
كتبت حنين أحمد:
نظمت جمعية الخريجين ندوة بعنوان «رفع الدعم والحالة الاقتصادية للدولة»، لمناقشة توجهات الحكومة في مواجهة العجز الحالي للميزانية، شارك فيها باحث اقتصادات الطاقة د.مشعل السمحان، ورئيس مجلس إدارة البنك التجاري الكويتي علي الموسى، وأستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت د.عباس المجرن، وأدارها رئيس الجمعية عبدالعزيز الملا.
وكشف المشاركون في الندوة عن أن الحكومة هي المسبب الرئيس لأزمة العجز في الميزانية العامة للدولة، مشيرين إلى العديد من الأخطاء السابقة التي وقعت فيها على مرّ السنوات، من دون إحداث نوع من العلاج لها.
وأضافوا أن الحكومة تلقت العديد من الدراسات والتقارير الاقتصادية المختصة منذ سنوات بضرورة قيامها بإصلاح للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني، لكنها لم تتحرك، إلا بعد أن انخفضت أسعار النفط، ووصلت إلى مرحلة لا تستطيع معها الدولة سداد رواتب الموظفين في القطاع العام فقط، مؤكدين أن انخفاض أسعار النفط لم يكن مفاجئاً، بل إن كل التقارير الاقتصادية وكل التوقعات أشارت منذ أشهر كثيرة إلى أن الأزمة قادمة لا محالة.
مشكلة أسواق الطاقة
أول المتحدثين كان د.مشعل السمحان، الذي أكد أن الكويت هي التي استوردت مشكلة أسواق الطاقة لها، ولم تأتِ رغماً عنها، وبالتالي انعكست هذه الأزمة سلباً على ميزانية الدولة، مشيراً إلى أن القلق لا يقع على مستقبل أسعار النفط، سواء ارتفعت أم لم لا، بل على إدارة الدولة وقدرة الحكومة على مواجهة هذه الأوضاع، وكيفية التعامل معها.
واعتبر أن أزمة انهيار أسعار النفط لم تكن مفاجئة للمراقبين، بل كانت متوقعة منذ فترة طويلة، وما يثبت هذا الأمر تركيز العديد من التقارير المختصة على قدوم هزة كبيرة في أسواق الطاقة، موضحاً أنه من الممكن أن تكون الأزمة المالية العالمية 2008 ساهمت في تأخير أزمة أسعار الطاقة وأجَّلتها إلى الأشهر السابقة.
وبيَّن السمحان أنه منذ 2014 أصبحت هناك تخمة في معروض النفط، وصلت إلى 2.2 مليون برميل يومياً، وبالتالي كان من المتوقع وبشكل كبير هذه الانخفاضات إذا استمرت فوائض الإنتاج بهذا الشكل، موضحاً أن الفترة الحالية تشهد توافقاً بين الضغط السياسي والاقتصادي على الأسواق، وهذا ما يؤثر بشكل إضافي في استمرار الأزمة.
مرحلة تعقيدية
وأكد السمحان أننا وصلنا اليوم إلى مرحلة الرقص على الحبل في مواجهة الأزمة، وليس من السهولة الاعتقاد بأن اجتماعات واتفاقيات المنتجين في «أوبك» وخارجها سيؤدي إلى إيقاف النزيف، بل الأمر أصعب بكثير مما نتوقع، لافتاً إلى أن الحلول في 2015 كانت أسهل، واليوم أصبحت أصعب وذات كلفة أكبر، بل وصلنا إلى مرحلة تعقدت فيها الأمور، والحل لم يعد «زراً» نضغطه وتنتهي المشكلة.
وقال: «نحن لا نتحكم في مستويات الأسعار والكمية المنتجة، ولا نتحكم في قيمة الدولار، وبالتالي نحن مكشوفون 100 في المائة على متغيرات الأسواق، إضافة إلى ذلك، نحن نفتقد مصدات نواجه بها الأزمة»، مبيناً أن العمل على جعل رفع الدعم وتخفيض الصرف مصدات للأزمة لن ينجح كثيراً، لأنها حلول مؤقتة، وليست طويلة الأجل.
وشدد السمحان على أن توقيت رفع الدعم خاطئ، متسائلاً: هل يوجد أساساً دعم؟ ما هو حاصل أن الحكومة لا تدفع إطلاقاً مقابل الدعم، بل هي تتحدث عن «الفرصة البديلة» فقط، والحملة التسويقية لخطة الإصلاح المالي أتت من الجهة الخطأ، فمن قام بالتسويق قياديو وزارة المالية، ومن المفترض أن تكون «التجارة» هي المعنية بالأمر، لأن الدعم مرتبط بها بشكل مباشر، مؤكداً ضرورة أن تكون الحزم الاقتصادية المترابطة شفافة أكبر ليكون المواطن مشاركاً فيها.
مشاكل كبيرة
من جهته، كشف رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الكويتي علي الموسى، أن الخروج عما توافقت عليه القوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في السابق سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، وهذا ما نراه يحدث حالياً، لافتاً إلى أن الدستور الكويتي يشير في مواده إلى العدالة الاجتماعية، وغيرها من الأمور، ومن خلال الخطة الحالية سيتغير الأمر.
الاستقطاع من جيوب الناس
واعتبر أن مواجهة العجز في الميزانية جاءت عن طريق استقطاع المبلغ الذي تم تحديده بـ12 مليار دينار من الاحتياطي العام، من دون حدوث تغييرات مؤثرة في الميزانية الجديدة في العديد من بنودها، وحتى اللحظة لم يتوافق مجلس الأمة مع الحكومة عليها، والمراقب يرى أن الحل سيذهب تدريجياً للاستقطاع من جيوب الناس، لافتاً إلى أن الخطة تجاهلت الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني.
عملية جراحية
وأوضح الموسى أن لدينا مدرستين؛ الأولى إصلاحية، والثانية محاسبية، والدولة استعانت بخبراء عالميين، إضافة إلى اللجان المختصة من الخبراء الكويتيين، وأجمعوا على إصلاح أوجه الاختلالات الهيكلية وضرورة القيام بها، لأن الوضع لا يحتاج إلى مسكنات، بل لعملية جراحية، لكن ما رأيناه، هو أن الحكومة تركت كل هذه الدراسات، وذهبت للاستعانة بمكتب محاسبي (آرنست آند يونغ)، الذي لا يشمل عمله، كحال بقية المكاتب المحاسبية، أي أمر له علاقة بالعدالة الاجتماعية، بل تكسير حسابات، وخرجت علينا بخطة محاسبية بحتة.
الآثار التضخمية
وأشار الموسى إلى أن الحكومة لم تتحدث عن دراسات الآثار التضخمية الناتجة عن الحلول المطروحة، وهناك أنظمة ومتخصصون في معهد الكويت للأبحاث العلمية مثلاً يستطيعون دراسة الآثار السياسية على القرارات الاقتصادية، مبيناً أنه حينما قامت الحكومة بتغيير أسعار الديزل والكيروسين رأينا جميعا الأثر السلبي لها وظهور مطالبات الناس بإلغائها وغيرها.
وأكد عدم اهتمام الحكومة بالدراسات التي حذرتها في أوقات سابقة، ومنها التقارير الدولية، وتحديداً «صندوق النقد»، الذي أشار عام 2012 إلى حدوث أزمة متوقعة في الكويت عام 2017، لكن لم يكن هناك أي تحرك جاد لتفاديها.
ورأى الموسى أن هناك إجماعاً على أن الهدر هو أخطر أمر في الميزانية، والهدر لا يقتصر على الامتيازات الممنوحة لمسؤولي الحكومة، بل الهدر الأكبر يقع تحت تصرف الحكومة نفسها، فجميعنا يرى الصرف الكهربائي مثلاً لمؤسسات ومباني الحكومة، التي تتجاوز وبأضعاف، ما يهدره المواطنون.
أولويات الصرف
وذكر الموسى أن كل ميزانية في أي دولة بالعالم يجب أن تحتوي على أولويات للصرف، لتحديد أماكن التوفير إن أمكن، إلا ميزانية الكويت، لا تحتوي على أي أولويات، فالحكومة تمتلك 70 في المائة من الاقتصاد الوطني، والدستور أعطاها السلطة في التحكم فيه، وبالتالي هي التي تتحمَّل المسؤولية كاملة في العجز الحاصل الآن، مؤكداً أن الأمر لا يتطلب تشريعات جديدة، بل إدارة جديدة.
وشدد على أن الحكومات في دول العالم الثالث دائماً ما تتجه للطرف الأضعف في المعادلة، لحل أي مشكلة اقتصادية، والكويت ذهبت للمواطن، وهو الأضعف، لافتاً إلى أنه لم يرَ أي سياسي يريد تغيير حقبة زمنية وصلت إلى 50 عاماً في يوم وليلة، ومن دون النظر في مسألة ردود أفعال الناس.
تحديات خطيرة
إلى ذلك، لفت أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د.عباس المجرن إلى أن السعر الحالي للنفط لم يعد يكفي لسداد فاتورة رواتب الموظفين في القطاع العام، فالإيراد الشهري المتحقق من سعر 28 دولاراً لبرميل النفط لا يزيد على 630 مليون دينار، بينما تصل قيمة الرواتب إلى 850 مليوناً شهرياً، كاشفاً عن أن الدولة تواجه تحديات خطيرة تتمثل في الزيادة المتواصلة في عدد السكان، وكذلك تزايد عدد الخريجين الداخلين إلى سوق العمل، ما سيضاعف عدد موظفي الدولة خلال 15 سنة مقبلة.
فرص بديلة حقيقية
وأشار المجرن إلى أن القول بعدم وجود دعم، وإن الدعم الذي تتحدث عنه الحكومة ناتج عن حسابها للتكلفة، باستخدام تكلفة الفرصة البديلة، غير صحيح، لأن حساب التكلفة لا يكون صحيحاً إذا لم يحسب باستخدام الفرصة البديلة، ذلك أن براميل النفط التي تستهلك في إنتاج الكهرباء والماء ووقود السيارات في الكويت، التي تصل إلى 400 ألف برميل يومياً، لها قيمة في السوق العالمي، ولو لم نكن نستخدمها، لتمكنا من بيعها وتحقيق إيراد منها، وبالتالي، فإن تكلفة فرصة بيعها حقيقية وليست وهمية.
وقال: القول بأن وزارة المالية قدمت مشروع الدعوم، وهي ليست لها علاقة بالدعم، وأنه كان على وزارة التجارة تقديم هذا المشروع، فهذا أيضاً غير صحيح، لأن موضوع الدعوم له علاقة بالإنفاق العام في الميزانية، وهو من صميم اختصاصات «المالية»، ولجنة الدعوم التي تم التعاقد معها، لإعداد دراستها تضم 19 جهة حكومية، وليست وزارة المالية فقط.
تغطية العجز
وأعلن المجرن أن الحكومة لا تستطيع تغطية العجز بأكمله من الاحتياطي العام، لأن معظم أصول الاحتياطي العام تستثمر في السوق المحلي والأسواق الإقليمية، لافتاً إلى أنه وبسبب ما تمر به المنطقة من حروب وكوارث، فإن قيمة هذه الاستثمارات منخفضة حالياً، وبيعها من أجل تحويلها إلى سيولة ستنتج عنه خسائر.
وأشار إلى أن القانون يحظر المساس بصندوق احتياطي الأجيال القادمة، كما يحظر على الحكومة الإقتراض. لذلك، فإن معالجة مواطن الهدر في الإنفاق، وتخفيض الدعوم، أحد المخارج التي تحاول الحكومة اللجوء اليها الآن.
مجموعة من الحلول
قدم أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت د.عباس المجرن في نهاية مداخلته بالندوة مجموعة من الحلول لحل المشكلة تتمثل في:
– تصحيح آلية صنع القرار الاقتصادي في الدولة، التي تعاني التباطؤ والتأجيل والتعطيل، وذلك سببه تعدد مراكز صنع القرار الاقتصادي، وغياب التنسيق بينها، بل ووصول قراراتها إلى حد التناقض والتعارض في الكثير من الأحيان.
– زيادة الجرعة الفنية في القرار الاقتصادي على حساب الجرعة السياسية.
– تحقيق التوافق السياسي والمجتمعي على استراتيجية تنمية واضحة وملزمة للجميع يثاب من يساهم في نجاحها ويحاسب من يعرقلها.
– رفع كفاءة عملية التخطيط التي تعاني الضعف في الكويت، بسبب عدم استقرار أسعار النفط من جهة، وضعف كفاءة الجهاز المكلف بعملية التخطيط.
– رفع كفاءة الجهاز التشريعي، وتحديد أولويات الإصلاح التشريعي على أسس علمية وموضوعية.
– معالجة ضعف كفاءة الجهاز التنفيذي، وعدم قدرته على تنفيذ السياسات والبرامج التنموية، وما يتسبب به ذلك من هدر مالي.
وهذه المعالجة تتطلب إصلاح نظام التوظيف الحالي، الذي يساوي بين الموظفين، فلا يكافئ المخلص ولا يعاقب المسيء، كذلك إصلاح نظام الوصول إلى المواقع القيادية عبر الروابط العائلية أو القبلية أو الطائفية أو الحزبية.
– معالجة ضعف مخرجات التعليم، فالكويت تنفق على التعليم أكثر من فنلندا، ولديها أفضل نسبة مدرسين إلى عدد الطلبة، لكن كفاءة مخرجاتها التعليمية أقل من زيمبابوي، الدولة الإفريقية الفقيرة.
