
كتبت عزة عثمان:
نظمت جمعيات النفع العام، الأسبوع الماضي، مهرجاناً خطابياً بمقر الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية تحت عنوان «لا لتحجيم عمل مؤسسات المجتمع المدني»، شاركت فيه 76 جمعية نفع عام.
وشدد المشاركون في كلماتهم على رفضهم القاطع لمشروع القانون الجديد، الخاص بأعمال جمعيات النفع العام, الذي تنوي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إقراره، واعتبروه تدخلاً صارخاً من «الشؤون» في طبيعة عملهم، الذي هو بالأساس تطوعي اجتماعي، تم تأسيسه بجهود أفراد متطوعين، ولا يحق للوزارة إطلاقاً التدخل في طبيعة عملهم.
وأكد المشاركون في المهرجان، أن مشروع القانون الجديد مخالف للدستور, ويهدف إلى السيطرة على مجالس إدارة الجمعيات وسلب حرياتها في قراراتها, مشيرين إلى أنه سيساهم في تراجع أنشطة الجمعيات, ويقلص من دورها في خدمة الوطن والمواطنين.
وشددوا على أنهم سيواصلون التصعيد في حال لم تتراجع الوزارة عن هذا القانون, مطالبين بعقد اجتماع بين الوزارة وجمعيات النفع العام، لمناقشة الأمر، من أجل الوصول إلى حل يكون مرضياً للجميع.
مخالف للدستور
في البداية، اعتبرت رئيسة اللجنة التنسيقية لجمعيات النفع العام رئيسة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية لولوة الملا أنه «للمرة الأولى في تاريخ المجتمع المدني، وفي تاريخ الكويت، يجتمع ممثلو 76 جمعية، ليعبروا بالإجماع عن رفضهم لمشروع قانون جمعيات النفع العام الجديد، الذي تصر وزارة الشؤون على تمريره رغم مخالفته الدستور».
وأوضحت أن «القانون ليس وليد اللحظة، بل جاء ضمن سلسلة محاولات مستمرة لتحجيم مؤسسات المجتمع المدني منذ عام 1997، مرة تحت غطاء تشكيل اتحاد عام لجمعيات النفع العام، وأخرى تحت غطاء هيكلة المجتمع المدني، وصولاً الى مجلس الأمة باقتراح بقانون إنشاء هيئة عامة للعمل التطوعي، واستمرت المحاولات تتابعا في السنوات التالية كان آخرها هذا القانون».
وشددت على أن «اجتماع جمعيات النفع العام ليس تحدياً لأحد أو إثارة للبلبلة، لأننا متمسكون وبإصرار بسلمية المطالبات الشعبية، ونحن أيضاً في مقدمة المدافعين عن الأمن والاستقرار في مجتمعنا».
وبينت أن «الاجتماع للدفاع عن الحرية التي جُبل عليها المجتمع، وتأسس عليها الدستور الذي وضعه الآباء للدفاع عن الوجود الفاعل لجمعيات النفع العام، لكي تكون معبرا عن هموم الناس وطموحهم لتطوير المجتمع».
دراسة توافقية
من جانبه، أعرب نائب رئيس جمعية المهندسين م.عدنان الصراف عن «الأسف بعد 50 سنة عمل لجمعيات النفع العام، أن تأتي الشؤون بهذا القانون المليء بالملاحظات القانونية».
وشدد على أن «القانون الجديد لا يخدم الجمعيات، بل يحجم دورها، وكأن الحكومة تريد خلق وزارات أخرى، بتعيينها أفرادا من قبلها في مجالس إدارات هذه الجمعيات»، مطالباً وزيرة الشؤون بإيجاد «دراسة توافقية بحضور الجمعيات».
تخبط
من جهتها، استغربت نائبة رئيس جمعية زراعة الأعضاء د.رنا العبدالرزاق التوجه «للتضييق على مؤسسات المجتمع المدني، بالتزامن مع التضييق على العمل السلمي إقليميا، يؤدي إلى كوارث نرى نتائجها من حولنا، لأنه يخلق حراكا غير سلمي»، لافتة إلى أن «مؤسسات المجتمع المدني رافد التغيير السلمي لتطوير

المجتمعات».
وقالت: «قبل عام شاركت في وضع لائحة تنظيم العمل التطوعي، وتم اختياري للجنة الدائمة للإشراف على العمل التطوعي، ولمسنا من وزيرة الشؤون صدق الرغبة في تطوير هذا العمل، لأفاجأ اليوم بقانون آخر يدعو لتحجيمه، وكأن هناك شخصين يديران وزارة الشؤون، وسط تخبط في القرارات».
من جهتها، استغربت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لمتابعة قضايا المعاقين سعاد الفارس، المشروع الذي «ينحي الشباب جانبا، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى جهودهم التطوعية، للمساهمة في النهضة الثقافية الاجتماعية، التي تعمل على استقرار المجتمع وتماسكه».
التصعيد سيستمر
بدوره، أكد رئيس مجلس إدارة نادي السينما حسين الخوالد، أن «الحكومة تقدمت بهذا المشروع في توقيت قاتل، من دون الرجوع الى المعنيين لأخذ رأيهم»، مطالباً

الوزارة بـ «توخي الحذر في إقرار هذا القوانين، من دون أن تعي حجم الكارثة التي سيحدثها في عمل جمعيات النفع العام، وإن كان هناك تحفظ على أداء بعض الجمعيات، فهذه حالات خاصة يجب ألا تعمم على الجميع»، مشيرا إلى أن«التصعيد سيستمر، ليصل إلى رئيس الوزراء، حتى يتم التراجع عنه».
أسلوب الغلظة
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لإداريي المؤسسات التعليمية د.فيصل العنزي، إن «القانون لا يصل إلى إدارة فرع جمعية تعاونية، في إشارة إلى القصور الواضح في غالبية مواده وغير ملاءمتها لطبيعة عمل جمعيات النفع العام»، مستنكرا «تحديد أعمار الأعضاء، حيث يمنع مشاركة الشباب في هذه العمال القائمة على الطاقات الشبابية»، لافتا إلى أن هذا «المقترح يغلب عليه أسلوب الغلظة، الذي لا يتناسب مع العمل التطوعي، بحيث استخدم مفردات حادة أو بشكل مفرط، مثل (يمنع، لا يجوز، يحظر)، وكأنما جاء القانون ليكبل ويحجم عمل مؤسسات العمل المدني».
وقال رئيس مجلس إدارة رابطة الأدباء طلال الرميضي، إن «المشروع يمثل تعديا على حقوق جمعيات النفع العام، باختزال الأصوات في صوت واحد، بالإضافة إلى تدخل الوزارة في أنشطة الجمعيات، سيكون له أثر في تعكير أنشطتها بشكل عام».
تراجع أنشطة الجمعيات
من جهتها، قالت مديرة إدارة تنمية الموارد بجمعية الهلال الأحمر الكويتية لمى العثمان، إن «رسالتنا لصُناع القرار، أنه في حال إقرار قانون جمعيات النفع العام، رغم رفضها له، فإنه من المتوقع تراجع أنشطة الجمعيات الرائدة في الكويت، ما سيوقع ضرراً على الشباب والأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة والفئات المهمشة».
وأكدت أن «الصوت الانتخابي الواحد سيغيب الإدارة القوية للفريق الواحد، وتطغى فيه الأنا، ليزحف الصراع الانتخابي إلى داخل مجالس الإدارات».
أما رئيس جمعية المكتبات والمعلومات د.عبدالعزيز السويط، فقال إن «وزارة الشؤون تحدد في القانون الجديد مدد مجالس الإدارات في الجمعيات، ويفترض أن مَن يحدد هذه المدة الجمعية العمومية، وغير معقول أن 76 جمعية على خطأ ووزيرة الشؤون الاجتماعية وحدها على صواب».
قانون فاشل
وأكد الأمين العام لجمعية الشفافية ماجد المطيري، أن «وزارة الشؤون تسوق لقانون فاشل لم يحظَ بتأييد سوى 36 في المائة فقط من الجمعيات من أصل 117 جمعية نفع عام، بينما ترفضه 76 جمعية».
وبيَّن أن تجربة «الصوت الواحد في الجمعيات التعاونية لا يمكن تعميمها، لأن دورها وعملها غير دور جمعيات النفع العام».
أما رئيس جمعية متابعة وتقييم الأداء البرلماني ناصر الشليمي، فرأى أن «لوزيرة الشؤون الاجتماعية كل يوم مشكلة، مرة مع الجمعيات التعاونية، ومرة مع الجمعيات الخيرية، والآن مع جمعيات النفع العام».
وأضاف: «نستغرب ما تقوم به الوزيرة المخالفة لتحركات صاحب السمو، حيث يتفاخر بأعمال مؤسسات المجتمع المدني، وسموه يدعمها، وخاصة أن كثيراً من المؤسسات قامت بعمل أفضل كثيرا من مؤسسات الدولة، كالهلال الأحمر»، رافضا مبدأ اجتماع ممثلي جمعيات النفع العام مع الوزيرة للتفاوض، مؤكدا أن «القانون مرفوض، جملة وتفصيلا، لأنه يقتل الدور الاجتماعي لهذه الجمعيات».
وشدد على أن «مؤسسات المجتمع المدني الحصن الأخير، إن استطاعوا كسره، فإنهم يكسرون مقومات المجتمع»، مناشداً رئيس الوزراء «تفهم الأمر، وإيقاف ما تقوم به وزارة الشؤون».
لولوة الملا: القانون لم يأتِ لتطوير العمل المدني بل ليسلب حرياته
عبَّرت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الثقافية النسائية لولوة الملا، عن أسفها من أن مشروع هذا القانون جاء ليسلب الحريات الموجودة في القانون القديم، ويحد من دور جمعيات النفع العام، لا لتطوير العمل المدني وتفعيله أو تشجيعه والانخراط فيه، كما أن القانون الجديد يفتت مجالس إدارات هذه الجمعيات، ويقتل فيها روح الفريق الواحد، القادر على النهوض بها، وذلك من خلال تطبيق نظام الصوت الواحد.
وأكدت لـAالطليعة»، أن جمعيات النفع العام كان لها دور مشرف في تاريخ الكويت، لافتة إلى أن جمعيات النفع العام قادت منذ الخمسينات المطالبة الشعبية بمزيد من الحريات والحقوق للمجتمع الكويتي، وكانت المعبر الأساسي عن إرادته، وهي المطالبة التي كان لها دور أساسي في صناعة الدستور، «لهذا يصبح الدفاع عن حرية المجتمع المدني وفاعليته مسؤولية جميع المواطنين الكويتيين وليس أعضاء الجمعيات وحدهم»، مطالبة جميع الشرفاء في هذا البلد، أن يقفوا معهم لحماية الكويت.
الفارس: ما تقوم به «الشؤون» يتنافى مع الديمقراطية وحرية الرأي
على هامش المهرجان، استغربت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لمتابعة قضايا المعاقين سعاد الفارس، من مشروع قانون مؤسسات المجتمع المدني الجديد، وقالت لـ«الطليعة» إن عملهم بالأساس تطوعي، وأي عمل تطوعي بطبيعته لا يريد تكبيل حركته، لكن في هذا القانون الجديد مادة تنص على تعيين ثلاثة أعضاء من وزارة الشؤون لمجلس الإدارة، وهم لا يعرفون عن عمل الجمعية من الأساس، وهذا الفرض على الجمعيات بثلاثة من «الشؤون» يعد هيمنة وسيطرة.
وأضافت أن عملهم في جمعية متابعة قضايا المعاقين، حالهم حال كثير من الجمعيات الأخرى، لا يأخذون عليه أي دعم مادي، ولا أي مقر من الحكومة، ويقوم من أوله إلى آخره على المجهودات الذاتية من مؤسسيه والعاملين عليه، وما تقوم به وزارة الشؤون الآن تجاه تلك المؤسسات يتنافى تماما مع الديمقراطية وحرية الرأي، وإذا كانت الوزارة لديها أي تحفظ على بعض الجمعيات، فيجب ألا تعمم قراراتها على الجميع.
وشددت على أن الوزارة يجب أن تتراجع عن هذا القانون، لما فيه من سلبيات، خصوصا انتخاب الصوت الواحد كل أربع سنين، متسائلة: في الانتخابات، هل سأعطي صوتي لنفسي أم لأحد أعضاء الجمعية؟ وأضافت أن القانون فيه شبهة دستورية، وفق آراء عدد من القانونيين.
وقالت إن مآخذهم على وزارة الشؤون عند وضعها مشروع هذا القانون من البداية، أنها لم تستشر أحداً، والوزيرة لم تقابل أحداً، وكذلك مجلس الوزراء لم يقابل أحداً، والوزارة على حد علمها حوَّلته إلى مجلس الوزراء، والرد كان جماعياً، مشيرة إلى أن على مجلس الأمة تأدية دوره في هذا الموضوع، لأنهم في النهاية هم الذين سيصوتون على القانون.
واختتمت تصريحها، بالقول: الكويت تتمتع بديمقراطية فريدة من نوعها في الوطن العربي، لكن الحكومة بهذا القرار تريد وأد العمل التطوعي وإعادته للوراء، وهو ما يجعل الشباب ينفرون من العمل التطوعي.