كتب محرر الشؤون المحلية:
لاتزال الخطوط الجوية الكويتية تمر بمنطقة مطبات، وهذا ما أشرنا إليه في «الطليعة»، حيث تناولنا موضوع مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، وتحويلها إلى شركة مساهمة، بموجب القانون رقم 2008/6، ومرسوم الضرورة رقم 22 لسنة 2012، الذي صدر في فترة توقف العمل البرلماني.. وقلنا إن مسلسل مرور الشركة المراد تخصيصها لايزال مستمراً، ولم تخرج بعد من منطقة المطبات التي طالت كثيراً، وأدَّت أخيرا إلى قيام وزير المواصلات بإصدار قرار يقضي بتجميد رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الكويتية، الكابتن سامي النصف، وإحلال نائبه جسار الجسار، ليتولى إدارة مجلس الإدارة، ومنع اعتماد توقيع النصف على أي إجراءات لعقد صفقات من أي نوع، وهو تجميد كامل، بعد أن أعلن السيد النصف عزم «الكويتية» على شراء خمس طائرات إيرباص بحالة ممتازة من شركة جت أيرويز الهندية، وكان من المفترض تسليمها قريباً، قياساً للفترة الزمنية الاعتيادية التي كان يتم فيها تسليم الطائرات للمستفيد، كما أنها ملائمة لمهندسي «الكويتية» الذين يعرفون هذا النوع من الطائرات.. وبهذا، لا تحتاج العملية إلى تدريب على تشغيل طائرات جديدة، لا معرفة لمهندسي «الكويتية» بها، فضلاً عن أن تكلفة شراء الطائرات الخمس أقل بكثير من عملية التأجير، كما كان سيتم توفير المبالغ المالية الكبيرة المخصصة لأسطول «الكويتية» الحالي المتهالك عند استعمال تلك الطائرات التي لم يمضِ على تشغيلها إلا بضع سنوات.
المشهد الخلفي
جملة ذات أهمية كبيرة وردت في المؤتمر الصحافي الذي عقده النصف يوم 24 نوفمبر الماضي بقوله «إن شركة الخطوط الجوية الكويتية لم تقبل التعامل مع الوسطاء، والشركة المصنعة – إيرباص – ستقوم بتحويل الملكية إليها، ومن ثم إلى «الكويتية»، ونحن سندفع لشركة إيرباص، فنحن لم نقبل وسطاء منذ البداية».. هذه الفقرة قد تفسر أو تسلط قدرا من الضوء على المشهد الخلفي لموضوع إيقاف الصفقة من قِبل الوزير وإيقاف النصف من عمله.
كثير من اللخبطة
في الحقيقة، موضوع «الكويتية»، ونقصد الشركة، وليس المؤسسة السابقة، فيه من اللخبطة الكثير منذ صدور القانون الأول عام 2008، والذي وضع حداً زمنياً لتحويل المؤسسة إلى شركة خلال فترة عامين، أي في بدايات عام 2010، نحن الآن شارفنا على طي أربع سنوات على مهلة الإنجاز، ولم يتم تنفيذ القانون المذكور، وسط كمّ هائل من تخبطات وزراء المواصلات الذين تعاقبوا على الوزارة، وكان أكثرهم تخبطا د.محمد البصيري، وأتى مرسوم الضرورة الذي صدر في أكتوبر عام 2012، ليزيد الموضوع تخبطاً في مساره التنفيذي، جراء المواد التي تضمنها ذلك المرسوم.. أول هذه التخبطات أن من يعيّن مجلس إدارة الشركة بموجب المادة الثانية من المرسوم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد هو وزير المواصلات.. وهكذا، قام وزير المواصلات بعملية التعيين، فبموجب المادة يعيّن وزير الموصلات رئيس مجلس الإدارة، مع أن الشركة تخضع لقانون الشركات، إلا أن هذا التعيين مخالف لهذا القانون، كون من ينتخب رئيس مجلس الإدارة هو مجلس الإدارة نفسه، بموجب قانون الشركات التجارية، وليس الوزير.
والمادة الرابعة من المرسوم تقضي بأن يكون مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار هو الجهة التي تباشر اختصاصات الجمعية العامة العادية وغير العادية للشركة، وهذا يعني أنه في حال قيام مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الكويتية بدعوة لاجتماع مجلس الإدارة بجلسة عادية أو غير عادية لاتخاذ قرارات ما بشأن الشركة، فهو لا يلجأ لوزير المواصلات، بل لوزير المالية، كون الهيئة العامة للاستثمار تحت مظلته، ولا شأن لوزير المواصلات بأي قرار يتخذ، حتى لو كلف مئات الملايين من الدنانير.. هل توجد لخبطة قانونية أكثر من ذلك؟!
صلاحيات الشركة
كذلك، نصت المادة الأولى من المرسوم المذكور على: «تعتبر مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية شركة مساهمة باسم شركة الخطوط الجوية الكويتية تتولى تنفيذ جميع أغراض المؤسسة وتؤول إليها جميع الأصول المادية والمعنوية والخصوم».. الفهم المنطقي والعملي لهذه المادة، أن من صلاحيات الشركة أن تتولى مهام مؤسسة الخطوط، ومنها حق شراء أو تأجير طائرات، وهذا الأمر يتفق تماماً مع ما جاء في البند رقم 2 من المادة الثالثة للمرسوم، الذي أعطى مجلس الإدارة مباشرة ترتيب أوضاع الشركة، وفقا لأحكام قانون الشركات التجارية، ومنها «إعادة الهيكلة المادية والبشرية للشركة»، كما ورد في البند 2 من المادة المذكورة.. ماذا يعني إعادة الهيكلة المادية غير تحسين أداء الشركة؟ وتحسين الأداء الذي يأخذ صفة الأولوية القصوى يقتضي اقتناء طائرات حديثة محل فحص الجهات الفنية، بعد أن تهالك أسطولها الحالي، مع صرف مبالغ طائلة على عمليات الصيانة اليومية والدورية على أسطولها المتهالك، ومن ضمن مهام مجلس إدارة الشركة أن تتم إعادة هيكلة الشركة، ليتم عرض 35 في المائة من رأسمالها لشريك استراتيجي، وهذا الشريك الذي يتم البحث عنه لا يرغب إطلاقا بشراء أو المساهمة بهذا القدر من رأس المال في شركة ذات أصول «مسكربة».. والمضحك، بل المفجع، أن وزير المواصلات برر اتخاذه وقف عملية شراء الطائرات الخمس بكلفة شرائية تبلغ 282 مليون دولار، أنه مسؤول عن «الكويتية»، ويحافظ على المال العام، وذلك في الوقت الذي تنازلت فيه الكويت عن مبلغ 700 مليون دولار، واكتفت بـ 500 مليون دولار بموجب المرسوم رقم 2012/23، والذي وقعه وزير المواصلات السابق م.سالم الأذينة، على إثر حكم قضائي على مؤسسة الخطوط الجوية العراقية، يقضي بدفع مبلغ 1200 مليون دولار، وأتى هذا المرسوم ليتم خفض المبلغ إلى 500 مليون دولار، والتنازل عن الباقي، البالغ 700 مليون دولار، بموجب تسوية بين البلدين، وهذا التخفيض ما هو إلا انعكاس للكرم الحاتمي بحق دولة لا تشكو من فاقة وقلة الأموال، بل تجري أموالها في أنهر وجداول الفساد المتعددة التي وضعتها في درجات دنيا من مؤشرات الفساد عالميا، في حين أن المبلغ المخصص لشراء الطائرات الخمس التي تم إيقافها لا يشكل إلا 23.5 في المائة من مبلغ الحكم الإجمالي الصادر على مؤسسة الخطوط العراقية.
أداء متردٍ
وهكذا، لاتزال شركة الخطوط الجوية الكويتية تمر بمطبات هوائية مستمرة.. وبموجب تصريحات وقراءة ما بين السطور للمؤتمر الصحافي الذي عقده الكابتن النصف، فالسماء ليس فيها مطبات فقط، بل هي سماء مليئة بالغيوم أيضا، وكما يقول المثل «في الجو غيم»، لا يمكن الحديث عن كافة المعلومات المتوافرة والإجراءات التي اتخذت من هذا الطرف أو ذاك، ليستمر مسلسل شركة الخطوط، ولا عزاء لهذا الأداء المتردي والمستمر في الانحدار.
فقدان الثقة
وأخيراً، يبقى موضوع تردي سمعة المؤسسات الكويتية أمام الجهات الخارجية.. فعلى صعيد شراء الطائرات، هناك العديد ممن يعلم بالمفاوضات التي جرت مع أطراف خارجية، سواء شركة إيرباص أو جيت أيرويز الهندية لشراء خمس طائرات، كما تم تخصيص وقت للتفاوض بشأن السعر والنواحي الفنية للطائرات، وكان هناك شبه عزم نهائي لاستكمال عملية الشراء، بعد أن وافق الطرف الكويتي على العرض المقدَّم، ومن ثم يتم التوقف عن استكمال إجراءات الصفقة وإيقافها من قِبل وزير المواصلات، وهذا الأمر من شأنه أن يجعل الكويت بشكل عام، وشركة الخطوط الكويتية بشكل خاص، تفقد مصداقيتها، وتؤدي هذه الحالة إلى فقدان الثقة لدى الجانب الأجنبي في جدية ومصداقية المؤسسات الكويتية، ولاسيما أنها أصبحت صفة من صفات الكويت، كدولة تعقد العزم على القيام بأمر ما ويتم صرف مبالغ كبيرة بغرض التعاقد، من سفرات عمل ومخططات وغيرها، وبعد ذلك يتم إلغاء عملية التعاقد من دون اكتراث للسمعة.. وهذا ما حصل بالنسبة لصفقة الداوكويت، حيث تكبَّدت الكويت خسارة مزدوجة: مبالغ مالية كبيرة جداً، كغرامة على الإلغاء، وخسارة سمعة من جدية التعامل مع الغير.
وهذا ما حدث أيضاً بالنسبة لمشروع مستشفى جابر، حيث كانت ترسية المناقصة لمصلحة الشركة الكويتية الكورية، ثم تم إرجاء التعاقد وأعيد طرح المناقصة وترسيتها على مقاول آخر، بعد أن تكبَّد التحالف الكويتي الكوري مبالغ طائلة في الإعداد والتحضير للحصول على مناقصة مسشفى جابر.
آخر عمليات الإلغاء تلك كانت بشأن المستشفيات الأربعة التي تقدَّمت لبنائها عدة شركات، وتم إلغاؤها من قِبل وزير الأشغال الحالي.. وبغض النظر عن وجاهة الإلغاء والمبررات التي سيقت، إلا أنه في النهاية يظهر الجانب الكويتي بأنه غير جاد، ولم يدرس ما يريد، وما هي توجهاته، بل يظهره بطريقة عبثية بعيداً عن المهنية والكفاءة، قياساً بدول أخرى محيطة.
صفة سائدة
هذه مجرد عينة صغيرة من المشاريع التي يتم المضي بها، وما إن تحصل على ما يشبه الموافقة، حتى يتم إلغاؤها، سواء كانت مشاريع كبيرة، كمشروع الداو، أو غيرها من المشاريع الصغيرة، بحيث غدت صفة الإلغاء هي السائدة في الأداء الحكومي الكويتي، وهذا ما شمل شركة الخطوط الجوية الكويتية، ولكن وزير المواصلات لايزال يتعامل معها وكأنها مؤسسة الخطوط الجوية، وبسبب سوء القانون الأخير، جرى أمر تبعيتها له، مع أن الجمعية العمومية للشركة هي الهيئة العامة للاستثمار، وليست وزارة المواصلات أو وزيرها.
منذ سنوات كانت الحكومة تلقي إخفاقاتها وسوء إدارتها على شماعة المجلس، على أنه هو المعطل لها، شماعة امتلأت بأخطاء واخفاقات الحكومة، وأخذ عدد من الكتاب وجزء من الإعلام يروج لهذه المقولة.. الآن تمتلك الحكومة مجلس أمة في جيبها الصغير، إن لم نقل مجرد علاّقة مفاتيح، وأحسن تعبير للعلاقة بين الجهتين، التشريعية والتنفيذية، كانت مشاهدة مباراة فريق تشلسي الإنكليزي ضد بازل السويسري أثناء جلسة الاستجوابات التي جرت يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي.. حقا تحول المجلس إلى علاّقة مفاتيح بيد الحكومة.. لا، بل «علاقة مفاتيح حَلْية» (صدئة).