كتبت عزة عثمان:
هل تحتاج المرأة للأمان؟ هل التحرش بها فعلا ظاهرة تستحق الوقوف عندها؟ وهل التحرش يتوقف عند التحرش الجنسي فقط، أم ان هناك مظاهر وأشكالا أخرى له تعانيها المرأة؟
كل هذه التساؤلات كانت محور الحلقة النقاشية التي نظمتها لجنة حقوق الإنسان – التابعة لنقابة المحامين، مساء يوم الإثنين الماضي، وكانت بعنوان «كيف تحقق الأمان للمرأة – التحرش – مفاهيم وتوصيات» بمقر نقابة المحامين، ووسط أجواء نقاشية اتسمت بالحماسة والاهتمام بالموضوع.. وقد أجمع معظم الحاضرين، إلا القلة منهم، على أن التحرش موجود في الكويت بصور مختلفة، ولكن لطبيعة المجتمع الكويتي والعادات والتقاليد، لا يمكن للمرأة أن تقول أو تشتكي بأنها تعرَّضت للتحرش، خوفا على سمعتها وسمعة عائلتها، كما كان هناك أيضا نقد للتشريعات المعنية بمثل هذه الأمور بأنها قديمة جدا وغير رادعة، ولم ينكر أحد بأن التحرش موجود، ليس في الكويت فقط، بل في معظم المجتمعات، ولكن بنسب متفاوتة، واعتبر الغالبية من المشاركين أن الإعلام لعب دورا كبيرا في زيادة التحرش بالمرأة، من خلال تصويرها بشكل سيئ في الإعلانات وغيرها، والتأكيد أنها مجرَّد جسد فقط يستغله الرجل للمتعة، وأضافوا أن ذكورية المجتمع جعلت من المرأة مخلوقا ضعيفا يمكن للرجل أن يستغله متى ما شاء، وكانت هناك بعض المقترحات والتوصيات للقضاء على تلك الظاهرة، وانتقدت بعض المتحدثات دور المجتمع المدني في التوعية، حيث اعتبرنه مفككا ولا يقوم بالدور المنوط به على الإطلاق.
حول ما سبق كانت الحلقة النقاشية كالتالي:
في البداية، أكدت المتحدثة الرئيسة للحلقة عضو الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، سميرة القناعي، أنها من خلال عملها مرَّت عليها حالات عنف كثيرة، وهذا ما دفعها لعمل دراسات كثيرة حول هذا الموضوع، واستعرضت مجموعة من الحوادث كان سببها التحرش وجميعها تمَّت في الكويت، لتؤكد أن التحرش موجود، وظاهرة لا يمكن لأحد إنكارها.
وعرَّفت العنف ضد المرأة كما ورد في الأمم المتحدة، بأنه أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أذى أو معاناة جسيمة أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد بإقران عمل بهذا الفعل.
ولفتت إلى أن للعنف أنواعل، منه العنف الأسري والعائلي، والعنف المجتمعي والعنف المؤسسي.. أما أشكاله، فهي متعددة، ما بين جسدي ونفسي واقتصادي وقانوني.. أما التحرش، فقالت إنه لا يوجد تعريف واحد عام للتحرش الجنسي، ولم يتم حتى الآن إيجاد تعريف معيَّن له، ولم يتم التوصل له، حتى من خلال القانون، ولكنه بشكل عام يمكن اعتباره من أشكال العنف النفسي ضد المرأة.
ظاهرة عالمية
وبيَّنت القناعي أن الأمم المتحدة تختار كل عام في يوم مكافحة العنف ضد المرأة موضوعا، وكان موضوع هذا العام عن التحرش الجنسي للمرأة، وذلك بسبب ما حدث في المجتمعات العربية، وخصوصا دول الحراك السياسي، لافتة إلى أنه وفق إحصائية الأمم المتحدة، فإن أعلى نسبة تحرش بالمرأة هذا العام كانت في مصر بنسبة 99 في المائة.
وأكدت أن التحرش الجنسي ظاهرة عالمية توضح التمييز ضد المرأة، التي أصبح خروجها للعمل اليوم ضرورة ملحة، لأن الحياة تغيَّرت، ولكنها تواجه مشكلة تفشي العنف بدرجة كبيرة في المجتمعات، مشددة على أنه في العمل بالذات منتشر في كثير من الدول، فتحوَّل لظاهرة تثير الخوف والقلق، ما بين خوف المرأة على عملها أن تفقده، وهي بحاجة إليه، وخوفها من التحرش نفسه، وقلقها، ما أوقعها في حيرة.
إحصائيات ووقائع
وأشارت القناعي إلى آخر إحصائية عن قضايا العنف ضد المرأة، وكانت عام 2009، حيث سجلت 368 جريمة، بمعدَّل جريمة واحدة يوميا، منها الشروع في قتل والضرب المفضي للموت، والتهديد والتسبب بآلام بدنية وغيرها، ولفتت كذلك لآخر استبيان أجرته جريدة القبس عن التحرش ضد المرأة، حيث أشارت الإحصائية إلى أن هناك 40 في المائة من النساء اللاتي خضعن للاستبيان تعرضن للتحرش، وخصوصا في العمل بشكل مباشر.
وعن أنواع التحرش بالمرأة، قالت القناعي بأنه يكون إما عن طريق كلام مباشر فاضح لجس النبض، وإما الاتصالات في الليل بشكل متكرر، وإما الإلحاح في طلب لقاء أو نظرات، ودعوات للسفر ووضع شروط على المرأة في العمل، وإما العزومات الكثيرة، وتحرش مادي باللمس.
وتساءلت: هل يوجد قانون يجرم التحرشي الجنسي؟ ومن أين يستمد الرجل مشروعيته؟ وما أسباب هذا التحرش؟، مبينة في الإجابة عن هذه التساؤلات، أن الفلسفة الذكورية الموروثة من القدم، والتي تتعامل مع المرأة على أنها أداة للمتعة وسخرة للرجل يستغلها لإشباع رغباته وغرائزه بالكيفية والطريقة اللتين ترضياه، إضافة إلى تراجع وانهيار السلم القيمي عند الأفراد والمجتمعات، وتفكك الأسر وانشغال الآباء والأمهات عن الدور المنوط بهم، هذا إلى جانب السلطة والنفوذ، مبينة وجود ارتباط بين التحرش الجنسي وانتشار الفساد المالي الذي يتبعه، بلا شك، فساد أخلاقي.
الموروث الاجتماعي
وأكدت القناعي أن المرأة العربية عندها خصوصية في التمييز ضدها في المجتمع، ككل، وفي العمل بوجه خاص.
وحمّلت الإعلام العربي مسؤولية تفشي ظاهرة العنف والتمييز ضد المرأة، لأنه يستغل جسد المرأة بصورة مثيرة للاشمئزاز، واستخدام جسدها كأداة للدعاية التجارية، متمنية أن تكون هناك رقابة أكثر في هذا الجانب.
وأضافت أن العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي التي أدخلت في ذهن الولد من صغره أن البنت كائن ضعيف، ساعد على التمييز ضد المرأة، كما أن الأسر لا تقوم بتعليم وتربية أبنائها منذ الصغر على كيفية التعامل مع المرأة.
وبيَّنت أن النظرة المريضة من أي شخص، تبين أنه ربما يعاني أمراضا نفسية، أو مشاكل من الصغر، ويحتاج لعلاج، إضافة إلى الخطاب الديني المتشدد الذي يجعل المرأة إنسانا ضعيفا، وليس لها دور، على الرغم من أن هناك أحاديث مهمة تحث على دور المرأة وأهميتها، ولكن لا يتم ذكرها، مؤكدة أن هذا الخطاب المتشدد يسيء للإسلام أكثر مما يخدمه، لأن المرأة تؤثر في باقي المجتمع، وممارسة العنف والتمييز ضدها سيؤثر في الأسرة بأكملها، وعلى الأجيال القادمة، مؤكدة أن الخطاب الديني دوره مهم وكبير في طرح القضايا وتسليط الضوء عليها.
نظرة المجتمع
وعددت القناعي أسباب التحرش، ومنها الصمت، حيث تعد المرأة أن التحرش بها سر يجب ألا تبوح به لأحد، لأنها تخاف من نظرة المجتمع لها على أنها المحرّض على التحرش، لهيأتها أو طريقة تعاملها أو حتى لمجرد كونها أنثى، وكأن الرجل لا يد له في الأمر برمته، لذلك فهي تفضل التزام الصمت، خوفا من الفضيحة وتشويه السمعة، إضافة إلى الشك وعدم اليقين، فهي تعرف أنها تعرَّضت لتحرش، ولكنها لا تملك دليلا، وكذلك الشعور بالعجز، حيث تشعر المرأة بأنها عاجزة، ولا يوجد أحد يسندها، وتخاف من نظرة المجتمع لها، وإحساسها بأن الجاني لن يلقى عقابا، هذا إلى جانب المحافظة على السمعة وردة الفعل غير الجدية.. وأخيرا اعتبرت أن الأمر بيد المرأة، كونها مطالبة بكسر حاجز الصمت.
وأضافت أن من أسباب التحرش، أيضا، أن الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها معظم الدول، ومنها الكويت، غير ملزمة، ولا يوجد احترام للمواثيق العالمية، وهذا موجود في أغلب الدول العربية، وقالت إن الإعلان الدولي ليس له أي قوة إلزامية.
مواثيق دولية
ورداً على من يقولون إن العنف ضد المرأة في الكويت ودول الخليج غير موجود، قالت إنه «موجود، وحدث ولا حرج»، لافتة إلى أن هناك بعض الدول الخليجية مجرد أن تبدي المرأة رأي معارض ترمى في الحبس وتتعرض للعنف.
وأوصت القناعي في ختام مداخلتها بتعديل التشريعات الخاصة بالمرأة، حتى تتواءم مع القوانين الدولية، وتجريم كل أنواع العنف ضد المرأة ودعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة الفقيرة والعاملات في القطاع الخاص، والعمل على توفير ائتمان اجتماعي يتوافق مع ارتفاع أسعار المعيشة.
المشوار طويل
من جانبها، أكدت المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، سها العودة، أن التحرش ظاهرة متفشية، والدليل على ذلك تعرضها هي والكثير من النساء للتحرش في الطريق العام أثناء سيرهن بالسيارة خلال ذهابهن للعمل. وبينت أن من أهم أسباب التحرش الجنسي، قلة الوعي لدى الأشخاص الذين يقومون به، وعدم معرفتهم بأن ما يقومون به جريمة، إضافة إلى عدم التنشئة الصحيحة، وعدم الوعي بدور المرأة، وضرورة احترامها، وغياب دور مؤسسات المجتمع المدني في تعريف الظاهرة ومحاربتها.
وأوصحت أن التحرش له صور وأنواع مختلفة، منه اللفظي والبدني، وكلها يجب أن تجرم بقانون، ويساءل من يقوم بها قانونيا، كما أن هناك قوانين يجب إجراء بعض التعديلات عليها، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون الخدمة المدنية والخدمة في القطاع الخاص.
وأكدت العودة أن المشوار لايزال طويلا أمام المرأة، للحصول على الكثير من حقوقها، معتبرة أن الحق السياسي ليس كل شيء، لافتة إلى أن نسبة المساواة بين المرأة والرجل للآن لم تتعدَ العشرين بالمائة.
جريمة موصوفة
بدورها، أكدت المحامية شيخة الجليبي، أنه بكل العالم تتعرَّض المرأة للتحرش، معتبرة أن التحرش، مثله مثل أي جريمة أخرى موجودة، وهو أمر وارد، لأن طبيعة المرأة تختلف عن الرجل، وبالتالي، هناك تحرش من الرجل، وقالت: لا ننسى أننا بمجتمع قبلي لا تزال الذكورة هي التي تطغى عليه، وينظر للمرأة على أنها عنصر ثانوي، لذا يتجرأ الرجل عليها.
وأعربت الجليبي عن أسفها من أننا في مجتمع مدني متفكك، وكل جهة تعمل بمفردها، لذا لا يتحقق المطلوب، حيث يصعب جدا تعديل أي أوضاع، في ظل مجتمع مدني مفكك، مشددة على أن هناك حاجة ماسة لتشريعات أكثر، وتكاتف جهود المجتمع المدني.
وترى أن الإعلام هو أهم سبيل للوصول للجمهور، بل لأي جمهور، لأن أي فعالية تنظم كتوعية لا يحضرها كل الناس، ويجب الوصول لأكبر شريحة، من خلال الإعلام، لافتة إلى أن هناك نساء بسيطات بالتعليم وبالمستوى الفكري، ولابد من الوصول إليهن، ولا توجد طريقة لذلك، إلا عن طريق الإعلام.
وشددت الجليبي على ضرورة أن تتعرَّف المرأة على القوانين الموجودة، وخصوصا أن الشعب الكويتي لا يقرأ، ويجب تبسيط المعلومات والحقوق وإيصالها للمرأة، وبعد ذلك يجب تعليمها آلية حماية حقوقها، وهذا دور المجتمع المدني، سواء من خلال لقاءات تلفزيونية أو فلاشات بسيطة، أو ندوات ومحاضرات وورش تدريبية، أو بروشورات يتم توزيعها، لافتة إلى ضرورة تعدد الوسائل، لأنه يتم استهداف كافة شرائح المجتمع، وليس المرأة وحدها، بل حتى الطفلة.