خدم المنازل.. بين الاتجار بالبشر وغياب المصداقية

خدم-المنازلخدم المنازل مشكلة قديمة حديثة ومتجددة في الكويت، ولا يوجد لها حل جذري لحد الآن، رغم الانتقادات التي توجه للكويت بسبب العمالة الوافدة سنويا، وعلى رأسها فئة الخدم التي يوجه للكويت منذ سنوات تهمة الاتجار بالبشر من قِبل الخارجية الأميركية والمنظمات الحقوقية.

قضية الخدم تحديداً من الخطأ النظر لها من منظور واحد فقط، وهو أنها عمالة مغلوب على أمرها، ولكن يجب النظر إليها أيضا من منظور من تعمل عنده تلك الفئة، وهل كل من يستقدمون خدما للعمل فعلا ليس لديهم إنسانية أو رحمة؟ أم ان الكثير منهم مظلوم؟ وما الدور الحقيقي لمكاتب الخدم؟ وهل فعلا يشاركون في جريمة الاتجار بتلك الفئة، من أجل الحصول على المال فقط؟

إذن، هي قضية لها ثلاثة أطراف، هم: الخادم والمخدوم ومكتب الخدم، والسؤال: من الظالم ومن المظلوم؟

للإجابة عن تلك الأسئلة، كان لابد من وقفة مع الأطراف الثلاثة، لمعرفة كافة الأبعاد الكامنة وراء تلك القضية المهمة، والتي آن الأوان للانتهاء منها.

ولمعرفة كل ما يتعلق بها، كانت لي زيارة إلى أكثر من مكتب خدم، ليس بصفتي إعلامية للتحري عن الموضوع، لأن معظم المكاتب يرفضون الحوار مع الصحافة، ولكني دخلت بصفة زبونة تسأل عن خادمة مرتجعة وتجوَّلت بين ستة مكاتب، ووجدت فيها جميعا خادمات مرتجعات.. وبصفتي زبونة، فمن حقي أن أعرف أسباب رجوع هؤلاء الخادمات من منازل مخدوميهم، وفي الوقت نفسه التقيت بعض من يسألون عن خدم في تلك المكاتب، وهنا بدأت حواراتي كالتالي:

كتبت عزة عثمان:
كوماري خادمة هندية أتت قبل أربعين يوما من الهند، لتعمل عند إحدى الأسر الكويتية، ولكنها وجدت أن البيت به سبعة أولاد أشقياء، وكل واحد وواحدة منهم له طلبات مختلفة عن الآخر، ويصرخون في وجهها إذا لم تلبها، لدرجة وجدت نفسها أنها تعمل من السادسة صباحا حتى التاسعة مساء بلا انقطاع، وشعرت بأن جسمها النحيل لم يعد يتحمَّل في بيت مخدومها أكثر من شهر، فطلبت منه عدم البقاء وإرجاعها للمكتب، فأخذها الكفيل وأرجعها وطلب بديلا أو المبلغ الذي دفعه للمكتب.

وماري أيضا خادمة هندية أخرى، وهي امرأة ليست صغيرة في السن، فعمرها 50 عاما تقريبا، جاءت لدى أسرة وافدة لديها خمسة أطفال، ولم تستطع أيضا تحمُّل هذا العدد من الأطفال، فطلبت إرجاعها للمكتب.

ومن خلال ما سمعته من كل الخادمات اللاتي رأيتهن، وجدت أن التمرُّد على العمل أو رفضه سببه واحد، وهو كثرة عدد الأولاد أولا، والمعاملة السيئة ثانيا، فهل هؤلاء الخادمات لا يعرفن أين سيخدمون قبل المجيء من بلادهن؟ وهل يتعرَّضن فعلا للنصب والاحتيال؟ وللإجابة عن هذا السؤال، كانت اللقاءات مع من أتين بخادماتهن لإرجاعهن، أو من أتين للبحث عن الخادمة التي أتت قبل عشرة أيام وهربت .

هروب مفاجئ

أم محمد، امرأة وافدة تعمل مدرسة وزوجها طبيب، وقبل أسبوعين وصلت خادمتها الفلبينية التي كانت طلبتها قبل شهر ونصف الشهر، ودفعت للمكتب ألف دينار ثمن استقدامها، ولكنها فوجئت عند عودتها من العمل، بعد أسبوعين من عمل الخادمة، بأنها هربت وتركت أطفالها في المنزل، بعد أن قالت إنها ستلقي بكيس النفايات وستعود، لكنها كانت ترتدي ملابسها تحت ملابس المنزل وخرجت ولم تعد، فاتصلت أم محمد بالمكتب تبلغه بما حدث، فبدأ المكتب بالبحث المبدئي عن الخادمة، باعتبارها لاتزال في فترة كفالة المائة يوم التي يحق لمن طلبها إرجاعها خلالها، إن لم تكن جيدة، وبالفعل، وجد المكتب الخادمة التي لجأت للسفارة، فطلب من السفارة إحضارها للمكتب، وهنا سألت الخادمة عن سبب هروبها، فقالت إن البيت فيه أربعة أطفال، وهذا العدد كبير جدا بالنسبة لها، ولا تستطيع أن تنتبه عليهم، فسألت أم محمد، هل كتبت في الطلب مواصفات منزلك وعدد الأطفال قبل أن تطلبيها، فقالت نعم، كتبت كل شيء، وحادثتها على الهاتف قبل استقدامها وإرسال الفيزا لها، وقلت لها ظروف عملي وعدد أولادي وطبيعتهم، ووافقت بكل ترحيب للمجيء، ولكني فوجئت بهروبها بعد أسبوعين فقط!

حكاية أم محمد مع الخادمة تتشابه مع الكثير من الحكايات التي سمعتها، والقليل من الخدم هربن، لسوء المعاملة.. ولكن ما دور المكتب ولماذا لا يكون أصحاب المكاتب عمليين أكثر في هذا الموضوع، وأن ينأوا بأنفسهم عن أي شبهات؟

العيب هناك

صاحب أحد المكاتب دار بيني وبينه حوار طويل عن سبب ارتفاع أسعار الخدم أولا، فقال إن سبب ارتفاع الأسعار أن كثيرا من الدول أوقفت إرسال الخدم للكويت، مثل إندونيسيا ومدغشقر، وكذلك بعض الدول الأخرى بسبب الكثير من المشاكل التي تواجهها سفاراتها مع الخدم، كما أن الهند قبل ثلاث سنوات شددت الإجراءات عن قبل، وأضاف أن المبلغ الذي يؤخذ من طالب الخادمة لا يحصل عليه المكتب في الكويت كاملا، ولكنه يحصل على النسبة الأقل منه والجزء الأكبر يذهب للمكاتب أو للوزارات التي يتم استقدام الخدم عن طريقها من بلدانهم، ويؤكد أن الاتجار بتلك الفئة لا يتم في الكويت، ولكنه يتم في بلدانهم هم، لأنهم في بعض الأحيان يأخذون مبلغا من المكاتب هنا في الكويت ويحصلون من الخادمة التي تريد العمل على مبلغ أيضا، وهنا تبدأ فعلا عملية الاتجار بالبشر، ويؤكد أن العيب في حكومة بلدانهم هم، وليس في الكويت، والدليل «أننا في الكويت نكفل الخادمة لمدة مائة يوم، ومن حق الشخص الذي طلبها إرجاعها خلال تلك المدة، كما نبحث لها عن بيت آخر يناسبها ولا نستطيع إرجاعها لبلدها، لأننا دفعنا مبلغا كبيرا في بلدها، ومن الصعب جدا استرجاعه، فمن سيتحمل الخسارة حينئذ؟ فطالب الخادمة ليس له ذنب، والمكتب أيضا ليس له ذنب، لذا نضطر لبيعها لشخص آخر، حتى يأخذ الذي ترفض البقاء عنده حقه.

اتجار علني

بعدما سمعناه من الأطراف الثلاثة، لوحظ أن المشكلة فعلا ليست سهلة، ولكن هناك مشكلة أخرى تطل برأسها علنيا منذ سنتين تقريبا، وهي الإعلانات التي نقرأها باستمرار في الصحف الإعلانية، وهي الإعلان عن خادمة للبيع من قِبل أسرة، وهذا الإعلان يعد في منتهى الجرأة والاتجار العلني في البشر، وخصوصا أن هناك بعض الأسر التي تأتي بالخادمة وبعد انتهاء المائة يوم كفالة المكتب ترفض الخادمة البقاء، وهنا يبدأ رب الأسرة بالبحث عن «مشترٍ» يدفع له ما دفعه ويتنازل له عن كفالتها، وأسر أخرى بعد انتهاء مدة عقد الخادمة وعدم رغبتها في البقاء لديهم تطلب تنازلا، لأنها لا ترغب في البقاء، فيعرض عليها الكفيل مبلغا مقابل التنازل عن إقامتها، وهذه تحدث كثيرا الآن.

مقترحات

ربما يمكن القضاء على تلك المشكلة، إذا لم يتم استقدام هؤلاء الخدم بشكل مباشر، بعيدا عن المكاتب هنا، وهناك فقط عن طريق الإنترنت الذي يستخدمه الناس في كل بلدان العالم، الغني والفقير، لأنه لو استقدمت الخادمة بعيداً عن دفع تلك المبالغ الكبيرة التي تدفع للحصول عليهن الآن، ستكون التكلفة مجرد تذكرة طائرة ومصاريف بسيطة يمكن لأي شخص التغاضي عنها في حال عدم رغبة الخادمة في البقاء، وسيكون مجيئها بشكل رسمي، وبعقد عمل أيضا، وربما لو تم إدراج تلك الفئة ضمن قانون العمل في القطاع الأهلي لقلت أيضا آثارها السلبية.

الطامة الكبرى

أما الطامة الكبرى في تلك القضية، والتي تؤكد الاتجار بتلك الفئة من البشر، فهي أن الكثير من المكاتب عند إرجاع أي خادمة لهم يقومون بإرسالها لبيوت أخرى فترة تجربة لمدة عشرة أيام، في كل يوم يحصل المكتب على ثلاثة دنانير من صاحب البيت، وأحيانا أكثر، والخادمة لا تحصل على فلس واحد من هذا المبلغ، فقط طعامها وشرابها ومبيتها في المنزل الذي يتم تجربتها فيه تحصل على معاش في حالة واحدة، لو أكملت شهرا لدى من تخدم لديه يدفع لها مباشرة وهناك الكثير من الخادمات، نظرا لعدم معرفتهن باللغة العربية أو الإنجليزية لا يعلمن ما يحدث، وممكن أن تتنقل الخادمة من منزل لمنزل لمدة أشهر في كل بيت تقضي عدة أيام تعمل والمكتب يقبض.

كفيل بمقابل

هناك فئة أخرى من الخدم تؤكد حقيقة الاتجار بالبشر في الكويت، وهن الخادمات اللاتي لا يعملن في بيت واحد، ولكنهن يفضلن – على حد قولهن – العمل الحُر، فقط يحتاجون لكفيل يكفلهن مقابل دفع مبلغ كل سنتين، وطبعا هذا المبلغ ارتفع كثيرا بعد الحملة الكبرى التي قامت بها وزارة الداخلية بداية الصيف الماضي في الشوارع وفي سكن تلك الفئات وتم القبض على الكثيرات منهن وترحيلهن من البلد.. أما ما يبكي في هذه النقطة، فهي أنه عندما تقوم الشرطة بالقبض على الخادمة في الشارع ويقوم المخفر بالاتصال بالكفيل لإخراجها الكثير من الكفلاء مجرد أن يعرفوا أنه المخفر يقومون بإغلاق هاتفهم، وبالتالي تقوم السلطات بتسفير الخادمة التي ربما تكون قد دفعت مبلغ 500 دينار للكفيل قبل أيام أو أشهر قليلة لتجديد إقامتها، وطبعا لا تستطيع أن تسترد ما دفعته.

يذكر أن الخادمة قبل حملات وزارة الداخلية المكثفة كانت تدفع 400 دينار للكفيل كل سنتين، وبعد تلك الحملات ارتفع المبلغ لـ650 دينارا.

ومن الجدير بالذكر من أحد المصادر، أنه خلال حملات الصيف الماضي كانت وزارة الداخلية تخاطب سفارة الهند، باعتبار أن رعايها كانوا أكثر عددا، ويسقطون في قبضة الشرطة لاستخراج وثائق لتسفيرهم في حال عدم إيجاد الكفيل الذي يحتفظ بجواز الخادمة، وذلك حتى يتم تسفيرهم، ولكن وزارة الخارجية الهندية بعد فترة خاطبت السفارة الهندية في الكويت بعدم استخراج وثائق للخادمات، وأن يعدن بجوازاتهن كما خرجن به.

دورات وورش

كثير من الدورات التدريبية وورش العمل تنظم من كافة الجهات المعنية بحقوق الإنسان والعمالة الوافدة والخدم، سواء الجهات الكويتية أو التي تمثل بصفة دولية أو إقليمية في الكويت ويتم الخروج بكثير من التوصيات خلالها ولكن دون أية جدوى.. فأين الخلل؟

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.