حبيب السنافي : حكم النخبة

حبيب السنافي
حبيب السنافي

مَن بيده القرار؟.. سؤال يتكرر بخواطرنا، خصوصاً عندما نستشعر عظمة المآسي داخل مجتمعنا أو بقية المجتمعات من حولنا، مَن يدير مَن؟

إنها النخبة، النخبة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، تلك التي تخطط وتنفذ وتسيّر بإرادتها العليا مصير شعوب بأكملها، الشعوب هي الأداة والضحية لحكم النخبة، وليس لها إرادة حقيقية في أغلب الأحوال. مصالح طبقات المجتمع أضحت وسيلة وليست غاية، مصالحها وحقوقها وامتيازاتها ورفاهيتها ليست ضمن خطط الكبار أصحاب رؤوس الأموال والمراكز القيادية العليا، نخبة الحكام ونخبة التجار ونخبة العسكر، تلك نخب الفساد الخفي الرابض بيننا.

تلك النخب المسيطرة لم ولن تكون يوماً مثالية، لا في أخلاقها أو سلوكها، هي المسبب الرئيس لابتلاءات الشعوب الغافلة عن خططها الخبيثة، هي المسؤولة عن دمار المدن ودك القرى وهدم البيوت وتهجير السكان وتشتيت شعوب بملايينها، كما هي الحال في سوريا واليمن وليبيا.. ووو، هذه الشعوب سُلبت إرادتها، وانتزع حاضرها، وفقدت مستقبلها، خضوعاً لإرادة النخبة القاتلة، التي لا يرف جفنها رأفةً لصورة طفل غريق على شاطئ مهجور، أو تقلق للمصير المجهول لعشرة آلاف قاصر اختفوا في الوسط الأوروبي، أو تكالب العائلات المعوزة على قصعة طعام مهترئة تظاهرت وتملقت النخبة الماكرة بتقديمها إليهم، وسط فلاشات آلات التصوير.

نخب الطغاة تترصدنا دوماً بمظهرها المخادع الأملس العطوف، بينما هي متوحشة متحفزة للقتل والتدمير بأي لحظة عند إحساسها بالخطر الداهم، حفاظاً على مراكزها ومصالحها التجارية والمالية.

الطامة العظمى حينما تتبادل النخب الإقليمية والعالمية الحفاظ على المصالح المشتركة وتأمين مناصب الحكم والسيادة، والتغاضي عن هتك حرمات وحقوق الشعوب المصعوقة بالفقر والجهل.

إلى متى الأكثرية والأقلية في خدمة النخبة؟

فالنخبة تنكمش صعوداً، لتضيق دروب الثروة وتقتصر عليها ثراءً، وليسهل تحكمها بمفاصل السياسة والاقتصاد والإعلام.

الكل يكدح ويعمل من أجل إسعاد النخبة وإرضائها، لتأمين حياة رغيدة لا يكدرها التمرد والممانعة، بل الخضوع والخنوع لإرادة السادة.

مثلما الشعب لا يستحق مكابدة شظف العيش والحكم المستبد للنخبة، كذلك النخبة لا تساوي شيئاً مذكوراً أمام سمو الشعب وعليائه.

تعريف الحرية عند الشعب، أن يتحكم هو بمصيره، بينما هي عند النخبة حرية النهب بلا محاسبة أو تسيّل الثروات لخزائنها بلا مراسٍ.

لندرك بوعي أن النخبة وطنها ثروتها، وكم ديكتاتور جبان وشلته الفاسدة شحنوا ثرواتهم وغادروا مودعين بطلقات المدافع الوداعية، بينما الطائرة تنطلق بأقصى سرعتها على مدرج المطار مع تباشير ثورة الشعوب المكلومة بهم.

التاريخ يروي أن الصراع بين النخب على الغنائم هو سبب الحروب والمآسي والاحتلال، النخب تتنافس في زوبعة الصراع، والزوبعة عبارة عن شعوب يجذبها الموت المجاني للقعر اللانهائي.

في الخاتمة، لا فاصل أو حد بين حكم الإقطاع وحكم النخبة، هما سواء، فالإثنان يتنفسان روح المجتمع ويستهلكانه، تلك وصفة الأنانية البشرية، ولن تذوي حتى تقرر الشعوب الخلاص من نخبها المنحرفة.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.