أثناء عبور الثعلب النهر رأى جملاً في الضفة الأخرى، فسأله: يا جمل إلى أين يصل قاع النهر؟
فرد الجمل: إلى حد الركبة.. فرمى الثعلب نفسه إلى النهر، ولم يكن قاع النهر في قياس طوله، وكاد يغرق بعد صراع مع تيار النهر، حتى وصل إلى صخرة وسط النهر، فصعد فوقها صارخاً على الجمل: أيها الجمل الخبيث الغبي، سألتك إلى أين يصل قاع النهر وكذبت عليَّ، بأنه إلى حد الركبة، وكدت أغرق وأموت.
فردَّ الجمل: سألتني عن قاع النهر، وأجبتك بأنه إلى حد الركبة، أي ركبتي، فسؤالك لي هو الجواب ما «يخصني».
هذه القصة تمر علينا يومياً، وهي أنه لن يشعر بألمك إلا مَن يشاركك القياس، وهنا ألتمس العذر للجمل، لأنه حيوان «بهيم»، لكنه على الأقل ردَّ على سؤال الثعلب، وأجاب عنه، بحجة مقنعة على انتقاد واتهامه بالخبث، أما في الوضع الاجتماعي والسياسي، فهنا الاختلاف، وحين تطالب بحقوقك من مسؤولين لم يمر عليهم يوم أسود من قبل..
– لم ينتظر 20 سنة لحصوله على سكن، لأنه يملك فللاً ومزارع وشاليهات وغيرها.
– لم يصطف في دور أنصاف الليالي في مستشفى العدان والجهراء ومبارك والصباح والفروانية لدكتور واحد يغطي محافظة عدد سكانها يتجاوز 350 ألف نسمة! فهو يملك المال والتأمين الصحي، أو قد يملك المستشفى الخاص.
– لم يدفع ربع راتبه على المدرسين الخصوصيين ودروس التقوية، لسوء التعليم، فهو وأبناؤه وأحفاده يلتحقون بالمدارس الخاصة، وقد يمتلك إحداها.
– لم ينتظر دوره في ديوان الخدمة المدنية لمدة ٣ سنوات، كي يعمل في الجهة التي تناسبه، كما كفلها الدستور، فهو يتم تعيينه مباشرة في أي وقت، وفي أي مكان يختاره، من غير انتظار، والسؤال: من الذي يتكفل فيك 3 سنوات أثناء انتظارك لهذه الوظيفة؟
– لم يعش في شقة إيجارها نصف راتبه، فهو بالطبع مالك العمارة أو مالك الفلل، التي أصبحت تقسم بشكل شقق، وترفع الإيجار عليك وعلى من في قياس ركبتك.
– هو حتى في الترفيه بالصيف 3 أشهر يسوح في ربوع أوروبا، وأنت تجمع 300 دينار طوال الصيف، لكي تدفع رسوم مخيَّم الشتاء المتواضع.
عزيزي، ألتمس العذر لأصحاب الدماء الزرقاء، فهم ولدوا وكل واحد في فمه ملعقة من ذهب، بينما أنت تنتظر وتنتظر، وتصبر على بلائك، لم ولن يشعروا بمأساتك، لأن قياسهم يختلف عن قياسك، والفرق بين الجمل «البهيم» وبعض البشر، أن الجمل يرد على السؤال، وبعض الناس لا يشعر وعديم إحساس، والأدهى والأمرّ في كل خسة إذا خسر أو عجز أصحاب الدماء الزرقاء يُحملك المسؤولية كاملة وأنت تنتظر وتنتظر بأن يشفق عليك من هذه التهمة التي أصلاً لم تشاركه في مرحها ومربحها كي تتحمَّل خسائرها.. تحمّل واحمل همومك وانتظر، لأنك المخطئ في مطالبتك بحقوقك للجهة غير المناسبة.
للعلم، أصحاب الدماء الزرقاء بعضهم معارض، وبعضهم حكومي، ويوجد البعض منهم في كل مكان، وجميعهم يتفقون على أنهم «الأرذال»، الذين لا يسعون إلا لمصالحهم، ولا يوجد في قاموسهم الإيثار، وفقدوا الإنسانية، وليست شعاراتهم إلا الخداع.
حاول أن تنقذ نفسك، ومن هو على مقاسك، بأي شكل من الأشكال، ولو بالكلمة.