كتب عبدالله التميمي:
برَّأت محكمة الجنايات يوم الإثنين الماضي، برئاسة المستشار هشام عبدالله، جميع المتهمين بحادثة دخول «أو اقتحام» مجلس الأمة، والتي اتهمتهم النيابة العامة فيها بالعديد من التهم، كما رفضت الدعوى المدنية المقدَّمة من رئيس المجلس المبطل السابق، علي الراشد، والنائب السابق محمد الجويهل، لعدم الاختصاص.
فرحة
وقد عمَّت الفرحة بهذه البراءة والأحكام الصادرة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن المتهمين عددهم 70 مواطناً، من بينهم 11 نائباً سابقاً، وقد اعتبرت هذه القضية من القضايا المهمة في تاريخ السياسة والقضاء الكويتي، التي ستلقي بظلالها على كثير من القضايا القادمة على الساحة.
وكانت الكويت مرَّت يوم الأربعاء، 16 نوفمبر 2011 بليلة تاريخية لا يمكن أن يتغافل عنها أي مؤرخ يريد أن يؤرخ للحياة السياسية.. لا نقول للكويت، بل للمنطقة الخليجية كلها، فالحدث كان صاعقاً، وهو الأول من نوعه سياسياً في المنطقة، ما حدا بالبعض أن يُطلق عليه «الأربعاء الأسود».. والبعض الآخر أطلق عليه «الأربعاء الأبيض».
ندوة «كفى عبثاً»
وقد خرج الشباب في تلك الليلة من ندوة «كفى عبثاً» الشهيرة من ديوان النائب السابق مسلم البراك، متجهين إلى منزل رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد، للاحتجاج أمام منزله، فوقف رجال الداخلية بوجه المسيرة الشبابية، وحصل بعض التدافع، ما حدا بـ»الداخلية» أن تستعين بالقوات الخاصة، في محاولة منها لإنهاء التجمُّع وتفريقه، فكانت النتيجة أن ازداد غضب الجموع، وازدادت أعداد المتظاهرين أيضاً.
وحاصرت «الداخلية» المسيرة، فأصبح من الصعب دخول وخروج المتظاهرين من محيط ساحة الإرادة، حيث سوّرت المكان، في محاولة منها لوقف أي مسيرة، واعتبر الشباب هذا الفعل من «الداخلية» حصاراً مفروضاً عليها، وبالتالي، فلابد من اللجوء إلى مكان ما يحتمي به هؤلاء الشباب، وهذا وفق دفاع المتهمين ورواية المتظاهرين، رغم ادعاء ضباط «الداخلية» أنهم تركوا المجال لخروج المتظاهرين إلى سياراتهم، وهو ما أنكره المتظاهرون، وأخرجوا «فيديو» يظهر فيه أحد كبار الضباط الميدانيين في ذلك الوقت، وهو يأمر فيه أفراده بألا يسمحوا لأي شخص بالخروج.
مفاجأة
وبعد ذلك كانت المفاجأة التي اعتبرها البعض عفوية، حيث توجه كثير من المتظاهرين إلى مبنى مجلس الأمة القريب، حيث دخل الشباب برفقة عدد من النواب إلى داخل مجلس الأمة وإلى أروقته، ثم إلى داخل قاعة عبدالله السالم، واحتفلوا هناك بطريقتهم الخاصة، وأخذوا «مطرقة الرئيس» وحملوا الأعلام، واحتفلوا احتفالاً كبيراً سُمع صداه من بعيد، معتبرين أنفسهم وصلوا إلى مرحلة نضالية متقدمة.
ثم كانت المفاجأة الكبرى للمتظاهرين في يوم التالي، حيث وصمت بعض صحف الكويت ما فعله المتظاهرون بكل نقيصة، ورمتهم بكل داء، واعتبرتهم «دخلاء» و»فوضويين»، وهو ما حرض الرأي العام الكويتي على هؤلاء الشباب، وحُرّكت ضدهم الدعاوى والاتهامات، وسبحوا في تيارات القضاء الكويتي لأكثر من عام ونصف العام. وخلال عام ونصف العام برزت العديد من الحقائق والكثير من الروايات حول الحادثة، داخل المحكمة وخارجها، وتضاربت أقوال الشهود من حرس المجلس، وهذا التضارب كان أحد أسباب براءة المتهمين، مع أسباب أخرى دفعت محكمة الجنايات للحكم ببراءة المتهمين. ومهما يكن من أمر، فإن هؤلاء الشباب تمسك أغلبهم برأيه، ولم يتأثر بالحملة الإعلامية الشرسة التي قامت ضده من بعض الصحف ووسائل الإعلام، فآمن بقضيته وأظهر استعداده لدفع الثمن.
رواية الشهود
كما أن رواية الشهود ورواية المتظاهرين وغير المتظاهرين أظهرت تضارباً شديداً في كيفية الدخول، ومن دفع له، حيث ادعى بعض النواب السابقين أن الضباط الميدانيين هم من طلبوا منهم التوجه لمجلس الأمة بعد الحصار المفروض عليهم من قِبل الداخلية، وبعضهم يقول إنهم هم من دخل مجلس الأمة بإرادتهم الخاصة، كرسالة سياسية للتعبير عن الرفض السياسي، وهذا التضارب، وخصوصاً من جهة الشهود، جعل القضية مهزوزة الأركان، وعلى إثر ذلك حكمت المحكمة ببراءة المتهمين.