رفضت اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الصوت الواحد، بطبعته الثانية، بأغلبية أعضائها، اقتراحاً بتوحيد مواد الجنسية، في موقف يدلل على حجم الجهل والعنصرية المتفشيين في البلد على أعلى المستويات.
ورغم صعوبة إدهاشنا كمواطنين، أخيراً، لكثرة ما رأينا وما سمعنا من الساسة والسلطة مجتمعين، فإن السيدات والسادة أعضاء اللجنة نجحوا في مهمة الإدهاش الصعبة، بأن ساقوا أغرب ما يمكن أن نسمعه من تبريرات، لأسوأ ما يمكن أن يُتخذ من مواقف.
فقد برر الأعضاء رفضهم لاقتراح يوحّد مواد الجنسية، بحجة «عدم تحقيقه العدالة ومخالفته للدستور»! فكيف تكون مساواة المواطنين، وجعلهم درجة واحدة في الجنسية، وما يرتبط بها من حقوق مخلاً بالعدالة؟! وكيف تكون مخالفةً لدستور ينص في مادته السابعة على أن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع..»، كما تنص مادته التاسعة والعشرين على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»؟!
الإجابة عن هذين السؤالين ستكون كاشفة وفاضحة عن جوهر المشكلة التي نعيشها في الكويت، والتي لا يمكن تجاهل ارتباطها بالأزمة السياسية الساخنة في البلد، وما يصاحبها من توتر وغليان اجتماعي، بالإضافة طبعاً لتقاطعها مع أهم وأخطر التحديات المحلية، المتمثلة في قضية عديمي الجنسية.. فما الإجابة؟
إن رفض الاقتراح لا علاقة له بكل ما ساقه الرافضون من أسباب، بل يكمن السر في ما يرتبط بمواد الجنسية المختلفة من حقوق، ولاسيما السياسية منها.
فالحقوق السياسية المتمثلة في الترشح والانتخاب مقصورة على حاملي الجنسية طبقاً لمواد محددة، فيما يُحرم منها آخرون من حاملي الجنسية.. وعليه، فإن الرفض يأتي لأسباب سياسية وانتخابية، خشية أن يرجح توحيد مواد الجنسية كفة فئة ما على حساب أخرى سياسياً.
كما أن الرفض يتعلق بالفكرة المغلوطة التي يحملها هؤلاء عن المواطنة، فهي بالنسبة لهم امتياز حصري وأفضلية على الآخرين، وليست علاقة قانونية حقوقية بين المواطن والدولة، كما يجب أن تكون.
هذا الجدل المتعلق بقانون الجنسية بدأ منذ إصدار القانون سنة 1959، واستمر حتى اليوم، فالجميع -تقريباً- يتذمر من قصوره، غير أن مسببات التذمر تختلف وتتباين. فهناك من يتذمر، بسبب إخلال بعض مواده بمبدأي العدالة والمساواة، وهناك من يتذمر، بسبب ما يراه من اتساع نطاق التجنيس الذي يوفره هذا القانون. إن حسم هذا الجدل المستمر منذ نشأة الدولة ممكن ومتاح، أولاً: من خلال تعديل بعض مواد قانون الجنسية المعيبة، والتي تنطوي على تمييز واضح، كالمادة الثانية التي تقصر حق تجنيس الأبناء على الرجل الكويتي دون المرأة الكويتية على سبيل المثال لا الحصر.
ثانياً: لا بد من إخضاع قانون الجنسية لرقابة القضاء، بحيث يتاح للمتضررين التظلم والطعن ضد قرارات الجهات المختصة.
جدير بالذكر هنا أن سابقة من هذا النوع سجلت في مارس الماضي، حينما أصدرت المحكمة الإدارية حكماً تاريخياً يبسط رقابة القضاء على قرارات إسقاط الجنسية، وهو ما يمثل بارقة أمل على طريق استعادة الحقوق الطويل.