
محمد الغربللي:
البداية كانت بالتصريح الخاص الذي أدلت به وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزيرة التخطيط والتنمية هند الصبيح لصحيفة الأنباء في عددها 13 الجاري، حيث ذكرت فيه أن «جميع الخدمات التي تسيطر عليها الدولة ستطرح للقطاع الخاص ضمن برنامج خصخصة قطاعات الدولة الاقتصادية، بداية بخصخصة الخدمات الحكومية، ثم بقطاعي التعليم والصحة»، مشيرة إلى أن هناك مستشفيات سيتم إعطاء صلاحية إدارتها وتشغيلها للقطاع الخاص.
فإن صدر هذا الموضوع ضمن تصريح صحافي قد يحمل النفي أو سوء النقل، وغيرهما من الملابسات، إلا أن الصحف اليومية حملت في اليوم ما بعد التالي، وتحديداً بتاريخ 15 مارس، وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي. وفي ما يخص موضوع الخصخصة «شددت الوثيقة على ضرورة دعم التخصيص والتوسع فيه، وذلك عبر خصخصة المشروعات العامة ومشاريع التكامل بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق قدرات المجلس الأعلى للتخصيص، وتعديل قانون الخصخصة، ورفع الحظر عن خصخصة الصناعات النفطية ومرافق التعليم والصحة».
إذن، الموضوع لم يعد تصريحا صحافيا عابرا، بل وثيقة حكومية معتمدة جرى الإعلان عن إصدار قوانين بشأنها، ولدينا إزاء هذا الموضوع العديد من الملاحظات والنقاط.
انتكاسة دستورية
بداية، يعد هذا التوجه انتكاسة دستورية أخرى في زمن الانتكاسات الدستورية، فالمادة 13 من الدستور تنص على أن «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، تكفله الدولة وترعاه»، هذا بالنسبة للتعليم.. أما الصحة، فكما ورد في المادة 15 مباشرة «تعنى الدولة بالصحة العامة وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض والأوبئة»، وهذا الاتجاه وفق ما أتى بالوثيقة المذكورة يعني تخلي الدولة، بمؤسساتها، عن الكفالة التي التزمت بها بشأن التعليم، وانسحابها، وتسليمه للقطاع الخاص، كما ورد في تصريح الوزيرة الصحافي، وكما ورد بالوثيقة الحكومية .
الكفالة بمعناها اللغوي، أن تحيط بمهمة ما بإطاريها المادي والمعنوي، وتصبح المرجع لها كي تتولاها، وهكذا كانت الأمور حتى قبل صدور الدستور وما بعده.. وما ينطبق على التعليم ينطبق أيضا على الصحة.
وحتى لا نتوسع كثيراً في التناقضات، مثلما ورد في الوثيقة الحكومية، الجميع يتذكر ردة الفعل التي جرت منذ أشهر تجاه موافقة وزارة التربية بالسماح على رفع رسوم التعليم في بعض المدارس الأجنبية، فهذه الرسوم كانت مرتفعة بالأساس، وأصحاب المدارس يريدون زيادة رفعها، ما أدى أيضا إلى مطالبات المدارس الأخرى بالمعاملة بالمثل، وإزاء ذلك قامت وزارة التربية بإيقاف الزيادة، حتى تتم دراسة الموضوع بشكل أعمق.. فمثل هذا التوجه الحكومي من شأنه زيادة الأعباء على المواطن، ومن ناحية أخرى كيف يمكن أن يكون عليه الوضع عندما تتجه الحكومة نحو خصخصة التعليم والصحة معا؟
وضع القطاع الخاص
من ناحية أخرى، تعالوا للبحث عن دور القطاع الخاص لتقييم دوره وأدائه على مستوى الاقتصاد الوطني، لمعرفة أحواله، فهذا القطاع بالأساس يقتات من الأموال الحكومية على مستوى المشاريع والإيداعات المصرفية وغيرها من أدوات الدعم بأسعار منخفضة للأراضي والوقود وانعدام أي شكل من أشكال الضرائب، كما أن دوره شديد التواضع بشأن استخدام وتوظيف العمالة الوطنية، على الرغم من المحفزات المالية التي تُمنح له عن طريق برنامج دعم العمالة منذ ما يزيد على عشر سنوات، فنسبة تشغيل العمالة الوطنية فيه لاتزال متواضعة، قياساً بإلزام الحكومي كي يقوم القطاع الخاص بتوظيف العمالة الوطنية، والدعم الذي يمنح للعامل عند التحاقه فيه، حيث النسبة الأكبر في وجود الأيدي العاملة الكويتية في قطاع البنوك بشكل أساسي، في حين أن أغلبية العاملين في الجهات الأخرى من العمالة الوافدة بمختلف الجنسيات.. وعندما يطبق التخصيص في الدول المتقدمة وحتى في الدول النامية، فإنها لا تستدعي عمالة أجنبية، بل تلجأ إلى عمال من نفس جنسية الدولة، على خلاف الوضع في الكويت، أو حتى في الدول الخليجية الأخرى.
فالخصخصة إذن لها شروط عدة، لعل أهمها توظيف العمالة الوطنية، وفوق ذلك التزام وتعهد بخلق فرص عمل مستقبلية عند تشغيل المؤسسة.
مرآة البورصة
تعالوا أيضا نطالع وضع القطاع الخاص عن طريق مرآة البورصة الكويتية، التي يفترض أن تكون عاكسة لأداء الشركات التشغيلية، وسنجد أن هناك 104 شركات مدرجة تقل قيمتها السوقية عن قيمتها الاسمية، أي مائة فلس.. هذا خلاف الشركات الأخرى التي انسحبت من سوق الأوراق المالية طواعية، جراء تردي أحوالها المالية، ليس بالضرورة نتيجة أزمات داخلية أو خارجية، بل بسبب سوء وتردي الإدارة في الكثير من الأحيان، والإنفاق المبالغ فيه للإدارة الداخلية، إنفاق يقارب النهب المنظم.
وكمثال بارز على الواقع ويشاهد بمرأى العين، ما قامت به الحكومة من تسليم العديد من المشاريع للقطاع الخاص، الذي بدوره أسندها لشركات أجنبية، مكتفيا بما يحصل عليه من عمولة، وبالطبع هذه الشركات غير ملزمة بتوظيف عمالة وطنية، بل تأتي بعمالها للعمل في تلك المشاريع من الخارج، أي رواتبهم ودفعاتهم المالية تذهب مباشرة إلى الخارج.. لا بأس «حلال عليهم»، لكن مع ذلك لا نجد إلا التأخير في تلك المشاريع، ويا حبذا لو تم تعداد تلك المشاريع ونشر تاريخ الانتهاء منها تعاقديا، أي وفق ما جاء بعقد البناء والتاريخ الفعلي للإنجاز، وهي مشاريع مليونية فتحت جيوب الحكومة بأموالها على مصراعيها.
كلمة أخيرة
هذه هي أغلب سمات القطاع الخاص الذي تتحدث عنه وثيقة الإصلاح المالي والاقتصادي الحكومية.. وتبقى كلمة أخيرة، لدى الحكومة قانون خاص بخصخصة الكويتية، قانون صدر في يناير 2008، وحتى يومنا هذا لم تتحول «الكويتية» نحو التخصيص وفق القانون المذكور والتعديلات التي جرت عليه، ولاتزال كحكاية الحمامة والغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة الرشيقة، ففشل ونسي طريقة مشيته، فلا هو حمامة ولا غراب.
ليس هذا كل شيء بشأن الوثيقة الحكومية، فهناك العديد من القضايا التي يمكن نقاشها في أعداد لاحقة.