«ظاهرة» الاتحاد الأوروبي مهددة بالأفول

كتب محرر الشؤون الدولية:
يبدو أن «ظاهرة» الاتحاد الأوروبي، التي لطالما اعتبرت النموذج الأمثل للشراكة الإقليمية المتميزة، مهدّدة بالأفول، في حال كانت نتيجة الاستفتاء المقرر إجراؤه في 23 يونيو المقبل في بريطانيا لمصلحة خروجها من الاتحاد الأوروبي.

والصورة، كما رسم ملامحها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، تشير إلى أن بريطانيا ستكون مع الاتحاد الأوروبي في الأمور التي تفيدها وتحقق مصالحها، وستبقى خارج التزاماته في الأمور التي لا تناسبها، ولا تحقق تطلعاتها.
هذه هي الصورة العامة، أما التفاصيل، فكثيرة وواسعة، بقدر اتساع العلاقة بين بريطانيا وشركائها الأوروبيين، ومن أبرزها أن المملكة المتحدة ستظل خارج منطقة اليورو، التي تضم حاليا 19 دولة، وستحتفظ بالجنيه الإسترليني، كما يضمن الاتفاق الجديد حماية الخدمات المالية التي تقدمها لندن، وهي أكبر مركز مالي في أوروبا، من أي تشريعات أوروبية يمكن أن تؤثر عليها، علاوة على حماية الشركات البريطانية من أي تمييز في معاملاتها التجارية مع منطقة اليورو، بسبب استخدام العملة البريطانية.

وفوق ذلك، فإن الاتفاق الجديد يعطي بريطانيا الحق في منع مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يبحثون عن عمل في إنكلترا من الحصول على مساعدات مالية من الدولة لمدة أربع سنوات، استجابة لشكوى الكثير من البريطانيين، من حصول الوافدين الجدد من أوروبا، وخاصة من شرق أوروبا، على معونات حكومية، بعد وصولهم إلى لندن بفترة بسيطة، غير أن كاميرون اضطر إلى تقديم تنازلات في هذا المجال لشركائه الأوروبيين، بسبب اعتراض بولندا، وانتهى الأمر بأن منع المعونات سيستمر لمدة سبع سنوات فقط، فيما كان كاميرون يتطلع لأن يبقى لمدة 13 سنة.

أسباب تدعم البقاء

لكن المراقبين يطرحون هذا السؤال: لماذا حرص الطرفان، بريطانيا والاتحاد الأوروبي، على الوصول إلى صيغة زواج جديد، حتى لو بدا مجرد «زواج مصلحة» لا يحمل الكثير من الدفء والحماس؟

وفي إجابتهم عن السؤال، يرون أن الاتحاد الأوروبي سيخسر الكثير إذا خرجت بريطانيا منه، إذ تمثل بريطانيا ثاني أكبر اقتصاد فيه بعد ألمانيا، كما أن الدول الثلاث الكبرى، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تعمل معا في الكثير من الملفات السياسية، سواء على المستوى الأوروبي أو الدولي، وعلاوة على ذلك، فإن خروج بريطانيا سيغير موازين القوى النسبية بين الدول الرئيسة في الاتحاد، وستبقى القيادة أساسا بين ألمانيا وفرنسا.

ونظرا لأن المانيا هي القاطرة التي تقود اقتصاد أوروبا، فإن فرنسا ستصبح الشريك الأضعف إذا اقتصر الأمر عليها مع المانيا، ولعل ذلك ما يفسر حرص الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على استمرار بريطانيا في الاتحاد، بخلاف الموقف التاريخي لسلفه الراحل شارل ديغول، الذي رفض مرتين انضمام بريطانيا إلى السوق الأوروبية المشتركة عامي 1963 و1967.
وتدعم المانيا أيضا بقاء بريطانيا، نظرا لتقارب المواقف بينهما في قضايا عديدة، من بينها حاجة برلين للتنسيق مع لندن في الملفات المهمة خارج أوروبا، مثلما حدث في المباحثات حول الملف النووي الإيراني.

حاجة متبادلة

على الجانب الآخر، يقول محللون إن بريطانيا لا يمكنها البقاء خارج السوق الأوروبية الموحدة، أكبر تجمع اقتصادي في العالم، الذي يستهلك نحو 51 في المائة من الصادرات البريطانية، كما أن نجاح بريطانيا في جذب الاستثمارات الأجنبية يرجع إلى أن المستثمرين يتمتعون بفرص بيع منتجاتهم في كامل السوق الأوروبية الموحدة، وليس السوق البريطاني فقط. وهذه ميزة هائلة بلا شك لكل الدول التي تتمتع بعضوية السوق.
وإذا كان منتقدو الاتحاد الأوروبي يرون أن بريطانيا تخضع للكثير من القواعد الأوروبية، فإنها ستستمر في الالتزام بهذه القواعد طالما استمرت في التمتع بعضوية السوق الموحدة، وهنا يمكن النظر إلى النرويج وسويسرا اللتين لا تتمتعان بعضوية الاتحاد الأوروبي، لكنهما تلتزمان بأغلب القواعد الأوروبية، بسبب عضويتيهما في السوق الموحدة.

كل هذا يعني، في نظر المراقبين، أن بريطانيا لو قلّدت النرويج أو سويسرا ستخضع لأغلب القواعد الأوروبية من دون أن يكون لها دور في صياغتها، وستفقد تأثيرها السياسي على أوروبا، وهذا يخالف ما حاولت بريطانيا القيام به عبر تاريخها الطويل، إذ دخلت بريطانيا في عدة حروب، لمنع انفراد ألمانيا أو فرنسا بالسيطرة على أوروبا.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.