
كتب محرر الشؤون الدولية:
تُجاهد التنظيمات الإرهابية تحت غطائها الإسلامي المزيف، لاختراق العمق الأفريقي، حيث تتركز أبرز تلك التنظيمات، وعلى رأسها «داعش» وما بقي من «القاعدة»، لتعميق أزمات المنطقة، ولاسيما بعد فشل «دبلوماسية الولاء والبيعة»، التي يتبعها «داعش» في استقطاب الجهاديين، ورفد صفوفه بهم. ولعل أبرز ملامح ذلك الصراع تتجسَّد بشكل أكثر وضوحا في التصريحات التي أطلقتها في الفترة الأخيرة قيادات حركة الشباب الصومالية، وتحذيرها من أن «خيار الحرب سيكون ضد من يخدم مصلحتنا».
وفي تقدير المراقبين، فإن «داعش» يشعر بأن خارطة تمدده مازالت ناقصة، وأن «دولة الخلافة» التي يزعم تكوينها لن تتم إلا بتركيز وجوده في أفريقيا، أرض ميعاد التنظيمات الجهادية وملجئها الرئيس.
وخلافا للعراق وسوريا، وحتى ليبيا، التي كانت ساحات خالية تنهكها الطائفية والفوضى والحرب الأهلية، لا يزال عصيا على «داعش» التوغل في الداخل الأفريقي، حيث تتركز تنظيمات سبقته في الظهور، وخلقت لنفسها وجودا لن يكون من السهل اختراقه.
وفي معية اغتيال المئات من أنصار «داعش» أخيرا في ليبيا تحت وقع الهجوم الجوي الأميركي، يرتكز التنظيم في تحقيق تمدده وانتشاره على سياسة البيعة والولاء ومحاولة تأسيس علاقات قوية مع التنظيمات الأفريقية، بهدف تكوين تحالفات تخدم جهوده، من أجل الانتشار.
لكن الخبراء يرون أن العمق الأفريقي لا يزال عصيا على خلافة البغدادي، والدليل على ذلك التحذيرات التي أطلقها قياديون في حركة الشباب الصومالية، لحماية الصف الداخلي، ومواجهة كل من يعمل على تمزيقه.
خلايا الدواعش
ووفقا لمحللين، تعزز تلك التحذيرات المخاوف من ظهور عناصر موالية لـ «داعش»، ولاسيما أن قياديا سابقا من حركة الشباب سبق أن أعلن الولاء والبيعة للبغدادي، كما أثار مقتل قيادي من حركة الشباب، أعلن ولاءه لتنظيم الدولة مع عدد من رفاقه جنوب الصومال، مخاوف من ظهور خلايا تتبنى الفكر الداعشي.
ويقول خبراء إن أفكار «داعش» كانت موجودة أصلا في الساحة الصومالية قبل اغتيال زعيم الحركة أحمد عبدي غودني، الذي كان يتبنى سياسة القبضة الحديدية لإدارة مجريات حركته ومنع تسريب هذه الأفكار إلى عناصره وقياداته الميدانية.
ويضيفون أن سياسة غودني كانت تعتمد حرصه على وحدة الحركة، وأنه على الرغم من الانشقاقات التي شهدتها الحركة في عهده، وأدت إلى اغتيال قيادات بارزة كانت تعارض بعض أفكار الحركة، فإنه نجح في منع تسرب أفكار جديدة، كفكر تنظيم داعش إلى عناصره.
وحول التحذيرات المتكررة من تقسيم صف الحركة من قبل قيادات «الشباب»، يحذر المحللون من أن هذه التحذيرات «قد تنبئ بوجود قيادات ميدانية داخل الحركة، أو عناصر مؤثرة محبطة من الخسائر المتلاحقة في ميادين المعركة، تأثروا بأفكار داعش، ويرون أن انضمامهم إلى هذا التنظيم يعني الانتقال من الجهاد المحلي إلى الجهاد العالمي».
وكان إعلان الشيخ عبدالقادر مؤمن عن مبايعته للبغدادي، بمثابة سهم في صدر الحركة، وأظهر انشقاقا كبيرا في صفها، رغم أنها كانت حريصة على عهدها وولائها لتنظيم القاعدة، في ظل توسع «داعش» في بعض الدول العربية، والبحث عن موطئ قدم له في الصومال.
انشقاق القيادات
الوقائع على الأرض، تؤكد ما ذهب إليه أولئك، ذلك أن حركة الشباب كانت تعاني في السنوات الماضية موجة انشقاقات شملت كبار قادتها على غرار الشيخ مختار ربو أبومنصور، الذي انشق عن الحركة مع المئات من المقاتلين في إقليم جوبا السفلى، في خطوات قد تمهد الطريق لاستقطاب «داعش» المزيد من قيادات الحركة كانوا بحاجة إلى التمويل ومصادر اقتصادية، بعد خسارتهم مدنا رئيسة أمام القوات الحكومية.
وعلى الرغم من منع عناصر الحركة من مشاهدة مقاطع الفيديوهات التي يعرضها «داعش» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التنظيم الذي يعتمد على الحملات الدعائية عبر منصات الإنترنت له تأثيره داخل حركة الشباب، وهو ما سيؤمن عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب الذين يواجهون تهديدات أمنية بعد مقتل زميلهم إبراهيم أفغان، الرجل الثاني للحركة، بعد اختلافه مع الزعيم الراحل أحمد عبدي غودني.
وحذرت حركة الشباب، على لسان ناطقها الرسمي شيخ علي طيري، في مناسبات مختلفة نقلتها وسائل الإعلام المحسوبة عليها، من تقسيم «صف المجاهدين» أو تبني أفكار جديدة غير فكرها، ملوحة بالسيف لمن انشق عن جسد الحركة وتبنى أفكارا أخرى.
ودعا والي ولاية شبيلي السفلى، شيخ محمود أبوعبدالله، في تسجيل صوتي نشره موقع يخص الحركة «المجاهدين» إلى توحيد صفهم، محذرا في الوقت نفسه ممن يسعون إلى تقسيم صف الحركة، أيا كانت أفكاره، وأنهم لن يقبلوا أفكارا جديدة، تحت طائلة «خيار الحرب ضد من يخدم مصلحة غيرنا»، وفق أبوعبدالله.
مواجهة حتمية
ويتوقع المراقبون دخول الصومال ودول القرن الأفريقي مرحلة جديدة من الصراع ضد الحركات المتشددة، كما ستشهد صراعا بين تنظيم القاعدة، الذي يسعى إلى استعادة نفوذه، و»داعش» الذي أخذ يعبر القارات لفرض هيمنته، أو لفراره من أرض المعركة التي يطرد من ساحتها في العراق وسوريا.
لكن المراقبين لا يغفلون «الأفكار المتناقضة» بين مقاتلي الشباب و«داعش»، حيث يرون أنه في حال إعلان «داعش» فرعه في الصومال رسميا ستكون المواجهة بين الجانبين حتمية، مرجحين أن تنظيم الدولة سيعزز نفوذه في المنطقة نتيجة تمتعه بإمكانيات هائلة عكس حركة الشباب التي تعاني ضعفا عسكريا واقتصاديا.
ويرى هؤلاء أن نجم حركة الشباب أخذ يسقط رويدا رويدا بعد الانشقاقات، وأن ظهور أفكار «داعش» في المرحلة الراهنة قد يضعف كذلك صموده لفترة طويلة لما يعانيه من مشاكل اقتصادية وخسائر فادحة في الميادين.
وشددوا على أن بوصلة الصراع الصومالي قد تتخذ مسارا جديدا أشد فتكا من سابقه في حال نشوب صراع بين «القاعدة» و«داعش»، ما يعني أنه سيعمق الأزمة الصومالية التي شارفت على الانتهاء، نتيجة العمليات العسكرية من قبل القوات الحكومية والقوات الأفريقية (أميصوم).
وتواجه الحكومة الصومالية حاليا عدة تحديات، أبرزها الملف الأمني، وستكون المرحلة المقبلة مليئة بالتطورات الأمنية، التي ستشكل تحديا جديدا أمام حكومة مقديشو والمجتمع الدولي، الذي يدعم الصومال في حربه ضد الإرهاب.
وتتحدث تقارير عن سيطرة الموالين لداعش على بلدات جنوب الصومال، فضلا عن الجماعة الموجودة في جبال غال غالا، شمال شرق البلاد، التي أعلنت مبايعتها لداعش، غير أنه لا يعرف بالضبط عدد المقاتلين فيها.