
محمد الغربللي:
مضت جمعية الدسمة وبنيد القار في إجراءاتها، بشأن تأجير السوق المركزي وجميع الأفرع التابعة لها، برعاية وموافقة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بعد الخسائر الكبيرة.. لا نقول التي تعرضت لها، بل الناتجة من صنع يديها، بسبب من تولوا إدارتها في سنوات سابقة.
فقد نشرت الجمعية المذكورة الأسبوع الماضي إعلان استثمار السوق المركزي في بعض الصحف المحلية، موجهة الدعوة للمستثمرين من داخل الكويت وخارجها أيضا لاستثمار السوق، وبمعنى أصح تأجير السوق، وهذه هي المرة الأولى في مجال العمل التعاوني الذي أنشئ منذ ما يزيد على الستين عاماً مضت، التي تسلك فيها إحدى الجمعيات التعاونية هذا المسلك تحت إشراف ومباركة الوزارة المعنية، ممثلة بوزارة الشؤون.
وما يمكن استنتاجه من الإعلان المنشور، أن الجمعية وضعت سعرا أدنى للقيمة الإيجارية للجمعية وجميع أفرعها بواقع 3/176 دينارا للمتر المربع، حيث تبلغ المساحة الإجمالية المخصصة للتأجير 17630 مترا مربعا، كما وضعت حدا أدنى لتقديم الأجرة المقترحة بواقع 65000 دينار شهريا، وهذا يعني أن سعر المتر المربع المقترح يعد «متهاودا» قياسا بالأسعار الموجودة، ولا سيما أسعار دول الخليج، وخصوصا دبي، في حال تقدمت إحدى الشركات الخارجية باستثمار السوق وأفرعه.
الشرط المسبق
الملاحظة الثانية، وفق ما أورده الإعلان المنشور الاشتراط على الشركات المتقدمة، بأن يكون لها سمعة طيبة في السوق.. وهذه الصفة لا تحدد بشأن الشركات، بل بشأن الأشخاص الذين يجب أن يتمتعوا بسمعة طيبة، أما الشركات التي تحمل هذه الصفة أو تدعي حملها، فترجمة هذه الصفة يجب أن تتمثل بتقديم الميزانيات السنوية للسنوات الثلاث الماضية، لدراسة وضعها المالي وملاءتها المالية.. الميزانية السنوية هي التي تكشف إن كانت الشركة تتمتع بسمعة طيبة في السوق، أو تعاني مشاكل مالية، وخاصة في الذمم المدينة.
هناك شركات محلية تعمل في نشاط الأسواق المركزية تعاني كثيراً دفع مستحقات الموردين، الذين ليس أمامهم إلا الانتظار لسنوات، للحصول على ما تيسَّر لهم من مستحقات محجوزة لديها .
فالإعلان المنشور خلا من شروط تقديم الميزانيات السنوية للسنوات الثلاث الماضية، وهذا شرط أساسي لمعرفة سمعة الشركة إن كانت سيئة مالياً أو ذات وضع جيد.
إفراغ القانون
على كل، هذه بعض التفاصيل في ضوء إصرار «الشؤون» على المضي في هذا المنحى في المجال التعاوني، مع أننا ذكرنا في العدد السابق من «الطليعة» عند تناولنا الموضوع، أهمية ملاحقة من تسبب في تلك الخسائر المالية الكبيرة على الجمعية، خصوصا أن الخطوة التي أقدمت عليها «الشؤون» من شأنها ضرب العمل التعاوني من أساسه، وأيضا إفراغ القانون التعاوني، الذي أقر منذ بضع سنوات، لاسيما في مجالي المراقبة المالية والإدارية، بوضع مراقبين على أداء الجمعيات، لمراقبة أعمالها على مدار العام، بغرض التأكد من حُسن سير إداراتها، من محتواه.
فالذهاب إلى هذا الحل، كما ذكرنا سابقا، يمثل نوعا من الانفراج لبعض الجمعيات التي يتم التلاعب بها، ولا يهم إن خسرت الملايين، مادام قد فتح باب التأجير للغير، كالخطوة التي قامت بها جمعية الدسمة بمباركة «الشؤون».
بالطبع، مع هذه الخطوة التي سيتم بموجبها تقديم طلبات الاستثمار بمدة تنتهي في 29 مارس المقبل، لن يكون هناك مساهمون في الجمعية يستفيدون من مساهمتهم في عملية شراء حوائجهم اليومية منها، واحتسابها ضمن أرباحهم في المستردات، وعليه لن يبقى لهم من مبرر للشراء من الجمعية التي تستثمرها شركة خاصة، ما سيؤدي لاحقا إلى قلة وتضاؤل حجم الشراء من الجهة التي ستستثمر الجمعية، مادام مرتادوها لن يحصلوا على أرباح على مشترياتهم اليومية منها.
«تجربة» أولى
من جهة أخرى، لا نعلم ما مصير الدَّين الذي بلغ ما يقدر بتسعة ملايين دينار، وعن الكيفية التي سيتم سدادها.. هل سيقع على كاهل المؤجر للسوق المركزي والأفرع الأخرى، أم ما سيتم تحصيله من عقد الإيجار الذي سيبرم مع الجهة المستثمرة؟ وهو مبلغ صغير قياساً بحجم المديونية.
على أي حال، هي أولى الخطوات أو التجارب التي انتهجتها وزارة الشؤون الاجتماعية، وفق تصريح سابق لوزيرتها، وعلى الرغم من مضي كل هذه السنوات والقوانين الخاصة بالعمل التعاوني والمعدلة أخيرا لتحسين سير أداء أعمال الجمعيات التعاونية والقضاء على الفساد الدائر في بعضها، لانزال نمارس «التجربة» في تسيير الأعمال، وكأننا في مختبر علمي نتأرجح ما بين الخطأ والاكتشاف، مع أن مفتاح المشكلة وجوهره وأساسه، هو مواجهة الفساد، وتعقب الفاسدين الذين يستغلون الوصول إلى مجالس إدارات بعض الجمعيات التعاونية، من أجل مصالحهم الخاصة. أما تحويل الجمعيات إلى أسواق مركزية مستأجرة، فهذا بعيد كل البُعد عن العمل التعاوني وقانون التعاون الذي تم اختراقه بهذه الخطوة.