
في الوقت الذي يضيق فيه العدو الإسرائيلي ذرعاً بالانتصارات التي تحققها حركة المقاطعة الدولية (BDS)، وبجهود فردية، من أجل عزل إسرائيل، والتضييق عليها دولياً، والتي كان آخرها تراجع الحكومة الفرنسية عن صفقة شراء طائرات بدون طيار من شركة “إلبيت” الإسرائيلية، احتجاجاً على سياسة تل أبيب تجاه الشعب الفلسطيني، وقبلها كان قرار جمعية “الأنثروبولوجيين” الأميركية، بضرورة مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية (راجع صحيفة العربي الجديد عدد ٢٥ نوفمبر٢٠١٥ ، ٧ فبراير ٢٠١٦)، ما أربك دولة العدو، ودفعه لمطاردة الحركة في أوروبا، واتهامها بمعاداة السامية والكراهية لليهود. نقول في هذا الوقت نفاجأ بتصعيد الخلاف بين الرياض وحزب الله، إثر تحفظ ممثل الحكومة اللبنانية ووزير خارجيتها جبران باسيل على البيان الختامي لاجتماع الجامعة العربية، بعد حرق سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، الذي وصف “حزب الله” بالتنظيم الإرهابي. ثم تطور الخلاف إلى دعوات لمقاطعة لبنان، والتراجع عن منح الدعم للجيش اللبناني وعدم السفر إلى لبنان، وهناك مَن ينادي بطرد اللبنانيين من جزيرة العرب والخليج، وعدم تجديد إقامتهم، لأن لبنان بنظرهم تحول إلى “ولاية إيرانية تُسَبح بحمد المرشد الفقيه”.
يبدو أننا لم نتعلم بعد من أخطائنا السابقة، فحين تخلينا عن دعم القضية الفلسطينية، وركبنا قطار التسوية والسلام الوهمي مع العدو الإسرائيلي، اخترقت إيران صفوف المقاومة المسلحة، ومدت جسوراً مع الإسلام السياسي السني والشيعي (حزب الله، حماس، الجهاد الإسلامي) ومع سوريا وحوثيي اليمن من جهة أخرى، لتشكل محوراً جديداً في المنطقة، وكذلك فعلنا عندما تخلينا عن دعم الشعب العراقي، وتركناه يواجه ثلاثية الاحتلال والفساد والطائفية بمفرده، على أساس نظرية خاطئة تقوم على اعتبار أن “الشيعة العرب هم أتباع لإيران بالمطلق”، من دون التمييز بين شيعة السلطة من الإسلاميين المنتمين لنظرية “ولاية الفقيه” وحزب الدعوة، وبين الوطنيين والعروبيين واليساريين وعامة الناس منهم الذين لا يقلون إخلاصاً لعروبتهم وأرضهم عن غيرهم، ثم نأتي لنتساءل عن سبب تمدد النفوذ الإيراني في العالم العربي!
إن غياب المشروع العربي النهضوي، واشتداد الصراعات العربية التي يجب أن تتم تسويتها بالتراضي والحوار والتنازلات، بعيداً عن الاستقواء بالأجنبي، هي التي أخلت الساحة العربية لإيران، كي تشغلها بنفوذها وأجندتها المشبوهة.
والخطأ نفسه الآن يتكرر مع لبنان، حين يُعد حزب الله هو كل لبنان، وكل لبنان هو حزب الله، من دون إلمام جيد بالوضع اللبناني، ودقة الظرف الذي يعيشه، من حالة الاستقرار الهش القابل للانفجار في أي لحظة وفراغ السلطة وغياب الرئيس، إلى الأزمة الاقتصادية والنفايات وانعكاسات الأزمة السورية على الداخل اللبناني، لتأتي المقاطعة الخليجية، موجهةً ضربة موجعة للقطاع السياحي، كالفنادق والمطاعم والمتاجر وسيارات الأجرة من جهة، ومن جهة أخرى ستقدم لبنان على طبق من ذهب لإيران، وبالتأكيد فالأخيرة ليست جمعية خيرية تقدم العون بلا مقابل.
إن لدول الخليج مساعٍي حميدة في التعامل مع الوضع اللبناني الملتهب، وخبرة في تضميد جراح أهله بدءاً من اتفاق الطائف في سبتمبر ١٩٨٩، وصولا إلى اتفاق الدوحة في مايو ٢٠٠٨، فالحذر كل الحذر من مقاطعته.