كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
رغم تحقيق الشركات الصناعية المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (39 شركة) أرباحا جيدة في فترة الـ 9 أشهر من العام المالي الحالي، تقدَّر بـ 118.2 مليون دينار، مقارنة مع 97.6 مليون دينار في الفترة المقابلة من العام 2012، بارتفاع في الأرباح تقدَّر نسبته بنحو 21 في المائة، فإن القطاع الصناعي لا يزال يعاني الأخطاء الفادحة التي ارتكبت خلال فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي بدأت تتكرر مجددا في الوقت الحالي .
ووفقا لمعلومات توافرت لـ«الطليعة»، هناك أكثر من شركة صناعية تسعى للحصول على قروض وتسهيلات ائتمانية في الوقت الراهن، للمضاربة في سوق الكويت للأوراق المالية، وأسواق المال في المنطقة الخليجية والعربية، مستفيدة في ذلك من التحسُّن الذي يشهده سوق الكويت للأوراق المالية (رغم تراجعه الأسبوع الماضي)، والبورصات الخليجية التي تشهد انتعاشا كبيرا خلال الفترة الماضية، ومتوقع استمرار هذا الانتعاش، مع إقبال منطقة الخليج العربية على ثورة تنموية وعمرانية جديدة خلال الأعوام المقبلة، مع استضافتها لحدثين عالميين كبيرين خلال المرحلة المقبلة، هما معرض إكسبو 2020 في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكأس العالم 2022 في قطر، ورصد الدولتين ميزانيات ضخمة لمشروعات تنموية وعمرانية استعداداً للحدثين.
أما في ما يخص البورصات العربية الأخرى، فتشير المعلومات إلى أن هذه الشركات تسعى للاستفادة من التراجع الكبير الذي تشهده الأسهم في بورصات هذه الدول، وخصوصا في جمهورية مصر العربية، وترى أن شراء هذه الأسهم بالأسعار التي هي عليها الآن فرصة لن تتكرر، حتى وإن اختلف البعض معها، فالأمر ينطوي على مخاطرة غير مضمونة العواقب.
وما شجع هذه الشركات على الاقتراض، هو إبداء البنوك مرونة في عمليات تقديم تسهيلات ائتمانية، بعد أن كانت ترفض منح أي تسهيلات، وتتشدد بقوة في منح أي قروض، حتى لا تكرر ما حدث من أخطاء قبل اندلاع الأزمة المالية. ولكن مع تراجع النشاط الائتماني خلال الأعوام التي أعقبت الأزمة بشكل كبير تضررت البنوك بشكل واضح، وهذا ما جعلها تتخلى شيئاً فشيئاً عن هذا التشدد، وتبدي مرونة مع الشركات الراغبة في الإقراض .
المعاناة مستمرة
ومازالت الشركات الصناعية تعاني منذ اندلاع الأزمة المالية وحتى الوقت الحالي، جراء الخسائر التي تكبَّدتها خلال الأعوام الماضية، فكثير من الشركات الصناعية مُنيت بخسائر، جراء أنها حادت عن أهدافها الرئيسة، وتخلَّت عن أهدافها الصناعية التي تأسست من أجلها وتحوَّلت إلى المضاربة في البورصة، ووضعت نفسها تحت رحمة تقلبات أسواق المال، وهذا السبب الرئيسي في خسائرها المتراكمة.
وبتحليل نتائج الشركات الصناعية خلال الفترة منذ العام 2006، وحتى العام 2012، يتأكد لنا أن خسائر الشركات الصناعية الفادحة كانت جراء المضاربة في السوق المالي، ولم تكن جراء تدهور في الصناعة أو ركود صناعي، فالمناخ الصناعي لم يكن سبب خسائر هذه الشركات، وإنما المضاربات في أسواق المال، إذ خلال الفترة التي سبقت حدوث الأزمة المالية حققت الشركات الصناعية نموا ملحوظا في حجم أصولها خلال عامي 2006 و2007، بنسبة 50 و38 في المائة على التوالي، لتسجل 4.9 مليارات دينار نهاية العام 2007، وهذا التضخم في أصول هذا القطاع كان نتيجة الارتفاع الكبير الذي شهدته البورصة الكويتية قبل حدوث الأزمة المالية.
وخلال عامي 2008 و2009، وبعد حدوث الأزمة المالية، شهدت أصول القطاع الصناعي هبوطا حادا، وخصوصا خلال عام 2008، لتتراجع بنسبة 23 في المائة، أو ما يعادل 834 مليون دينار، وهذا التراجع جاء مع الانهيار الذي طال البورصات وأسواق المال، واستمر هذا التراجع طوال عامي 2008 و2009 إلى أن بدأ التحسن يعود للقطاع مع تحسن أسواق المال في 2010، ونما إجمالي أصول القطاع بنسبة 6.5 في المائة، لتصل إلى 4.5 مليارات دينار خلال عام 2010 .
تراجع حاد
أما على مستوى القيمة السوقية، فقد كان العام 2008 هو الأسوأ للقطاع الصناعي، فقد خسر القطاع أكثر من نصف قيمته السوقية، أو ما يعادل 3 مليارات دينار، نتيجة الأزمة المالية خلال العام نفسه، لتصل قيمته السوقية إلى 2.3 مليار دينار بنهاية عام 2008، مقارنة مع 5.3 مليارات دينار نهاية العام 2007، ثم تمكن القطاع خلال عامي 2009 و2010 من تعويض بعض الخسائر، حيث سجلت القيمة السوقية ارتفاعا بنسبة 8 و14 في المائة، لتصل إلى 2.6 و2.9 مليار دينار على التوالي، ولكن عاد القطاع مرة أخرى للتدهور منذ بداية العام 2011، حيث لم يستطع مقاومة التداعيات السياسية التي ضربت المنطقة العربية، وكذلك أزمة الديون الأوروبية، وهو ما تسبب في تراجع أسواق المال في المنطقة، ومعها تراجعت القيمة السوقية للقطاع مجددا بنسبة 20 في المائة، لتصل إلى 2.3 مليار دينار، وأصبح القطاع الصناعي رهينة أي تطورات تحدث في أسواق المال، وليس ما يحدث في الأسواق الصناعية.
أخطاء الإدارات
أما إجمالي قروض القطاع، فقد سجلت منذ 2009، وحتى النصف الأول من 2011 تراجعا بنسبة 13 في المائة، لتسجل 1.8 مليار دينار، وهذا التراجع ليس لأن الشركات الصناعية بدأت تمول توسعاتها ذاتيا، ولكن لأنها قبل الأزمة المالية العالمية كانت تقبل على الاقتراض لتمويل عملياتها المضاربية في البورصة، إذ بلغت تلك القروض أعلى مستوى لها في 2008 عند مستوى 2.1 مليار دينار.
والمشكلة الكبرى والخطيرة، هي أن كثيرا من القروض التي حصلت عليها شركات في هذا القطاع لم توجه إلى التطوير الصناعي، ووجهت إلى غير أغراضها، كالمضاربة في أسواق المال.. لذا، لابد من وجود رقابة صارمة تحد من الاقتراض من دون وجود مشروعات حقيقية على أرض الواقع.
والمؤكد أن الأزمة المالية جاءت لتكشف الشركات الصناعية التي لا تعتمد التشغيل الحقيقي في العمل، وتكشف أيضا الممارسات الخاطئة لمجالس إدارات هذه الشركات والتلاعب بالقوانين، من أجل الحصول على أموال تضارب بها في البورصات، وفي النهاية لا يجني منها القطاع الصناعي إلا التدهور والتراجع ومزيدا من القروض والديون، والخاسر الأكبر هو الاقتصاد الوطني، الذي يعول كثيرا على القطاع الصناعي في أن يكون الرديف لمداخيل النفط، ويساهم في تنويع مصادر الدخل .