بأهميتها هو قانون الإزاحة الطبيعي الذي لا يسمح بوجود فراغ محافظ على هذا التوازن.
الإبداع لا يتحمل الرتابة عادة، إنما طرق كل الأبواب، بل خلعها تماما في بعض الأحيان، والولوج في فضاءاتها والتعرف على أسرارها، باستخلاص نتائجها وتحويله إبداعا أو تركيبه مع عناصر أخرى بصياغة إبداع جديد.
نرى أن الرتابة المستديمة والتوقف عند نقطة ما، والعمل في ساحة ذهنية ذات جغرافية مغلقة، أقرب، لإعطاء التشاؤم مدخلا إلى هذه الساحات، بل احتلالها، إنما التعامل في الأفق المفتوح والبحث عن تجارب إيجابية مفيدة تدعمك بجرعات تفاؤل مطلوبة، بلا شك انها تحسن من حالتك النفسية، لتجعلها أقرب إلى السعادة، فالتفاؤل دواء التوتر.
التفاؤل، هو البوابة الواسعة التي تدخل منها إلى الحياة، فكلما وسعت آفاق الاحتمالات الممكنة كان نصيب اختيارك لطريق أفضل وارد أكثر، فلا تتوجع وأنت تدوس الحصى على طريق النجاح.. اعرف قدراتك واستخدم إمكاناتك ووظف طاقاتك، لتحول الرتابة في حياتك إلى حركة إيجابية مستمرة في فضاءات الاستكشاف، لتقودك إلى تأكيد ذاتك، وتأكد لو رضي المفكرون والمبدعون والعلماء بالواقع الذي كانوا عليه لما وصلنا إلى ما نحن عليه، فقد غيره المتفائلون، لنعيشه نحن.