
محمد الغربللي:
لم يمضِ على توليه منصبه الجديد أقل من ثلاثة أشهر، حتى أتحفنا بتصريح أقرب إلى إعلانات الأفلام السينمائية في دور العرض.. «قريباً على الشاشة» أو «قريب جداً» ، وهي الإعلانات التي تسبق عرض الفيلم الرئيس في صالة العرض.. هكذا يمكن وصف تصريح وزير الأشغال د.علي العمير للصحافة في «منزله» الجديد، بأن مستشفى جابر سيتم افتتاحه قريبا.
وكلمة «قريباً» لا تعني زمنا محددا، فهي عملية نسبية لا تخضع لتواريخ أو أيام.. فـ«قريبا» قد تكون شهرا أو سنة أو أكثر، المهم التهرب من تاريخ محدد والالتزام به، بعد التأكد من سير الأعمال الخاصة بالمشروع.

مواعيد مؤجلة
الوزير الجديد في منصبه لم يختلف عن بقية الوزراء الذين سبقوه في تولي مسؤولية إنشاء المشاريع، ليسوا أفضل منه في ضرب المواعيد المؤجلة، ابتداءً ممن وقع على عقد المشروع، وهو الوزير فاضل صفر، الذي لم يعطِ موعداً لإنهائه شفاهة، حيث كان الموعد المحدد لإنجاز المشروع في العقد خلال أربع سنوات، اعتبارا من 14 نوفمبر 2009، وبحسبة تاريخية بسيطة يفترض أن ينتهي المقاول من أعماله نهاية عام 2013، بموجب العقد المبرم بينه و«الأشغال»، وعليكم حساب التأخير، ليس بالأيام، بل بالسنوات، ولايزال عداد حساب التأخير مستمرا حتى يومنا هذا.
لذا، أتت كلمة «قريبا» في سياق التصريح الأخير للوزير الأخير، الذي مرَّ على المشروع بعد ثلاثة وزراء قبله، وربما يأتي من يخلفه دون الانتهاء، ليعاد تكرار «قريبا» مرة أخرى.
مشروع ضخم
المشروع ليس مستوصفا صغيرا تعالج فيه الحالات المرضية العادية، كما نشاهدها في المناطق السكنية، فهو يحتوي على 36 غرفة عمليات، ما بين صغيرة وكبيرة، وأربع عيادات لقسطرة القلب، وأربعة مختبرات لتصوير «ام .ار.اي» – التي تعاني مستشفياتنا الحالية نقصا فيها، ما يؤدي إلى تأخير المواعيد، من جراء الازدحام فيها- فضلا عن مكونات المستشفى في تخصصاته كافة، كعيادة للإصابات ومركز كبير لطب الأسنان، وتقدر مساحة البناء فيه بـ 470 ألف متر مربع، بسعة سريرية تبلغ 1168 سريرا.
إذن، المستشفى حجمه كبير ومكوناته متعددة، من ثم تم تحديد مدة أربع سنوات لإنجازه.. ومن سيعملون في المستشفى ليسوا من الأطباء حديثي التخرج، بل من الأخصائيين، شهادة وخبرة، وهؤلاء لن يتم استدعاؤهم للعمل بالهاتف أو بواسطة مقاولة أنفار، هم كادر طبي تخصصي قد لا يتوافرون أو يقبلون على العمل ما دامت هناك طلبات أخرى تستدعيهم برواتب مجزية أكثر مما سيعرض عليهم عند تشغيل المستشفى، كما أن هناك الكادر التمريضي الذي يعاني نقصاً محلياً وعالمياً أيضا، وأبواب الأعمال مفتوحة أمامه في أكثر من مكان ودولة، في حين أن باب المنافسة مفتوح على ما يشبه التقليص في الميزانية، ولاسيما في باب الرواتب، ولا يُعرف كيف ستتمكن وزارة الصحة، بعد انتهاء الأشغال من مشروعها الذي دام سنوات، من استدعاء وتوظيف الكادر الطبي والتمريضي لتشغيله.
لوحة جديدة
في مشاريع أخرى أصغر منه بكثير احتاجت وزارة الصحة إلى أربع سنوات، كي تستطيع تشغيله، وقد تكون أمام مأزق حاليا للقيام بذلك، وخاصة أن هناك عدة مراكز جارٍ العمل بها، من حيث التوسعات في المستشفيات الحالية في مدينة الصباح الصحية، أو المراكز الجديدة، كمستشفى الجهراء، الذي بُدء العمل فيه منذ فترة وجيزة.. إذن عملية التشغيل النهائي ستمتد سنوات مقبلة، لذا أتت كلمة «قريبا» في تصريح الوزير د.العمير.
ولعل كلام الوزير السابق م.أحمد الجسار خير دليل، فقد كان في جولة تفقدية على المشروع في نهاية يوليو 2015، وأدلى بتصريح صحافي، بعد انتهاء الجولة، موضحاً أن «وزارة الأشغال ستسلم مستشفى جابر إلى وزارة الصحة نهاية عام 2015».
لم يستخدم «قريبا»، بل حدَّد تاريخا على الأقل، والتاريخ مضى، كما غادر هو المنصب وقبله الوزراء الذين سبقوه.
وفي النهاية ما على المقاولين الذين يحصلون على المشاريع الكبرى إلا أن يضعوا على اللوحة التي عادة ما تثبت أمام المشاريع كلمة «قريباً» في خانة تاريخ الانتهاء، بدلاً من تاريخ كاذب لا يمت للعقد ولا للتصريحات الوزارية المتواصلة، سواء كتابة أو شفاهة، بصلة.