بين حصار غزة ودماء التطهير.. صمت دولي

معبر رفح الحدودي بين فلسطين ومصر
معبر رفح الحدودي بين فلسطين ومصر

محمد الغربللي:

(1)
عدة نداءات أطلقت، ولا تزال، من أجل فتح المعابر على بعض البلدات السورية، لإيصال المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين فيها، كما قضت توصيات المؤتمرات الدولية إلى النظام السوري والتنظيمات الإرهابية، بإفساح المجال لفتح الطرق أمام تلك البلدات المحاصرة، وبعضها أمضى ما يقارب السنتين من دون أن يدخل على سكانه أي نوع من الغذاء أو الأودية، كما هو الوضع في نبل والزهراء.
هذه البلدات عادة ما تضم بضع مئات من السكان بالحد الأقصى، ولا خلاف على ضرورة تقديم العون لهم، فالمدنيون يجب إنقاذهم من تلك الحرب الطاحنة هناك، هي ليست حرباً أهلية، بل استخدمت لزج آلاف المقاتلين من جنسيات مختلفة، لإفشال الدولة السورية، وتفكيك مكوناتها السكانية لمذاهب وطوائف وقوميات.
هذا ليس لب موضوعنا، لكنه مجرَّد استدلال على الوضع البائس لحياة ما يقارب المليون ونصف المليون من سكان غزة المحاصرين في القطاع، في مساحة لا تتجاوز 360 كم2، وفي ظروف معيشية في غاية الصعوبة، تحت حصار مضروب منذ سنوات، بعد إغلاق الحدود من الجانبين، والتفنن في خنق الشعب الفلسطيني هناك..
في الحدود الغربية تم ضخ مياه البحر لهدم الإنفاق وتخريب التربة، وفي الحدود الشرقية تستخدم إسرائيل أجهزة متطورة جدا لهدم الإنفاق، وراح ضحية هذا الهدم عدة أشخاص من سكان غزة العاملين في الجهاز العسكري لحركة المقاومة.
حصار بري من كلتا الجهتين، وحصار بحري، ولا تتردد بعض القوات التي تحمل نفس الدم العربي في إطلاق النار مباشرة، ومن دون إنذار، في حال أي تسلل بحري أو بري.
معبر رفح الحدودي افتتح لمدة يومين الأسبوع الماضي، وبلغ عدد المتقدمين لعبوره 25 ألف طلب، منهم من يريد العلاج غير المتوافر في القطاع، ومنهم من يريد العودة لجامعته ودراسته، ومنهم من يريد الالتحاق مرة أخرى بعمله.. عدد الطلبات بالآلاف والعدد المسموح به للمرور بضع مئات، ولابد من تقديم «المقسوم» من الدولارات لتسيير الأمور والتمكن من العبور.
الحصار مستمر على غزة منذ سنوات، لم نسمع عن مؤتمرات تدعو إلى فكه عنها، ليعيش أهلها بكرامة وإنسانية.
وفوق الحصار، هناك الحروب والاعتداءات الهمجية التي تشنها إسرائيل بين فترة وأخرى ضد الأهالي، على اختلاف أعمارهم، ولا تتورع عن هدم المنازل والمدارس، وما يمكن ان تطوله القنابل الموجهة، كما يستمر الحصار اللاإنساني على مليون ونصف مواطن من قطاع غزة، وكأنهم لا ينتمون إلى جنس البشر.

(2)
إنهم يطهرون أدران هذه الأمة المتفسخة في حروبها العبثية ونزاعاتها الدموية وحروبها المذهبية والطائفية.. تطهير يومي، لعل الجسد المتفسخ يصل إلى قدر من التعافي، وتتخلص الشعوب العربية من هذه الأمراض.
كل يوم يغسل دم شهيد أو شهيدة تراب فلسطين، بعد تحديهم العدو الصهيوني.. هذا العدو الذي يذرف الدمع على أحوال الدول العربية السنية، مقدماً مساعيه الحميدة جداً للتعاون معها. البعض يطرب لهذا التوجه، الذي يتماشى مع توجهه المذهبي، بقدر ما، ويزيد من حالة التفسخ والانحلال الذي نعيشه.. آخرهم في هذه الدعوات كان وزير الدفاع الصهيوني، الذي مدَّ يديه بمصافحة وابتسامة مع التصريحات التي أطلقها.. نوع من السموم يحقنها في هذا الجسد.. بخلاف رصاصه اليومي الذي يوجهه للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، أو أسلحته الفتاكة في غزة.
فتاة في مقتبل العمر يسبح دمها على أرض فلسطين في الخليل، والضباع الصهيونية تحوم حولها.. تنزف الدم على هذه الأرض التي استشهد فيها ومن أجلها عشرات الآلاف، باختلاف منابعهم.
في الوقت نفسه هم يطهرون أمراضنا التي أصبحت شبه مزمنة ومستعصية على العلاج، ومع ذلك لا يستكينون أو يملون أو يتوقفون.. حين حاولت القطعان الصهيونية دخول مخيم الأمعري في رام الله، لم يلبثوا في منازلهم، أو يتراجعوا، بل تصدوا للقوات بأذرعهم الفارغة، عدا حجارة أرض فلسطين.
دماء تسيل بشكل شبه يومي منذ أكتوبر من العام الماضي، حتى وصل عدد الشهداء إلى 180 شهيدا وشهيدة.. العديد منهم لم يتجاوز 18 عاما، يواجهون الصهاينة المجندين بجميع أنواع الأسلحة.
دماء تسيل ويعرفون أنها ستسيل في النهاية، لكنها ليست عمليات انتحار، كما يحاول البعض تصويرها، بل هي تطهير لهذا الجسد العربي المتفسخ، الذي شارف على الانحلال.. علَّ أصحابه يتوقفون عن شن الحروب العبثية التي فتكت بهذه الأمة.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.