
داخل أروقة المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وتحديداً في صالة المراجعين، جلس أبوراشد، منتظراً دوره، حتى يقدم ملفه السكني، فيما الوجوم بدا على وجه مواطنين آخرين بجواره، بعد أن قصدوا مبنى المؤسسة، للسؤال عن مصير طلباتهم، التي مضى زمن طويل على تقديمها، فأخبرهم المسؤول المختص، بأن عليهم الانتظار لمدة 18 شهراً أخرى، ما يعني أن إجمالي سنوات انتظارهم للحصول على “بيت العمر” يتجاوز عشرين عاماً بالتمام والكمال، هذا إذا تسلموا المساكن بالفعل في الموعد المحدد من قِبل المؤسسة.
الوجوم الذي خيَّم على وجوه مراجعي المؤسسة العامة للرعاية السكنية، انتقل بالتبعية إلى وجه “أبوراشد”، الذي انتبه ومجاوروه إلى صوت مشادة ساخنة بين مواطن وموظف، بسبب طلب الأخير منه الانصراف، لاستكمال مستندات ملفه السكني، فما كان من المواطن إلا أن احتج، قائلاً: راجعتكم كثيراً، وفي كل مرة تطلبون أوراقاً ومستندات أخرى، فلماذا هذا التخبط وعدم الدقة والاستخفاف بوقت المراجعين؟ ولماذا لا تخبرونني بالأوراق المطلوبة من البداية؟
المشادة، التي انتهت بتدخل موظفين ومراجعين لحلها، ليست الأولى، وحتماً لن تكون الأخيرة في أروقة المؤسسة، التي تعاني قطاعاتها الترهل وعدم تحديث هيكلها الإداري والتنفيذي، من ثم تستمر معاناة المواطنين، بدءاً من تقديم الطلبات السكنية، مروراً بدهاليز الروتين والدورة المستندية، وانتهاء بالانتظار الطويل في طابور الحلم، المتمثل في الحصول على الحق السكني.
منعطف خطير
إلى ذلك، دخلت الأزمة الإسكانية في منعطف جديد أكثر خطورة مما كانت عليه في السنوات الماضية، وهو ما يمكن وصفه وفق المراقبين بمنعطف “الحل بالمسكنات”، حيث يتم توزيع آلاف البيوت والقسائم والوحدات السكنية “على الورق”، وبعد هذا التخصيص الوهمي ينتظر المواطنون سنوات أخرى، لحين تسلم مساكنهم بصورة حقيقية على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي تزايدت فيه آثار هذه التوزيعات الشكلية، سواء على مستوى المواطنين أنفسهم، حيث ينضم الآلاف كل عام إلى طوابير الانتظار، أو على مستوى الدولة، التي أصبحت عاجزة عن توفير المسكن، الذي هو حق مكفول دستورياً وقانونياً، في الوقت نفسه تحوَّلت فيه المشكلة إلى أزمات متداخلة ومتراكمة، إذ استمر تشابك الاختصاصات بين جهات الدولة، ما تسبب في ندرة الأراضي، وعدم توفير مساحات خالية لبناء المشاريع الإسكانية عليها، فضلاً عن استمرار احتكار بعض الجهات العامة والخاصة لمساحات شاسعة من الأراضي في أماكن حيوية، ومع غياب القرار الجاد والحاسم يستمر التنفيع والالتفاف على المصلحة العامة، لخدمة مصالح شخصية لمتنفعين ومتنفذين، ولا عزاء لآلاف المواطنين المنتظرين سنوات طويلة في طوابير الإسكان.
قرعة وهمية
وكشفت التقارير الأخيرة عن أن المؤسسة العامة للرعاية السكنية أعلنت توزيع أكثر من 164 ألف وحدة سكنية وقسيمة خلال الأشهر الماضية، وأجريت قرعة التخصيص على مشاريع غير مكتملة وأخرى متعثرة، من ثم أصبح عدد كبير من أصحاب الطلبات السكنية حائزي مساكن على الورق، ولن يضعوا أيديهم على بيوتهم، إلا بعد سنوات أخرى من الانتظار.
وأفادت التقارير بأن كثيراً من المشاريع السكنية الجديدة تعطلت وتوقف العمل فيها، بسبب ضعف الرقابة وعدم المتابعة الجدية من قِبل الجهات المختصة، وعدم وضع آلية لمحاسبة الشركات المنفذة للمشاريع، فضلاً عن وجود مشكلات كبيرة مع مقاولي الباطن، الذين ينفذون الأعمال الإنشائية والبنية التحتية في المدن الجديدة، وقد تسبب بعض المقاولين في عيوب جوهرية في المباني، ما أدى إلى انهيار أسقف كثير من المساكن والمساجد والمدارس في مدينتي صباح الأحمد وجابر الأحمد وغيرهما.
معاناة المواطنين
ووصف أصحاب طلبات سكنية الأزمة بأنها غير مبررة بالمرة في دولة كان يجب أن تتبنى سياسة توظيف الفوائض النفطية خلال سنوات الوفرة المالية، لكن مع الأسف الشديد ظل التخبط والتنفيع وعدم التخطيط للمستقبل هو العنوان الأبرز للحكومات المتعاقبة، ما تسبب في تراكم الأزمات، والوصول إلى هذا النفق المسدود، وفق المواطنين الذين تحدثوا إلى “الطليعة”.
فقد أكد أحمد الهاجري، أن الجهات المختصة لا تخبرنا بحقيقة الأزمة الإسكانية، ولا تتبع مبدأ الشفافية في التعاطي معها، مشيراً إلى أن أرقام التوزيعات متضاربة.. ففي العام الماضي أعلنت المؤسسة العامة للرعاية السكنية في الصحف استدعاء مئات المواطنين للتخصيص، وكان اسمي بين هؤلاء المعلن عنهم، لكن حينما راجعنا المؤسسة أخبروني ومواطنين آخرين، بأن علينا الانتظار 6 أشهر أخرى، ليتم استدعاؤنا مجدداً.
وتابع الهاجري: لا ندري سبباً لهذا التخبط، وعدم التخطيط لحل المشكلة، مستغرباً وجود الأزمة الإسكانية، رغم المدخول النفطي الهائل خلال السنوات الماضية على حد قوله.
بدوره، قال جاسم النبهان إن الحكومة غير جادة في حل ملف الأزمة السكنية، التي أصبحت مثل كرة الثلج التي تتقاذفها الجهات المختصة، مشيراً إلى أن الجهات المسؤولة تبيع المواطنين الوهم، وليس أدل على ذلك من إجراء قرعة المساكن منذ فترة طويلة، ولم نتسلمها حتى الآن، ولا ندري أين تقع مساكننا على وجه التحديد.
وأضاف: ليس أدل على هذا التخبط والحلول الترقيعية من وجود ما يسمى بالتوزيع على المخططات، مطالباً بوضع حد لذلك التسويف والحل بالمسكنات الوقتية، إذ يفترض ألا يتم إجراء القرعة إلا بعد اكتمال المشاريع.
شقق بالإيجار
أما انتصار الصالح، فأشارت إلى أن أبناءها اضطروا إلى استئجار شقق في مناطق سكنية، ليتزوجوا فيها ويؤسسوا أسراً، مشيرة إلى أن بيت العائلة أصبح غير كافٍ وغير مناسب للجيل الجديد، ومن غير المنطقي أن ينتظر الشاب أكثر من 20 عاماً للحصول على مسكن حكومي، كما أن شراء قطعة أرض لبناء منزل لا يقدر عليه إلا الأثرياء، وهؤلاء عددهم محدود للغاية في البلاد، إذ تنحصر الثروات في أيدي شريحة بعينها، ويظل عموم الشعب من محدودي الدخل.
وطالبت الصالح بمصارحة المواطنين بحقيقة الأزمة الإسكانية، ووضع جدول زمني حقيقي لحلها، بدلاً من هذا التخبط، وعدم الجدية في بناء المشاريع وتسليمها لأصحاب الطلبات السكنية.
من جانبه، أكد م.عبدالله السلمان، أن الأزمة الإسكانية نتاج طبيعي للتخبط الحكومي، وعدم جديتها في استغلال الفوائض المالية، من أجل التنمية الحقيقية، وبناء مدن جديدة، لافتا إلى أن المنطقة المعمورة من الكويت لا تتجاوز 10 في المائة من مساحتها، من ثم تتراكم الأزمات، من تكدس واختناق مروري، إضافة إلى الارتفاع الرهيب في أسعار العقارات والأراضي وإيجارت المساكن.
ولفت إلى أن الأزمة الإسكانية ليس سببها ندرة الأراضي فقط، فالحكومة لو كانت جادة لنسفت الاحتكار بقرار وقوانين تمنع تركز مساحات شاسعة بأيدي شركات مملوكة لمتنفذين ومتنفعين، كما أن كثيراً من الأراضي، التي جرى تخصيصها لبناء مشاريع سكنية عليها، لم تتسلمها المؤسسة العامة للرعاية السكنية، بسبب تشابك الاختصاصات بين جهات الدولة، مثل شركة نفط الكويت والبلدية والهيئة العامة للزراعة ووزارة الأشغال العامة ونظيرتها الكهرباء والماء وغيرها من الجهات المختصة.
وأكد أنه من غير المنطقي أن تتنازع كل هذه الجهات في الأراضي المملوكة للدولة، وكأن كل جهة دولة داخل الدولة، مشيراً إلى أن تشابك الاختصاصات عرقل الكثير من المشاريع، مثل مشروع جنوب سعد العبدالله، الذي لو تم بناؤه لوفر آلاف المساكن للشباب.
أهالي المدن الجديدة في دوامة المعاناة
اشتكى مواطنون يقطنون المدن الجديدة من النواقص الكثيرة التي فوجئوا بوجودها في البيوت الحكومية، لافتين إلى أن تشققات الحوائط والأسقف قاسم مشترك في معظم البيوت، فضلاً عن وجود مشكلات في التمديدات الكهربائية والصرف الصحي.
وأشار عدد من قاطني مدينتي صباح الأحمد وجابر الأحمد إلى أن البنية التحتية ليست مكتملة، كما أن الإهمال تسبب في وجود حفريات أمام المساكن، وتراكم مخلفات البناء في الشوارع الرئيسة والداخلية، مؤكدين أنهم تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى المؤسسة العامة للرعاية السكنية بلا جدوى.
كما اشتكى الأهالي من تكرار السرقات، بسبب ضعف التواجد الأمني، مطالبين الجهات المختصة بالنظر في مطالبهم والاهتمام بالمدن الجديدة، التي كانت حلما بالنسبة لهم، لكنهم اكتشفوا وجود جملة مشكلات تنغص الحياة فيها.
مواطنون مطالبون برد بدل الإيجار
أكدت مصادر مطلعة، أن المؤسسة العامة للرعاية السكنية تعاني التخبط وترهل جهازها الإداري، مشيرة إلى أن ذلك تسبب في وجود أخطاء ترتب عليها الطلب من أصحاب طلبات سكنية رد آلاف الدنانير التي حصلوا عليها مقابل بدل الإيجار.
ورأى أصحاب طلبات إسكانية، أنهم يدفعون ثمن أخطاء الموظفين، الذين لم يحدثوا الطلبات، ولم يدققوا الملفات، من ثم طلبوا منهم رد المبالغ التي تقاضوها من الدولة.
وأشار المواطنون إلى أن أي تغير في الحالة الاجتماعية يفترض أن تحاط به المؤسسة العامة للرعاية السكنية عبر الربط الآلي، لكن يبدو أن المنظومة الإلكترونية بلا جدوى في كثير من جهات الدولة.