
يدور نقاش حالياً حول مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، فالبعض يرفض منظومة الصوت الواحد، ويطالب بالتعديل، كشرط أساسي للمشاركة، مع أن آخرين بدأوا يدركون أن التغيير لن يحصل، وسيشاركون في الانتخابات القادمة.
ونعود قليلاً بالذاكرة إلى الوراء، قبل الاسترسال.. ففي عام 1971، قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية حينها، حسمنا موقفنا مبكراً عندما تأكد لدينا أن الحكومة لا تؤمن بالدستور ولا بالديمقراطية، وأن هناك رفضاً لنهج الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم، طيَّب الله ثراه.
لقد كنا أمام خيارين؛ إما المقاطعة، أو وضع برنامج عمل لنضال سلمي يفرض إرادته، من خلال عصيان مدني يشلُّ عمل الحكومة، أو المشاركة في الانتخابات النيابية، باعتبار مجلس الأمة ما هو إلا جمعية من جمعيات النفع العام، بعد أن حوَّلته الحكومة إلى هذا الشكل، بتدخلها وتزويرها للانتخابات السابقة (1967)، باستعمال كل الموبقات التي حرمها قانون الانتخاب، من نقل للأصوات ورشوة، ومنع الشرطة من محاسبة المخالفين لقانون الانتخاب، والرشوة العلنية لمرشحيها.
لم يتفق معنا أحد من الأطراف الفاعلة في الساحة الكويتية التي قررت المقاطعة، دون وضع بديل آخر، فخضنا الانتخابات، ونجح مرشحونا الأربعة جميعهم: أحمد الخطيب، سامي المنيس، أحمد النفيسي، وعبدالله النيباري، إلا أن المقاطعين شاركوا في الانتخابات التالية لمجلس الأمة 1975ـ فزاد وارتفع عدد العناصر الإصلاحية فيه، فحققنا مكاسب مهمة لم تقبل بها الحكومة، فتمَّ حل المجلس، بعد أقل من سنتين من عمره، وتحديداً في صيف عام 1976، وعندها تم خلق الحزب الحكومي، أي حزب نواب الخدمات، حيث سهلت الحكومة لهم كل شيء، بعد أن تم إفساد الجهاز الإداري، فأجبرت المواطن على اللجوء لنواب الخدمات، لحل مشاكلهم في بحر الفساد الذي عمَّ أجهزة الدولة.
وهكذا توافرت للحكومة في كل المجالس أغلبية مهمتها عرقلة أي محاولة للرقابة والمحاسبة، مثلما صوَّت هذا المجلس ضد التحقيق بما اتهم به أحد المسؤولين عن استثمارات الدولة، لماذا؟ لأن مثل هذا التحقيق قد يكشف المستور من دور «المافيا المالية» المتحكمة في مفاصل الدولة، وهذا مثال واضح للحدود المسموحة للمجلس التحرك ضمنها، وإلا كيف يقبل المجلس بهذه الإهانة ويرفض التحقيق؟!
وضعنا المؤسف هذا سيستمر ما دامت قوى الإصلاح الحقيقية مبعثرة، بسبب تفكك مكونات المجتمع، وغياب الدولة الحاضنة لكل مكوناته، حيث تفرخت تجمعات بدائية متنافرة أبطلت فاعليتها، وأصبحت لقمة سهلة أمام السلطة لابتزازها في تحالفات مؤقتة، وفق سياسة «فرّق تسد».
إذا كان هذا هو الواقع الأليم، فلا مفر من الاعتراف به، وهو ما يجعل مقاطعة الانتخابات من قِبل العناصر الإصلاحية غير مجدية، وهو ما تريده السلطة.
أقولها: لا تقدموا الوطن على طبق من ذهب للفاسدين، فهذه المجالس المزورة هي المفضلة لديهم، وستستمر إلى آخر يوم من عمرها، بعكس المجالس المزورة الأخرى، التي يتم اختراقها من بعض المصلحين الذين يشكلون قلقاً لأعداء الدستور ويستطيعون أحياناً عندما يتجاوب معهم الشعب تحقيق مكاسب مهمة مثلما حصل في قضايا النفط.
لا تقاطعوا، وحاولوا اختراق الحصار على المجلس، فالوعي الشبابي قادم، ليُكمل المشوار.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا … اذا كانت العودة الى ساحة النضال السياسي المنظم .. مجلس الامة .. هي الافضل ؛ فهل معنى ذلك ان حلقات الصراع السلمي و المجاهدة تبقى ضمن اطار التسليم بما جاء في الدستور ولا زيادة عليه ؟
ان كان البقاء في نطاق الدائرة الدستورية و الاستظلال بظلها دونما حاجة الى محاولة الاضافة و توسيع تلك الدائرة … هو الافضل ؛ فحتماً ستستمر السلطة في تثبيط الهمة الوطنية للحراك السياسي … عن طريق لعبة حل مجلس الامة حلاً قانونياً و العودة من جديد باثواب مجلس آخر … الى ابعد ما يمكن في استغلال هذه الثغرة الدستورية !
لذا ان كان لابد و المشاركة في اللعبة السياسية … فيجب ان تنصرف الجهود الى اضافة مواد دستورية تبين و تؤكد ان الحل و العقد هو مشروع الامة ، و ليس لأحدٍ غيرها ؛ كما ان و لابد ان تكون هناك مواد تنص بشكل لا يقبل التأويل و الاحتمال … على آليات تحقيق سيادة الامة ، و هيمنتها على السلطات الثلاث .. مع استلحاق اجراءات احترازية ان لم تلتزم السلطة بذلك ، فنصوص الدستور تعنى انها الغت العمل به ككل و ليس في بعض منه .
سلم فوك يا خطيب… “الوعي الشبابي” هذا هو المفتاح للتحولات الجذرية في المجتمع الكويتي، خاصة بعد ان تمّ تعطيلها ابان الثمانينات لان هذه القوي كانت قد أثبتت قدرتها علي التصدي لقضايا المرحلة آنذاك وانجبت قادة فكر مثل غانم النجار “كويتي عتيج”، احمد الربعي، وعباس المجرن بالاضافة الي شخصك الكريم كهرم راسخ في هذا الدرب وسامي المنيس واخرين يقبضون علي الجمر في هذا الوطن الحر.