كتب ياسر أبوالريش:
إن ما يشهده الشارع الكويتي اليوم من أزمة سياسية تفاقمت بين بعض أجهزة الدولة الرئيسة، الممثلة في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ناتج عن واقع سياسي يحتاج إلى إعادة النظر في تركيبته وآليات عمله.
إن المؤشرات والدلائل كافة كانت تؤكد أن استمرار جوهر الأزمة ومكوناتها، وهو ما يفتح المجال واسعا لجملة من التساؤلات التي تبحث عن إجابات، لتخرج الكويت من الحلقة المفرغة التي تعيش فيها بين الحكومة والبرلمان.
مستقبل الديمقراطية
أحمد الطاهر الإجابة في كتابه “الحياة السياسية الكويتية..رؤية مستقبلية” الصادر عن مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية، يؤكد أن القراءة المتأنية للأزمات من شأنها أن تفتح الباب على مصراعيه من جديد لإعادة تقييم مستقبل الاستقرار السياسي في الكويت، وبمعنى أكثر تحديدا مستقبل الديمقراطية الكويتية، وما أثارته من لغط كثير مع ما أطلقه البعض من مقولات في ظاهرها الإصلاح، وفي مضمرها التراجع والانتكاسة إلى الوراء، فقد سارع المعارضون للديمقراطية إلى القول بأن ما تشهده الكويت الآن، هو نتاج طبيعي لما أقدمت عليه من تجرية فضفاضة لا تتناسب وطبيعة المجتمعات الخليجية وثقافتها، فإذا كان صحيحا أن لكل منطقة جغرافية، بل لكل بلد خصوصيته الثقافية وخلفيته التاريخية وطبيعته السياسية التي تتطلب مراعاتها عند تنبي نظم وسياسات معينة، فإنه من الصحيح أيضا أن الوصول إلى النجاح المنشود يواجه العديد من الإخفاقات والإشكاليات التي تتطلب إعادة التنظيم حينا والتمهل حينا آخر، بل ربما تغير المسار إلى وجه مختلف حينا ثالثا، فهذه من طبيعة الأمور، مشيرا إلى أن ما واجهته التجربة الديمقراطية في الكويت لا يعني فشل تجربة حقيقية امتد عمرها لما يقرب من خمسين عاما، ولكن طبيعة المرحلة بما تشهده من متغيّرات وتحوُّلات على الصعد كافة، داخليا وإقليميا ودوليا، تفرض الحاجة إلى إعادة تقييم التجربة بصورة تقرأ هذه المتغيّرات قراءة واقعية فاحصة، تستوجب الإجابة عن حزمة من التساؤلات، أبرزها: هل ما تشهده تلك التجربة أمر طبيعي، وهي إفراز لحالة التطور الديمقراطي التي ترتقي فيها الكويت درجة جديدة من درجات السلم الديمقراطي؟ أم يمثل تراجعا لمسار العملية الديمقراطية برمتها؟ وهل يمكن أن يتفهم الطرفان (البرلمان والحكومة) اثار هذه الأزمات على الحياة السياسية ككل، وحياة المواطن الكويتي على وجه الخصوص؟ وما الآليات التي يمكن أن يقدمها طرفا المعادلة للخروج من تلك الحلقة المفرغة من الأزمات التي أضحت سمة مميزة للمشهد السياسي الكويتي؟
الصورة السلبية للديمقراطية
الوضع الراهن بمشكلاته، وإرث الماضي بخبراته والخلفية الثقافية والسياسية الكويتية بملامحها وسماتها والمتغيّرات والتحوُّلات الإقليمية والدولية بتأثيراتها، تجعل من الصعوبة بمكان رهن تفسير الأزمات المتكررة في المشهد السياسي الكويتي بعامل أو عنصر واحد فحسب، بل نرى أن الطرفين – البرلمان والحكومة – معا يتحملات المسؤولة كاملة عن الصورة السلبية للتجربة الديمقراطية، والتي اشاعت التوتر والتناحر والفوضى، بما ادى إلى تعثر مسيرة العمل الوطني في البلاد.
وهو ما يجعل من الجائز القول ان الامر يستوجب اعادة النظر في مجمل العملية السياسية برمتها بصورة تعيد إلى الاذهان جهود الرعيل الاول من الآباء المؤسسين الذين نجحوا في وضع دستور منذ ما يقرب من خمسين عاما يضاهي دساتير النظم الديمقراطية، بما حققه من توازن محمود في العلاقة بين السلطات الحاكمة في البلاد، بصورة لا تجعل هناك افتئاتا من سلطة على اختصاصات سلطة اخرى.
ودعا المؤلف جميع طوائف الشعب الكويتي بدءا بالحكومة واعضاء مجلس الامة، مرورا بوسائل الاعلام وقوى المجتمع المدني، بالتصرف بأعلى درجة من الحكمة والاتزان والارتقاء بمستوى الحوار، والابتعاد عن التشنج والتوتر وتدقيق الحساب في ما يتخذ من خطوات لتصب جميعها في تصحيح المسار الديمقراطي وترسيخ التقاليد الديمقراطية وتعزيز الاصول السلمية في العمل السياسي، وذلك انطلاقا من ان اهم ما يجب ان يؤخذ في الاعتبار في هذه الظروف، هو تعميق ثقة الشعب بالنظام الديمقراطي وتعزيز تمسك المواطنين بالدستور والمؤسسات الديمقراطية، وتجنب ما قد يؤدي الي ضجرهم وامتعاضهم من هذه المشاحنات السياسية التي نشهدها الآن، فالمواطنون في نهاية الامر هم حماة هذا النظام الديمقراطي والمدافعون عنه.