كتب محرر الشؤون الاقتصادية:
لم تأتِ الملاحظات التي سجلها ديوان عام المحاسبة على الهيئة العامة للصناعة بجديد، فـ«الهيئة»، ومنذ سنوات، غارقة في هذه المخالفات، وتكررها كل عام، وكل عام يسجل عليها «الديوان» الملاحظات نفسها تقريبا، من دون أي تحرُّك جاد من قِبلها لإصلاح هذه الملاحظات، وهو ما تسبب في تراجع المستوى الصناعي في الكويت، وهجرة الأموال الصناعية خارج البلاد، إذ تقدر الأموال الصناعية التي هجرت البلاد – وفق آخر إحصائيات – بما يقارب 3 مليارات دينار، وهذه الأموال مرشحة للزيادة خلال الأعوام المقبلة.
وقد كشفت تقارير ديوان عام المحاسبة عن السنة المالية 2012-2013، العديد من المخالفات في الهيئة العامة للصناعة، وتم تداولها بشكل موسع خلال الأيام الماضية، ولكن ما يهمنا هنا هو الملاحظات ذات الارتباط الجوهري بالواقع الصناعي في البلاد، والتي أدَّت إلى تأخر وتدهور الصناعة الكويتية، حيث ذكر التقرير أن هناك قصورا شديدا في الهيئة العامة للصناعة، مبينة أن الأعمال المنجزة لم تتجاوز 6.8 في المائة فقط من المخطط له.
وأشار إلى أن الحساب الختامي للهيئة العامة للصناعة أظهر قصورا شديدا في تنفيذ خطة السنة الثالثة للسنة المالية 2012-2013، من مشاريع الخطة الإنمائية (2010 / 2011 – 2013 / 2014)، حيث بلغت قيمة ما تم إنجازه من أعمال 1.32 مليون دينار، من المعتمد البالغ 19.49 مليون دينار، أي بنسبة تشكل 6.8 في المائة، مع وجود عدد من المشاريع لم يتم صرف أي مبالغ عليها بسبب معوقات إدارية، وطالب الديوان هيئة الصناعة، مجددا، اتخاذ ما يلزم من الإجراءات التي تكفل الالتزام بتنفيذ المشاريع المدرجة بالخطة الإنمائية وفق المواعيد المحددة لتحقيق الأهداف المرجوة منها، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة كافة المعوقات.
لجان من دون آلية
وذكر التقرير أن هيئة الصناعة، بالإضافة إلى ما سبق، لم تقم بتنفيذ قرارات السحب الصادرة بحق الشركات المخالفة منذ عام 1999، ولم تقم أيضا بسحب بعض قسائم المستثمرين المخالفين للنظم واللوائح المعتمدة، بعد تنبيه وإنذار أصحابها لأكثر من مرة لإزالة المخالفات، وقامت «الهيئة» بتشكيل لجنة دائمة لتنفيذ ومتابعة قرارات سحب القسائم من دون وضع آلية لعمل تلك اللجنة، وهو ما أدَّى إلى خلل في عملها، فلم تقم بتنفيذ قرارات السحب طبقا لآلية منظمة، ولم يستدل على أي تقارير مرفوعة بهذا الشأن منذ أول قرار سحب في فبراير من العام 1999، وقد قام فريق الديوان بزيارة ميدانية لبعض القسائم التي تقرر سحبها، حيث تبين استمرار استغلال المستثمرين لتلك القسائم.
ومن المخالفات التي سجلها أيضا الديوان على الهيئة العامة للصناعة، عدم قيامها بإعداد أي تصوُّر لإدارتها للمناطق الخدمية والحرفية والتجارية منذ إسناد الإدارة والإشراف والتخصيص إليها منتصف العام 2006، الأمر الذي تسبب في وجود العديد من المخالفات، وأدَّى إلى ضعف دور «الهيئة» في إحكام الرقابة على المستثمرين في هذه المناطق، إذ بلغ إجمالي المخالفات التي تم رصدها في منطقة الشويخ والري 869 مخالفة من أصل 3132 قسيمة، وبلغ عدد المستثمرين الذين يزاولون نشاطا من دون ترخيص والمتعدين على أملاك الدولة 334 مستثمرا بنسبة 40 في المائة من عدد المخالفات، في حين أن تقرير قسم السلامة الصناعية بالهيئة لمخالفات قسائم الشويخ وردت فيه 8 مخالفات فقط، على خلاف المرصود على أرض الواقع من قِبل اللجنة، الأمر الذي يؤكد ضعف دور «الهيئة» في إحكام الرقابة على المناطق المذكورة.
كما أن ضعف الرقابة على القسائم المؤقتة الممنوحة من «الهيئة» للمستثمرين لغرض التخزين والتشوين وعدم تحصيل الغرامات المستحقة عليها، والتي بلغ ما أمكن حصره منها 3.89 ملايين دينار، وعدم تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في القانون أدَّى إلى تمادي المستثمرين بالتعدي على أملاك الدولة، ومن أمثلة ذلك استغلال مستثمرين لقسائم من دون سند قانوني، رغم انتهاء تراخيص الانتفاع لبعضهم لفترات تجاوزت مدد بعضها 10 سنوات، واستمرار استغلال بعض المستثمرين للقسائم، على الرغم من انتهاء العقود الحكومية التي تم من أجلها تخصيص القسيمة.. وهذا كله أدَّى إلى عدم التزام المستثمرين بالغرض الأساسي من تخصيص القسائم.
تضرر الصناعيين الجادين
وكشف تقرير ديوان المحاسبة عن كمّ كبير من المخالفات المالية والإدارية في الهيئة العامة للصناعة، لا يتسع المجال لذكرها، وما أوردناه هي المخالفات التي لها تأثير كبير على واقع الصناعة في البلاد، وتسببت في تضرر عدد كبير من الصناعيين الجادين.
ويعلق على ذلك أحد ملاك المصانع (رفض ذكر اسمه)، بالقول إن «هيئة الصناعة هي المتسبب الأول في هروب الاستثمارات الصناعية إلى الخارج وهيمنة أصحاب النفوذ والواسطات على القسائم الصناعية التي من المفترض أن تصل لرجال الصناعة وللشباب الراغبين في بدء حياتهم بمشروعات صناعية أو حرفية صغيرة»، مؤكدا أيضا أن ما ادعته «الهيئة» خلال الأشهر الماضية من أنها سحبت قسائم صناعية ممن خالفوا النظم والقوانين كلام غير صحيح، وجاء تقرير ديوان عام المحاسبة ليدحضه تماما.
عدو الصناعيين الأول
وأضاف لـ«الطليعة»، أن الهيئة العامة للصناعة من المفترض أن تكون الراعي الأول للصناعيين في الكويت، ولكن للأسف، فإنها العدو الأول للصناعيين، بما تقوم به من سياسات خاطئة، ورضوخ لأصحاب النفوذ وتمكينهم من الهيمنة على القسائم الصناعية والتحكم فيها من دون أن تستطيع فعل أي شيء معهم، مؤكدا أن ما أحصاه الديوان من مخالفات في القسائم الصناعية، وسيطرة متنفذين على قسائم انتهت عقودها منذ سنوات لا يعادل 50 في المائة من الواقع الحقيقي. وأشار إلى أن هناك أعدادا كبيرة من القسائم يسيطر عليها أصحاب النفوذ مخالفة لأغراض تأسيسها ولا تعمل في المجال الصناعي نهائيا، وتستخدم في أغراض التجارة والتخزين التجاري وأغراض أخرى، في حين أن الصناعيين في أمسّ الحاجة إلى هذه القسائم.
غياب الرؤية
وأكد المصدر أن الهيئة العامة للصناعة لا تملك رؤية واضحة في تخطيط المدن الصناعية، فالمناطق الصناعية في الكويت تفتقد التخطيط الجيد وتفتقر إلى معايير ومتطلبات المدن الصناعية، وعندما ننظر إلى المدن الصناعية في الكويت، والمدن الصناعية في البلدان المجاورة، نجد أنه لا يوجد وجه للمقارنة، وعلى سبيل المثال المدن الصناعية في المملكة العربية السعودية متكاملة الخدمات والمرافق، والمستثمر الصناعي يجد كل ما يحتاجه داخل المدينة، والموافقات على تنفيذ أي مشروع صناعي لا تستغرق سوى شهور قليلة، في حين أن الموافقة على تنفيذ أي مشروع صناعي في الكويت تحتاج إلى سنوات، والحصول على قسيمة صناعية قد يستغرق أكثر من 20 عاما، لافتا إلى أن هذه المشكلات هيئة الصناعة فشلت فشلا ذريعا في حلها، لذلك فضل كثير من الصناعيين الهجرة خارج الكويت، لتوسيع استثماراتهم الصناعية، فالصناعة بصفة دائمة تحتاج إلى التطوير والتوسع، وليس من المعقول أن المصانع التي أنشئت منذ أكثر من 20 و30 عاما تظل على نفس مستوى الانتاج ونفس عدد العمالة، فهذه الصناعات بعد أن ثبتت أقدامها وأثبتت نجاحها تحتاج إلى التوسع ومواكبة التطور، ولكن نقص الأراضي حرمها من هذا الأمر، لذلك اضطرت إلى الهجرة إلى بلدان تمكنها من التوسع والتطوير، مبديا تخوفه من أن تتبع هيئة الصناعة نفس الأسلوب في توزيع القسائم الصناعية في المدن الجديدة المزمع إقامتها، مثل مدينة الشدادية، وتعطي القسائم للمتنفذين و«الربع» والأصحاب.. حينها سيكون الأمر كارثيا، وإذا لم تغير الهيئة طريقة إدارتها للواقع الصناعي في البلاد، وظلت تسير على نفس النهج والمنوال الذي تسير عليه منذ سنوات، فإن الصناعة الكويتية ستظل على حالها المتردية، وسنظل نتذيل دول المنطقة صناعيا.
تكرار الأخطاء
ويرى المصدر أن المخالفات التي رصدها «الديوان» في «الهيئة» هي نفسها حدثت في العام الماضي، وحدثت في أعوام سابقة، وستظل تتكرر كل عام، وتعطل الكثير من المشروعات، وتتسبب في إهدار ملايين الدنانير، إذا لم يتغير النهج كله ويتغير تفكير المسؤولين القائمين على هذه المؤسسات، فكل عام تتكرر هذه المخالفات، ولم نسمع ولو لمرة واحدة عن محاسبة مسؤول، لذلك، أيقن هؤلاء أن الأمر لن يتعدى نشر ملاحظات الديوان وتناولها في الصحف لأسابيع، ثم تهدأ الأمور مع مرور الوقت، ولن تكون هناك محاسبة أو عقاب لأحد، بل الأمر قد يتحوَّل إلى النقيض تماما، ويتحوَّل من المحاسبة إلى المساندة الحكومية، وهذا ما حدث بالفعل عقب نشر ملاحظات ديوان المحاسبة على أكثر من وزارة وجهة حكومية، حيث رفض مجلس الوزراء منح ديوان المحاسبة صلاحية إحالة المخالفات المالية في الوزارات والجهات المختلفة إلى النيابة العامة لمحاسبة هؤلاء المسؤولين، وفضل الإبقاء على الشكل القائم حاليا لتقارير «الديوان»، المعتمد على توجيه الملاحظات فقط، من دون القدرة على محاسبة حقيقية لمرتكبيها، وهذا ما يبرر تراخي معظم القياديين في مختلف الوزارات في تصحيح المخالفات، واستمرار وقوعهم فيها سنة تلو الأخرى، فهم على يقين من المساندة الحكومية حتى لو كانت مؤسساتهم ووزاراتهم تعج بالمخالفات.