كتب محرر الشؤون المحلية:
بعد صدور قانون الجمعيات التعاونية الأخير هذا العام، والذي جاء في أهم بنود التغيير فيه، بأن يكون للمساهم في الجمعية خيار صوت واحد بدلاً من ثلاثة أصوات – وهذا كان محل اعتراض اتحاد الجمعيات التعاونية – وأيضا وضع ضوابط لعملية الترشيح لمجلس الإدارة، بخصوص سنّ المرشح والمؤهل التعليمي الذي يتولاه، بحيث لا يكون دون الدبلوم، ومواد أخرى من شأنها أن تعزز الجانبين الرقابي المالي والإداري على أداء الجمعيات التعاونية صدرت أخيراً اللائحة التنفيذية للقانون، التي بموجبها وضع هذا القانون قيد التطبيق.. ولعل من أهم الأمور التي وضعت في القانون الأخير، وجود مراقب مالي يتولى مراقبة كافة المعاملات المالية في كل جمعية تعاونية، ويرسل تقارير دورية لوزارة الشؤون الاجتماعية، مبينا الحالات غير القانونية أو المخالفة للنواحي المحاسبية التي قد ترتكبها إدارة أي جمعية تعاونية، كما يرسل تقريره لمدقق الحسابات في نهاية العام، كما سيتم تعيين مراقب إداري يتولى شؤون المراقبة الإدارية كافة التي تتم بالجمعيات التعاونية، ويرسل تقريره أيضا لوزارة الشؤون الاجتماعية.
نوع من التنفيع
وفي هذا الأمر نتذكر وجود أعداد كبيرة جداً من الكويتيين كانوا مسجلين كموظفين وهميين في إحدى الجمعيات التعاونية في المنطقة الشمالية من الكويت.. وفعلياً لم تكن لهم أي علاقة بالوظيفة أو الأعمال، فقط يتقاضون شهرياً البدلات التي ترد إليهم من هيئة دعم العمالة، كونهم يعملون في القطاع الخاص وليس الحكومي.. نوع من التنفيع فتح على مصراعيه في عدد من الجمعيات.
نقلة جبارة
وحول موضوع صدور اللائحة التنفيذية، واشتراط وجود المراقبين المالي والإداري في كل جمعية تعاونية، صرَّح خالد السبيعي رئيس جمعية حماية المستهلك التطوعية «أن تعيين المراقبين نقلة جبارة سيكون لها أثر إيجابي على كافة المساهمين في كافة الجمعيات التعاونية، وسيقضي على المخالفات المالية والإدارية في تلك الجمعيات، وسيتم وضع تقارير تعرض على الجمعيات العمومية».
وقد أشار السبيعي إلى أن مبيعات الجمعيات السنوية تصل إلى ما فوق النصف مليار دينار سنوياً، وإلى وجود 480 ألف مساهم في كافة الجمعيات التعاونية في الكويت، كما أن الجمعيات التعاونية تستحوذ على ما نسبته 85 في المائة من مراكز بيع التجزئة في البلاد.
مرتع للفساد
هنا نتفق بقدر ما مع السيد خالد السبيعي – ونقول بقدر ما – فتعيين مراقبين مالي وإداري لن يقضي على المخالفات أو التجاوزات التي تتم في بعض الجمعيات التعاونية، بل أغلبها على وجه التحديد، بل ستحد بقدر ما من تلك التجاوزات، ولن تقضي عليها نهائياً، أو بالشكل الذي صوَّره السيد السبيعي، فقد غدت الجمعيات التعاونية مرتعاً كبيراً لحالات الفساد المتعددة، بحيث أصبحت تلك الحالات سياسة عامة تنتهجها تقريبا كافة الجمعيات التعاونية، فهي تحصل على بضائع مجانية بنسب متفاوتة من الشركات الموردة، قد تصل أحيانا إلى 50 في المائة من المواد التي يتم توريدها للجمعيات.. بالطبع، الشركات الموردة تضيف أسعار تلك المواد المجانية على كلفتها وفي النهاية يتحملها المستهلك أو ما يسمى بلغة السوق «المستخدم الأخير» Last user، وهو المستهلك الذي يرتاد الجمعية، يُضاف إلى ذلك أنه جرى ما يشبه العُرف وسياسة بدأت منذ سنوات، وهو أن تقوم الشركات الموردة للجمعيات باستئجار الأرفف، ويتم دفع الإيجار السنوي للجمعية لأرفف العرض، وهنا يعتمد الإيجار على مساحة الرف المؤجر وعدد المنتجات المعروضة للشركة وارتفاع الرف.. وكلما زادت منتجات الشركة الموردة تزيد القيمة الإيجارية التي تتقاضاها الجمعية، ولا سيما على الشركات ذات الحجم الكبير.. وهناك شركة محلية من هذا الحجم تدفع لجمعية واحدة مبلغ 27 ألف دينار قيمة ايجار أرفف سنويا.
بين الجمعيات والشركات
إضافة لذلك على الموردين الدائمين للجمعيات التعاونية المساهمة مجانا في المهرجانات، سواء كانت تسويقية أو اجتماعية، كرحلات العمرة للمساهمين، وفي حالة الرفض سيكون موقف الشركة ضعيفاً مستقبلاً أمام الجمعية، وما عليها إلا المساهمة في تلك المناسبات.. وهناك مبالغ نقدية أيضا تدفع لعمال الأرفف، والعمال الذين يتولون نقل المواد من المخزن للأرفف، لتتم العناية بمعروضات الشركة.. والإكرامية تتفاوت وفق حجم المواد المعروضة وحجم الشركة، وتتم تلك «الإكراميات» بصورة شهرية تصب في جيوب العمال المسؤولين عن عمليات صف المواد الموردة للجمعية.
تحصيل مستحقات الشركات
أما الدفعات المالية للشركات الموردة، فيصاحبها قدر كبير جداً من التأخير والتسويف في الحصول على المستحقات المالية للشركات، وللتغلب على التأخير المتعمد من قِبل العديد من الجمعيات بتسديد الدفعات المالية المستحقة للشركة قامت إحدى المؤسسات المالية ذات التخصص المصرفي بالقيام بدور التحصيل لمصلحة الجهات الموردة للجمعيات، وتتقاضى هذه المؤسسة نسبة من المبلغ المحصل، وهناك ما يقدر بما نسبته 70 في المائة من الشركات الموردة للجمعيات التعاونية تتعامل مع المؤسسة المالية تلك بغرض تحصيل دفعاتها المالية، نظير النسبة المئوية المتفق عليها.. وكثيراً ما تحجم بعض الجمعيات التعاونية، جراء العجز المالي وسوء الإدارة أو الفساد والسرقات، عن دفع المستحقات المالية التي عليها للمؤسسة المالية المعنية بالتحصيل، وهنا تقوم هذه الجهة بإبلاغ الجهات الموردة للجمعيات التعاونية بوقف التعامل التجاري مع تلك الجمعية جراء عجزها عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، وبأن المؤسسة لن تكون مسؤولة عن تحصيل الأموال في تاريخ محدد لمصلحة الموردين.. وقد يستمر الإيقاف لأشهر أو لأكثر من سنة، نتيجة للوضع المالي السيئ الخاص بالجمعية التي يتم التعامل معها، وبناء على التعميم الذي يتم توزيعه يتم إيقاف التعامل مع الجمعيات التعاونية العاجزة عن تسديد التزاماتها المالية.
طرق الاحتيال والاختلاسات
هذه الإجراءات والتصرُّفات التي تقوم بها الجمعيات التعاونية غدت سياسة عامة تشمل كافة الجمعيات التعاونية، إلا أن هناك عددا من الجمعيات أخذت نهجا آخر يضاف إلى السياسة العامة التي ذكرناها، نهج أساسه السرقة والاختلاس بطرق عدة، أولها الفواتير الوهمية، حيث يتم إصدار فواتير لا تستند إلى بضائع تم توريدها للجمعية التعاونية، مجرد فاتورة تحمل مبلغا ما، ويتم تسديدها من حساب الجمعية لأطراف ذوي صلة مع أعضاء مجلس الإدارة.. جمعية واحدة في محافظة الفروانية لديها عجز مالي يقدَّر بخمسة ملايين دينار.. بالطبع، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بحل مجلس إدارتها وتعيين مجلس بديل، إلا أن الكوادر المالية التي تعمل استمرت في عملها، وبعضها قد يكون ضالعا بأمر السرقات التي تمَّت، وربما يكون قد حصل على نسبة من الأموال المسروقة.. حالات أخرى من السرقات، بأن يتم طلب مواد تجارية ويتم ختمها بالتسليم، لكنها لا تدخل مخازن الجمعية، بل يجري تصريفها خارج نطاق الجمعية، وتذهب الأموال لأطراف عاملين فيها. إحدى الجمعيات الكبيرة في المنطقة الخامسة وصل العجز المالي فيها إلى مبلغ مليوني دينار، وحتى أمين الصندوق الذي كانت بحوزته الأموال النقدية لديه عجز بالصندوق ما يقارب 55 ألف دينار.. الإجراء الذي اتخذ بحقه، هو إنهاء خدماته ودفع مكافأة نهاية الخدمة له!
طريقة أخرى للاختلاسات تتم بأن يتم توريد المواد للجمعيات أو لبعضها، ولكن ليس بشكل مباشر ما بين الجهة الموردة والجمعية، بل عن طريق أحد أعضاء مجلس الإدارة، ولا سيما المواد التي تعاد تعبئتها، كالسكر والحبوب.. تأتي بكميات كبيرة وعن طريق الأعضاء تتم تعبئتها بأكياس نايلون بوساطة الآلات الاعتيادية، وتعرض بالجمعيات! وهذا يسمى بالعرف التعاملي «احتكار السلعة» عن طريق أعضاء مجلس الإدارة من دون أن يتم اكتشاف الأمر.
لقمة الخضار والفواكه
الخضار والفواكه مادة استهلاكية يومية، وفيها لقمة كبيرة عند انعدام الأمانة، وعادة ما يتم توريد الخضار والفواكه عن طريق متعهد يتولى العملية بشكل يومي، ومن تحت الطاولة هناك نسب لا يُستهان بها من المبالغ تذهب لجيوب العاملين أو أعضاء مجلس الإدارة.. نوع من «الأتاوة» اليومية متعارف عليها ما بين المورد وأعضاء مجلس الإدارة أو عاملين في الجمعية.
أكبر هجمة مالية
وأخيراً، لعل أكبر «هجمة» مالية تلك التي تحدث في الجمعيات التعاونية التي تم استكمال بنائها ويتم افتتاحها وانتخاب مجلس إدارة لها.. هنا تأتي الانتخابات في منتهى السخونة والقوة، والأعضاء القادمون الجدد للجمعية الجديدة سيتولون تجهيز الجمعية بالمعدات، ومراسلة الموردين لكافة المنتجات الغذائية، وغيرها من المواد الاستهلاكية الأخرى، كما سيتولون مباشرة تأجير المحال التابعة للجمعية لمختلف الأنشطة التي تخدم المنطقة ومجلس الإدارة المنتخب سيتولي شؤون الجمعية من الألف حتى الياء، فهم أمام جهات كثيرة جداً من الذين يتعاملون مع الجمعية، لتأتي بعد ذلك عملية التنفيع والاستنفاع وتمارس سياسة «طعمي الفم تستحي العين» والأفواه منتظرة ومترقبة للطعام المالي الذي يرد، سواء من الموردين للمواد التجارية، أو المتقدمين لمزاولة نشاط ما في المحال التابعة للجمعية التعاونية.. لذا، بالنسبة للجمعيات الجديدة يكون «الرزق» أكبر من تلك القائمة.
القانون و«الشؤون»
قانون الجمعيات التعاونية الذي تم إقراره هذا العام، واللائحة التنفيذية التي صدرت أخيرا ليست عصاة سحرية بذاتها لمواجهة حالات السرقات والتجاوزات في الجمعيات التعاونية، ما لم يتم تعيين أشخاص قادرين على تطبيق القانون واللائحة، يكونون على قدر من الكفاءة المحاسبية والإدارية.. بالطبع وزارة الشؤون الاجتماعية ستقوم بتعيين مراقبين، مالي وإداري، لكل جمعية تعاونية، كما أن هناك تقارير دورية سيتم القيام بها من قِبل هؤلاء المراقبين تبيّن سير أعمال وأداء الجمعيات التعاونية، وسيتم إرسالها لوزارة الشؤون، والمفترض أن تتحصَّن الوزارة بكفاءات وكوادر لمراجعة تلك التقارير الدورية، وبالذات الكوادر المحاسبية المعنية بمراقبة وتحليل التقارير المالية.. ويفترض بهؤلاء أن يكونوا أكثر خبرة ودراية وممارسة محاسبية من المراقبين الماليين للجمعيات، حتى يمكن توجيههم في حال وجود خلل أو قصور في تقاريرهم الدورية.
سيكون هناك 56 مراقبا ماليا على الجمعيات، ومثيل هذا العدد كمراقبين إداريين، كل مراقب يرسل أربعة تقارير دورية في السنة.. وبذلك، سيكون هناك 448 تقريرا في السنة، سواء تقارير مالية أو إدارية سترسل لوزارة الشؤون، لتمحيص أداء الجمعية بناءً عليها.
وهنا تحتاج وزارة الشؤون، وحتى لا تأخذ تلك التقارير الطابع الشكلي والروتيني، أن تتزود بالكوادر المميزة لمتابعة تلك التقارير، ومن خلالها متابعة أداء الجمعية التعاونية ومعرفة مواطن الخلل أو التجاوزات والسرقات التي تتم في بعض الجمعيات.
لا نعتقد بأن وزارة الشؤون في الوقت الحالي وفرت الكوادر المهنية الجيدة للمباشرة في تسيير آلية تنفيذ اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات، فهي بحاجة لعدد كبير من المراقبين، إضافة لتوفير رؤساء لهؤلاء المراقبين الميدانيين الذين يتولون شؤون المراقبة في الجمعيات.
نعلم تماماً بأنه للحصول على مراقب مالي ذي كفاءة جيدة عنصر غير متوافر في سوق العمل.. هناك أعداد جيدة من جنسيات غير عربية خارج سوق العمل كمراقبين أو رؤساء للمراقبين، كونهم لا يعرفون اللغة العربية، أما إيجاد مراقبين محاسبين أو رؤساء على المراقبين من المواطنين، فهذه عملة شبه نادرة، كونهم يرغبون في الالتحاق بالبنوك أو ديوان المحاسبة، كجهات مفضلة عن وزارة الشؤون الاجتماعية.
الخشية في الحقيقة أن يصبح القانون مجمداً، جراء النقص في الكوادر البشرية المميزة، وينطبق هذا الأمر على اللائحة التنفيذية عند تطبيقه، وتظل مجرد أوراق مكتوبة جراء عدم توفر الكوادر لتنفيذها، وخاصة أنه جرت العادة في الكويت بأن تصدر القوانين واللوائح التنفيذية لها وعند تطبيقها أو محاولات التطبيق يتم البحث المضني عمن يتولاها، وهذا ما حدث بشأن مفوضية سوق الأوراق المالية.. بحثوا واتصلوا، وفي النهاية عادوا إلى السيد «صالح».
مهام كبيرة
المهام الملقاة على عاتق وزارة الشؤون كبيرة وكثيرة، كما أن السرقات والتجاوزات كبيرة وكثيرة أيضا في الجمعيات التعاونية، ولا يمر تقريبا عدد من أعداد الجريدة الرسمية، إلا وتجد قرارا صادرا من وزارة الشؤون الاجتماعية يقضي بحل مجلس إدارة إحدى الجمعيات التعاونية وتعيين أعضاء بدلا منهم.. أو التجديد لأعضاء معينين.. فقد أصبحت الجمعيات التعاونية أو عدد منها مجالا واسعا للاستفادة والسرقات والاستيلاء على حساب مساهمي الجمعية.