«عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».
من يؤمن بهذه المقولة لأبي ذر الغفاري، رحمه الله، يعرف أنه لا يشترط على الأفراد أن يكونوا تحت إمرة سلطة جائرة حتى يثوروا، ولا يجدر بهم أن يكونوا أتباعا لديانة أو مذهب معيَّن، حتى يكون لهم الحق في التمرد والعصيان، بل إنه فقط قوت اليوم بإمكانه أن يكون المسوق والدافع الأكبر للثورة.
إن العيش الكريم من أبسط حقوقنا كبشر، فمن حق كل من سلب منه هذا الحق أن يقاتل من أجل الحصول عليه، ولا يشترط أن يكون فردا صالحا، أو على خلق عال، فهو حق أصيل له منذ اللحظة التي أطلقوا عليه إنسانا، وليس كما يوهمنا بعض رجال الدين المنعمين بخيرات السلطة، بأن سوء الحال ما هو إلا نتيجة لفسادنا.
إذن، لماذا التنظير في أحقية الناس على التمرد؟ ولماذا تقمع ثوراتهم بناء على موقفهم من معركة الجمل؟ ولماذا تبارك ثورات ويستهان بأخرى وفق الموقع الجغرافي؟ ألم يحركهم جميعا الدافع نفسه والمعاناة ذاتها؟ فهل يكترث الذي يوشك على الموت جوعا بحُسن الخلق؟ وهل يهتم من اتخذ الشارع فراشا بالأعراف والتقاليد؟ بل هل يجادل المحروم بأحقية الخلافة؟
ألا يكفي أن تكون جائعا لتتمرد؟ ألا يكفي أن تكون محروما كي تلعن الظلم؟ وألا يكفي أن تكون مظلوما لتثور؟
كيف يطلب منهم أن يكونوا أفرادا صالحين، حتى ينعموا بحياة صالحة؟ فهل من المعقول أن تحسن أخلاق الناس أوضاعهم؟
لذا، دعكم من الجدل والتنظير، واعطوا كل ذي حق حقه، وانظروا للأمور بعين الإنسانية المجردة من كل الأمراض الطائفية والقبلية، وبعيدا عن أنواع التمييز العنصري، فإن لم تكن سببا في نصرة المظلوم، لا تكن سببا في زيادة الظلم عليه.
هذا بيان لمنحى غاية في الاهمية من اجل استعادة الحقوق المسلوبة ؛ لكن الاشكال يكمن في ان الدفع الجزئي لتمكين استحقاقات المظلومين … يتطلب فترة طويلة لتحقيق ذلك !
لذا ، و من باب اولى ، يكون من الاوفر في الوقت و الجهد التعويل و التركيز على الاساس الذي يُعد صمام الامان لدفع الظلم ، و الذي يتمثل في نظام للسلطة قائم على الانتخاب في تعيين كبار مسؤولي الدولة ،؛ و بما اننا لا زلنا نحبو في طريق العدالة السياسية الاجتماعية ( الديمقراطية ) ، كان و لا بد ان تتم تلك الانتخبات المقترحة تحت اشراف كامل للامم المتحدة !
ففي هذا تثبيت للطوق العدلي الذي يحمي و يصون حقوق كل الناس ، و بذات الوقت يُقر في وعي الامة انها هي الحاكمة في الاصل لا المحكومة كما يتوهم الكثير منا . عند هذا ، و عند هذا فقط ، يحق لنا و يصح منا … القول بأن دنيا الظلم ماتت !!!